إيديولوجيا العنف المذهبي في خطاب داعش.. قراءة تحليلية لافتتاحية العدد الأخير لصحيفة النبأ

الجمعة 06/سبتمبر/2024 - 11:17 ص
طباعة إيديولوجيا العنف حسام الحداد
 
في سياق تزايد التعقيد السياسي والطائفي في منطقة الشرق الأوسط، تتجلى أهمية تحليل الخطاب كأداة للكشف عن الأيديولوجيات الخفية والصراعات الفكرية التي تؤجج العنف والفرقة. يقدم خطاب تنظيم داعش في افتتاحية جريدة "النبأ" نموذجًا واضحًا لخطاب ديني وسياسي موجه نحو تحفيز العداء الطائفي واستقطاب الجمهور السني من خلال التركيز على العداء المذهبي تجاه الشيعة (الرافضة). في هذه القراءة النقدية، ومن خلال منهج تحليل الخطاب، نسعى إلى تفكيك الأساليب البلاغية والحجج التي يستخدمها التنظيم لتبرير العنف والترويج لأيديولوجياته المتطرفة، مع تسليط الضوء على التأثيرات السلبية لهذا الخطاب على المجتمعات الإسلامية والعربية. كما سنناقش استغلال التنظيم للأحداث التاريخية والدينية لتكريس الانقسام المذهبي، وتحليل الرسائل الضمنية التي يسعى إلى إيصالها في سياق صراع أوسع بين القوى الإقليمية والدولية.
وتحمل افتتاحية جريدة "النبأ" التابعة لتنظيم داعش لغة قوية وتطرح العديد من المفاهيم التي تسعى إلى إرساء موقف متشدد يربط بين الصراع الطائفي والسياسي، مما يستدعي قراءة نقدية متأنية تكشف أوجه هذا الخطاب المتطرف.
التأجيج الطائفي واستغلال الخلافات التاريخية:
الافتتاحية تتبنى خطابًا عدائيًا طائفيًا واضحًا، حيث تهاجم الشيعة (الرافضة) وتصفهم بأنهم أعداء الإسلام وأهل السنة. هذا الخطاب يعزز الانقسامات الطائفية القائمة بين السنة والشيعة، ويؤسس لفكرة أن العداء بين الطائفتين هو أمر ديني أبدي، يتجاوز كونه صراعًا سياسيًا عابرًا. تتجاهل المقالة أي محاولات للبحث عن حلول سلمية أو مشتركة بين السنة والشيعة، وتحصر العلاقات بينهما في نطاق الحرب والمواجهة.
الاستناد إلى سردية تاريخية غير متوازنة:
المقالة تستحضر أحداثًا تاريخية قديمة مثل النزاع السني الشيعي وتوظفها لخدمة رؤيتها الحالية للصراع. بيد أن هذه السردية التاريخية غير متوازنة؛ إذ تتجاهل الفترات التي شهدت فيها المجتمعات الإسلامية تعايشًا نسبيًا بين السنة والشيعة. كما أنها تنكر على الطرف الشيعي أي شرعية أو مساهمة في الإسلام أو التاريخ الإسلامي، مما يعزز الفكر الإقصائي الذي يغذيه تنظيم داعش.
إضفاء الشرعية على العنف:
الافتتاحية تروج لفكرة أن القتال والجهاد هما الوسيلتان الوحيدتان للتعامل مع "الرافضة"، وتمدح الهجمات التي قام بها أبو مصعب الزرقاوي، المعروف بتأسيس تنظيم القاعدة في العراق وتبنيه لأعمال العنف ضد الشيعة. هذا التمجيد للعنف يظهر بوضوح رؤية التنظيم المتطرفة التي تعتبر أن الحل الوحيد هو الإبادة أو القضاء على الطرف الآخر. المقالة تروج لمفهوم العنف المسلح كأداة للتغيير، متجاهلة الوسائل السلمية أو الحلول الدبلوماسية.
استغلال الخلافات السياسية لتمرير رؤية طائفية:
التصريحات حول موقف إيران من القضية الفلسطينية وتحالفاتها السياسية تكشف عن محاولة داعش لاستغلال التناقضات السياسية الإقليمية لبناء سردية طائفية متطرفة. يُصور التحالف بين بعض الحركات السنية وإيران كخيانة، بينما يُستغل الفشل الإيراني في دعم القضية الفلسطينية لتحفيز المشاعر المعادية للشيعة، وهذا ينم عن محاولة توظيف المشهد السياسي لتصعيد الخلافات الطائفية.
الازدواجية في التعامل مع القضايا السياسية والدينية:
على الرغم من أن المقالة تزعم تبني موقف "عقدي منهجي"، إلا أنها تمارس نوعًا من البراغماتية في التعامل مع السياسة. فبينما تنتقد من يربطون مواقفهم بالقضية الفلسطينية أو المصالح السياسية، فإنها تعيد تفسير الصراع الطائفي وفقًا لمصالحها الخاصة وتربطه بأبعاد دينية، مما يعكس ازدواجية في التعامل مع الواقع.
إقصاء الآخر وتحريض على الكراهية:
الافتتاحية تعزز خطاب الكراهية والإقصاء تجاه كل من لا يتفق مع الرؤية الداعشية. سواء كانوا من أهل السنة المعتدلين أو الإسلاميين الذين لا يؤيدون قتال الشيعة. تعتبر المقالة أن من لا ينخرط في هذا الصراع الدموي لا ينتمي إلى "الجبهة السنية" الحقيقية، مما يُقصي شريحة كبيرة من المسلمين ويصنفهم كخصوم.
الخطاب الحماسي والتوظيف العقائدي:
الافتتاحية مليئة بلغة حماسية وعاطفية تحاول استثارة المشاعر الدينية والوطنية. تُصور التنظيم على أنه حامل راية السنة والمدافع الوحيد عنها، متجاهلة التيارات والجماعات الإسلامية الأخرى. كما تركز على خطاب "نهاية الزمن" و"الجبهتين المتناقضتين" لإضفاء طابع حتمي على الصراع، وهو ما يدفع نحو الاستقطاب الشديد.
الخلاصة:
الافتتاحية تعكس خطابًا متطرفًا يستخدم الدين كأداة للتحريض على العنف وتعزيز الانقسامات الطائفية. في حين أن تنظيم داعش يحاول تصوير نفسه على أنه المدافع الوحيد عن السنة في مواجهة الشيعة، إلا أن خطابه يقوم على مغالطات تاريخية، واستغلال سياسي، وتحريض على العنف. من المهم نقد هذه السرديات وتفكيكها لكونها تشكل خطرًا على الاستقرار المجتمعي، إذ تسعى إلى تأجيج الصراعات وتعزيز الحروب الطائفية بدلاً من البحث عن حلول سلمية تعتمد على التعايش والحوار.

شارك