هوامش نقدية علي كتاب جورج مقدسي.. نشأة الإنسانيات (1)
الثلاثاء 03/سبتمبر/2024 - 08:03 ص
طباعة
مع إطلاعي الأولي علي كتاب جورج مقدسي لابد من كتابة مجموعة من الهوامش النقدية علي هذا السفر العظيم ..هوامش تهدف إلي قراءة نقدية لماخطه جورج مقدسي في كتابه وفي البدء لابد أن نؤكد بأن صديقنا المترجم أحمد العدوي هو صاحب إتجاه إيديولوجي واضح من إختياراته ..وهذا ليس عيبا في المترجم فالإيديولوجيا هي رؤية للعالم والإنسان وموقف حاكم يحسب للباحث أو المترجم معا وإن غيب الموضوعية أحيانا .
كنت قد إطلعت منذ عقود علي كتاب توبي هاف فجر العلم الحديث والذي يشخص فيه عجز العلم العربي عن إحداث طفرة كبيرة مثل التي أحدثها العلم الغربي فى علوم الدنيا..ونأتي بعد قراءة جورج مقدسي لنري أن ماهو عيب فى نظر توبي هاف هو ميزة في نظر جورج مقدسي..والكتاب عليه ملاحظات عامة مجملة نحددها هنا ثم نفصلها فيما بعد
أولا: أن الكتاب المذكور قد وقع تحت وطأة الرؤية الاستشراقية في كل أحواله فالمفاهيم التي تشكل مركز الكتاب صنعها المستشرقون خاصة ماسنيون حول وجود مفهوم النقابة في حضارة الإسلام..وأن هذا التصور قوبل بهجوم ضاري من قبل تيار كبير من المستشرقين..فالكتاب ينطبق عليه صحة فرضية إدوارد سعيد في كتابه عن الإستشراق.
ثانيا: أن المفاهيم التي يكرس العمل نفسه للدفاع عنها هي مفاهيم صنعتها الحضارة الحديثة مثل النقابة والمؤسسة والكلية او المدرسة..واسقاط مثل هذه المفاهيم على الحضارة الإسلامية يعني ان تلك الحضارة بتجربتها الذاتية تتحدد قيمتها بقدر إقترابها من النموذج الغربي بما يعنى أن الكتاب يطرح فكرة محددة فى الظاهر ..ولكن بالتأمل في باطن العمل نجده يقر بغير ما أراد.
ثالثا: إن المقاربة بين إجازة التعلم والفقه التي ظهرت في حقبة متأخرة من تاريخ الإسلام وبين درجة الدكتوراه في أوروبا ..نقول في اى مرحلة في الغرب المسيحي فى مرحلة العصور الوسطي وفي مؤسسات اللاهوت المسيحي..فأنت تمنح ذاتك قيمة بقدر إضافتها للغرب
وهذا ليس صحيحا فحضارة الإسلام وثقافته ينبغي أن تقرأ من الداخل وليس من الخارج.
رابعا: أن تلك المقاربة تبدو متهافته بعد القطع الذي حدث فى الغرب المسيحي مع الكنيسة فى العصور الوسطى لان درجة الدكتوراه كمسمي تحررت من الشحنة اللاهوتية إلي أفاق الإنساني والطبيعي ..في حين أن العصر الوسيط الإسلامي والمسيحي الغربي واقع تحت وطأة العلم الديني بصورة جذرية.
خامسا: إن تمجيد جورج مقدسي للتيار الحنبلي وأهل الحديث في حضارة الإسلام هو اختزال مخل ..فهو يدافع عنهم ويرى أن ليس ضد التصوف السني ولكنه ضد التيار الفلسفي العرفاني فهو يجمل وجه هذا التيار الإقصائي لبقية تيارات الحضارة الإسلامية مثل أهل العقل كالمعتزلة ..وتمجيده للفقه على حساب علم الكلام بل إنه وظف الفقه في تكفير أهل الكلام ..فكيف نجمل تيار ديني ينفي التعدد والتنوع في حضارتنا.
سادسا: إن سعي مقدسي لتأصيل فكرة المؤسسة في مجالات العلم ونشاطه داخل حضارة الإسلام ودولته لم تكن تؤسس كفرضية إلا بوعيه بهذا المفهوم فى الغرب ..و وكأن حضارة الإسلام لاتقاس قيمتها إلا بقدر رؤيتها في وعاء مفاهيم الغرب الحديث..أو بقدر تأثير الإسلام وحضارته في هذا الغرب ..وهو مايؤدى إلي عكس المطلوب.
سابعا: إن تمجيد مقدسي للفقه وأصوله بوصفه المنتج الأصيل والفاعل في حضارة الإسلام هو إختزال ضيق جدا
لأن الفقه وأصوله لم يكن ليؤسس إلا عبر علم أصول الدين الذي يسبق في ترتيب وجوده حول الوحي اصول الفقه ..فأصول الدين علم الأصول الحقيقي ..في حين أن أصول الفقه يقعد للفقه كعلم للفروع.
ثامنا: إن الحديث عن نشأة الإنسانيات في عالم حضارة الإسلام يجعل نسأل أي معني للإنسانيات يقصد مقدسي؟
الإنسانيات المعلقة بالسماء في حضارة الإسلام والغرب المسيحي وسيطا أن الإنسانيات التي ظهرت متأخرة فى أوروبا فى القرن التاسع عشر بعد مرور ثلاثة قرون من تحرير علوم الطبيعة عن البناء اللاهوتي في القرن السادس عشر .
تاسعا: إن الإنسانيات لم تتخلق كمفهوم وإنجاز حديث إلا بعد ترسيخ المنهج العلمي وإستقلال العلم عن الدين في أوروبا..ولم يكن للإنسانيات علوم إلا بدء من القرن التاسع عشر..ولذلك أنا كنت حائر ومازلت تجاه مصطلح الإنسانيات في كتاب مقدسي..لأن نشأة الإنسانيات في أرض الإسلام لم تنبع إلا لكون الإسلام دين مدني دنيوى بجانب روحانيته..ودين حسي بجانب معنويته.
تلك ملاحظات كلية علي الكتاب سنجمل فى التالي ملاحظاتي حول الكتاب في كل جزء منه.. فهو كتاب مثير للجدل في كلياته ويدعو للإشتباك معه في جزئياته...شكرا لأحمد احمد العدوي على جهدك الخلاق في الترجمة ..وأما الإشتباك مع المتن نقدا فهو ماسوف أمارسه مع مؤلفه.. خالص تحياتي لك
كنت قد إطلعت منذ عقود علي كتاب توبي هاف فجر العلم الحديث والذي يشخص فيه عجز العلم العربي عن إحداث طفرة كبيرة مثل التي أحدثها العلم الغربي فى علوم الدنيا..ونأتي بعد قراءة جورج مقدسي لنري أن ماهو عيب فى نظر توبي هاف هو ميزة في نظر جورج مقدسي..والكتاب عليه ملاحظات عامة مجملة نحددها هنا ثم نفصلها فيما بعد
أولا: أن الكتاب المذكور قد وقع تحت وطأة الرؤية الاستشراقية في كل أحواله فالمفاهيم التي تشكل مركز الكتاب صنعها المستشرقون خاصة ماسنيون حول وجود مفهوم النقابة في حضارة الإسلام..وأن هذا التصور قوبل بهجوم ضاري من قبل تيار كبير من المستشرقين..فالكتاب ينطبق عليه صحة فرضية إدوارد سعيد في كتابه عن الإستشراق.
ثانيا: أن المفاهيم التي يكرس العمل نفسه للدفاع عنها هي مفاهيم صنعتها الحضارة الحديثة مثل النقابة والمؤسسة والكلية او المدرسة..واسقاط مثل هذه المفاهيم على الحضارة الإسلامية يعني ان تلك الحضارة بتجربتها الذاتية تتحدد قيمتها بقدر إقترابها من النموذج الغربي بما يعنى أن الكتاب يطرح فكرة محددة فى الظاهر ..ولكن بالتأمل في باطن العمل نجده يقر بغير ما أراد.
ثالثا: إن المقاربة بين إجازة التعلم والفقه التي ظهرت في حقبة متأخرة من تاريخ الإسلام وبين درجة الدكتوراه في أوروبا ..نقول في اى مرحلة في الغرب المسيحي فى مرحلة العصور الوسطي وفي مؤسسات اللاهوت المسيحي..فأنت تمنح ذاتك قيمة بقدر إضافتها للغرب
وهذا ليس صحيحا فحضارة الإسلام وثقافته ينبغي أن تقرأ من الداخل وليس من الخارج.
رابعا: أن تلك المقاربة تبدو متهافته بعد القطع الذي حدث فى الغرب المسيحي مع الكنيسة فى العصور الوسطى لان درجة الدكتوراه كمسمي تحررت من الشحنة اللاهوتية إلي أفاق الإنساني والطبيعي ..في حين أن العصر الوسيط الإسلامي والمسيحي الغربي واقع تحت وطأة العلم الديني بصورة جذرية.
خامسا: إن تمجيد جورج مقدسي للتيار الحنبلي وأهل الحديث في حضارة الإسلام هو اختزال مخل ..فهو يدافع عنهم ويرى أن ليس ضد التصوف السني ولكنه ضد التيار الفلسفي العرفاني فهو يجمل وجه هذا التيار الإقصائي لبقية تيارات الحضارة الإسلامية مثل أهل العقل كالمعتزلة ..وتمجيده للفقه على حساب علم الكلام بل إنه وظف الفقه في تكفير أهل الكلام ..فكيف نجمل تيار ديني ينفي التعدد والتنوع في حضارتنا.
سادسا: إن سعي مقدسي لتأصيل فكرة المؤسسة في مجالات العلم ونشاطه داخل حضارة الإسلام ودولته لم تكن تؤسس كفرضية إلا بوعيه بهذا المفهوم فى الغرب ..و وكأن حضارة الإسلام لاتقاس قيمتها إلا بقدر رؤيتها في وعاء مفاهيم الغرب الحديث..أو بقدر تأثير الإسلام وحضارته في هذا الغرب ..وهو مايؤدى إلي عكس المطلوب.
سابعا: إن تمجيد مقدسي للفقه وأصوله بوصفه المنتج الأصيل والفاعل في حضارة الإسلام هو إختزال ضيق جدا
لأن الفقه وأصوله لم يكن ليؤسس إلا عبر علم أصول الدين الذي يسبق في ترتيب وجوده حول الوحي اصول الفقه ..فأصول الدين علم الأصول الحقيقي ..في حين أن أصول الفقه يقعد للفقه كعلم للفروع.
ثامنا: إن الحديث عن نشأة الإنسانيات في عالم حضارة الإسلام يجعل نسأل أي معني للإنسانيات يقصد مقدسي؟
الإنسانيات المعلقة بالسماء في حضارة الإسلام والغرب المسيحي وسيطا أن الإنسانيات التي ظهرت متأخرة فى أوروبا فى القرن التاسع عشر بعد مرور ثلاثة قرون من تحرير علوم الطبيعة عن البناء اللاهوتي في القرن السادس عشر .
تاسعا: إن الإنسانيات لم تتخلق كمفهوم وإنجاز حديث إلا بعد ترسيخ المنهج العلمي وإستقلال العلم عن الدين في أوروبا..ولم يكن للإنسانيات علوم إلا بدء من القرن التاسع عشر..ولذلك أنا كنت حائر ومازلت تجاه مصطلح الإنسانيات في كتاب مقدسي..لأن نشأة الإنسانيات في أرض الإسلام لم تنبع إلا لكون الإسلام دين مدني دنيوى بجانب روحانيته..ودين حسي بجانب معنويته.
تلك ملاحظات كلية علي الكتاب سنجمل فى التالي ملاحظاتي حول الكتاب في كل جزء منه.. فهو كتاب مثير للجدل في كلياته ويدعو للإشتباك معه في جزئياته...شكرا لأحمد احمد العدوي على جهدك الخلاق في الترجمة ..وأما الإشتباك مع المتن نقدا فهو ماسوف أمارسه مع مؤلفه.. خالص تحياتي لك