داعش والمقاومة.. لماذا تتهم حماس وحزب الله بالخيانة؟

الجمعة 25/أكتوبر/2024 - 01:26 ص
طباعة داعش والمقاومة.. حسام الحداد
 
تتناول افتتاحية العدد 466 من صحيفة "النبأ"، الناطقة بلسان تنظيم داعش، مجموعة من القضايا التي تعكس مواقف التنظيم تجاه مفاهيم القتال والشجاعة، بالإضافة إلى رؤيته لأطراف سياسية أخرى كحزب الله وحركة حماس. الافتتاحية تبرز فكر التنظيم التكفيري المتشدد، حيث يُفصل القتال "في سبيل الله" عن أي أشكال أخرى من الشجاعة أو المقاومة، خاصة تلك المرتبطة بالقومية أو التحرير الوطني، معتبرًا أن أي قتال خارج نطاق "التوحيد الخالص" لا قيمة له.
كما تهاجم الافتتاحية بشكل واضح حزب الله وحماس، حيث يعتبر داعش أن هذه الحركات، رغم قتالها ضد إسرائيل، ليست على "المنهج الصحيح" لأنها تتعاون مع أطراف يعتبرها التنظيم "كافرة"، مثل إيران والنظام السوري. هذه النظرة المتشددة تعكس التركيز الضيق لداعش على العقيدة الصافية حسب فهمهم، بينما يستخدمون الخطاب التكفيري لاستبعاد أي تنظيمات أو شخصيات لا تتفق مع نهجهم المتطرف، حتى لو كانت هذه الجهات مقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
كما تعد افتتاحية صحيفة "النبأ" الصادرة عن تنظيم داعش في العدد 466 نموذجاً لخطاب يحمل طابعًا أيديولوجيًا صارمًا، يتجلى فيه الأسلوب التقليدي للتنظيم القائم على تشويه خصومه، وتقديم رؤيته الشمولية للإسلام والتوحيد، بالإضافة إلى تعزيز موقفه العنيف تجاه الجماعات التي يعتبرها مخالفة لمعتقداته.
اشتملت الافتتاحية على عدد من العناصر الرئيسية:
القتال والشجاعة: تمحور الخطاب حول أهمية النية الخالصة في القتال، حيث تُرفض الشجاعة التي لا ترتكز على توحيد خالص. يرفض داعش أي قتال لا يكون في سبيل الله وفق مفهومه الخاص.
التحريف العقائدي: يشير المقال إلى أن الشجاعة بدون توحيد تعد بلا قيمة في الآخرة، ويتهم حزب الله وحماس بأنهم يمثلون أشكالاً من الشجاعة الفارغة التي لا تخدم الدين الإسلامي "الصافي".
نقد الفصائل الإسلامية الأخرى: يدين المقال بشدة كل من حزب الله وحماس، متهماً إياهما بخيانة مبادئ الإسلام والتوحيد، حيث يصفهم بأنهم "شطر من جند الشام" و"حزب الشيطان"، في استنكار لسياساتهم وتحالفاتهم الإقليمية.
الاستراتيجية البنيوية في الخطاب:
الثنائية القطبية: يعتمد خطاب داعش في هذه الافتتاحية على بناء ثنائية "الحق" و"الباطل"، حيث يضع نفسه والجماعات التي تتبنى فكره في خانة الحق، ويضع خصومه، مثل حزب الله وحماس، في خانة الباطل. هذا الطرح الثنائي يعزز تقسيمًا حادًا بين "نحن" و"هم".
تأطير القتال وفقًا لمفهوم ديني محدد: يركز الخطاب على مفهوم "القتال في سبيل الله" كما يراه التنظيم، في حين يرفض كل أشكال القتال التي لا تتوافق مع هذا الفهم. هذه الاستراتيجية تهدف إلى نزع الشرعية عن الفصائل الأخرى، خاصة تلك التي تتعاون مع الأنظمة أو الفصائل التي لا يعتبرها داعش "إسلامية".
استخدام النصوص الدينية: يُعتمد على اقتباسات من القرآن والسنة لتقديم حُجة دينية صلبة، في محاولة لتبرير موقف التنظيم من خصومه. يسعى الخطاب إلى إضفاء مشروعية دينية على كل ما يقوله التنظيم، مستغلًا المفاهيم التقليدية للإسلام كالإيمان والولاء والبراء، وتفسيرها بطريقة تتماشى مع فكر داعش.
تحليل ونقد الافتتاحية:
يقوم التنظيم بتأطير الشجاعة وفقًا لمفهوم ديني ضيق، حيث يربطها بالتوحيد والنية. هذا التأطير يُقصي أي أشكال أخرى من المقاومة أو الدفاع عن الأرض أو الكرامة التي قد لا تكون مباشرة مرتبطة بمفهومهم الحصري للجهاد، مما يُظهر رفض التنظيم لحركات مثل حزب الله وحماس التي تستند في خطابها على المقاومة الوطنية أو القومية.
كما يتبنى المقال موقفًا عدائيًا تجاه حزب الله وحماس، ويتهمهم بالابتعاد عن "التوحيد الصافي"، ويشير إليهم بأنهم يمثلون الشرك والتحالف مع "الطواغيت". هذا الموقف يعكس الصراع الأيديولوجي العميق بين داعش وهذه الجماعات، خاصة مع اختلاف الأهداف والتوجهات.
ويُظهر الخطاب حزب الله وحماس كأعداء، ليس فقط بسبب مواقفهم السياسية، ولكن أيضًا بسبب ما يعتبره داعش "انحرافًا عقائديًا". يستخدم داعش في خطابه تأطيرًا طائفيًا، حيث ينتقد حزب الله المرتبط بالطائفة الشيعية بشكل خاص، وهو أمر شائع في خطاب التنظيم الذي يعتبر الشيعة "رافضة".
كما يعتمد الخطاب على اللغة الدينية بشكل مكثف، حيث يتم استخدام مصطلحات مثل "التوحيد"، "الشرك"، "الولاء والبراء"، لإضفاء الطابع الشرعي على مهاجمة خصومهم. هذا الأسلوب يحاول أن يجذب المتابعين عبر التلاعب بالعواطف الدينية واستحضار معاني النصوص الشرعية لإظهار داعش كحامي الإسلام الحقيقي.
ويشير الخطاب إلى نوع من التناقض في طرحه. بينما يهاجم قادة الجماعات الأخرى على أساس أنهم قاتلوا بشجاعة ولكن في سبيل غير "التوحيد"، فإن داعش نفسه قد يواجه انتقادات مشابهة لاعتبار أنه ينتهج التكفير تجاه من لا يتفق معه في الرؤية الدينية، حتى لو كانت مقاومة للاحتلال أو لتحقيق العدالة الاجتماعية.
موقف داعش من حزب الله وحركة حماس:
حزب الله: يصفه الخطاب بأنه "حزب الشيطان"، ويشير إلى أنه يمثل "الشطر الأهم من جند الشام" بحسب تعبير "جيفارا العرب". هذا يعكس موقفًا عدائيًا بسبب تحالف حزب الله مع النظام السوري وتوجهاته الطائفية الشيعية التي يرفضها داعش تمامًا. يُعتبر حزب الله من وجهة نظر داعش تحريفًا للتوحيد وإقامة لشكل من الشرك.
حماس: رغم كون حماس حركة سنية، فإن داعش يتهمها بأنها تقاتل "حمية" للوطن وليس "في سبيل الله"، ويرى أن تحالفها مع جهات لا تتفق مع منهج داعش يجعلها خارجة عن إطار التوحيد الذي يدافع عنه التنظيم. هذا النقد يعكس رفض داعش لأي مقاومة أو قتال لا تتفق مع تفسيره الخاص للجهاد.
دلالات الافتتاحية وأثرها على تنامي التطرف:
تحمل الافتتاحية عدة دلالات مهمة تكشف عن استراتيجية التنظيم في تعزيز الإرهاب، وتكشف عن طبيعة تطرفه الفكري، واستخدامه للدعاية الإعلامية لتبرير العنف وتكفير الجماعات الأخرى. يمكن تحليل دلالات هذه الافتتاحية وتأثيرها في تنامي التطرف من خلال عدة محاور:
ترسيخ عقيدة الولاء والبراء:
أحد المحاور الأساسية في خطاب تنظيم داعش هو التركيز على مفهوم "الولاء والبراء"، وهو مبدأ يتطلب من المسلمين موالاة من يرونه ملتزمًا بعقيدتهم، والتبرؤ من أي شخص أو جماعة يُعتقد أنها تنحرف عن الإسلام الصحيح كما يفهمه التنظيم. هذا المبدأ يعزز من استقطاب الأتباع، ويزيد من حدة الانقسام داخل المجتمعات الإسلامية، حيث يكفّر التنظيم الجماعات الإسلامية الأخرى، بما في ذلك حركة حماس وحزب الله، معتبرًا إياهم "مشركين" و"موالين للكفار".
ترسيخ هذه الفكرة يقسم المجتمعات الإسلامية إلى فئات متناحرة ويشجع على العنف بين أبناء الدين الواحد. هذا النوع من الخطاب الذي يكفّر الآخرين ويفرض رؤية ضيقة للإسلام يسهم بشكل مباشر في تنامي التطرف، حيث يجد الأفراد المنعزلون فكريًا مبررًا للانضمام إلى داعش، واللجوء إلى العنف ضد من يُصنفون كـ "أعداء" أو "كفار".
استغلال مفهوم الشجاعة والشهادة:
الافتتاحية تنتقد الشجاعة التي لا تستند إلى التوحيد، حيث تقلل من قيمة النضال الفلسطيني ضد إسرائيل بقيادة حماس، وتهاجم المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله. وفقًا لداعش، القتال لا يمكن أن يكون مشروعًا إلا إذا كان خالصًا لله ويهدف لنصرة الشريعة. الشجاعة في غير سبيل التوحيد وفق منظورهم تعتبر باطلة، ويعتبر التنظيم أن الشهادة لا قيمة لها ما لم تكن مرتبطة بأيديولوجيته.
هذا النوع من الخطاب يستغل مفاهيم دينية مثل الشجاعة والشهادة، ويحصرها في نطاق ضيق يخدم أجندة التنظيم. من خلال إضفاء طابع شرعي على العنف باسم الدين، يخلق التنظيم جاذبية خاصة لمن يسعون إلى "البطولة" أو "الاستشهاد"، مما يزيد من استقطاب الأفراد للتجنيد ويشجع على أعمال الإرهاب. بتشويه مفهوم الجهاد، يسهم داعش في تحويل المقاومة المشروعة ضد الاحتلال أو الظلم إلى عنف طائفي غير مبرر.
رفض المراجعات الفكرية والتفاعل مع الرأي العام:
الافتتاحية تنتقد بشدة أي محاولة لتغيير المواقف الدينية أو الفكرية تبعًا لتغيرات الرأي العام، وتهزأ من الدعاة أو الجماعات التي تحاول مواءمة موقفها مع ما يسمى بـ"الترند" أو العاطفة الشعبية. داعش يعارض أي تغيير في العقيدة أو الفكر استجابة للضغوط الاجتماعية أو السياسية، ويشدد على الثبات على المبادئ المتطرفة بغض النظر عن الظروف.
رفض المراجعات الفكرية والنقد الذاتي يعزز العزلة الفكرية لأتباع التنظيم. بتبني موقف صلب ومتشدد ضد أي انفتاح أو تسامح فكري، يدفع داعش أتباعه إلى مزيد من التطرف والعزلة عن المجتمعات المحيطة بهم. هذا يؤدي إلى تعميق الفجوة بين المتطرفين والمجتمع الأكبر، مما يجعلهم أكثر استعدادًا لارتكاب أعمال إرهابية ضد من يرون أنهم "خونة" أو "منحرفين" عن العقيدة الصحيحة.
الهجوم على المقاومة الإسلامية (حزب الله وحماس):
الافتتاحية تهاجم بوضوح المقاومة الإسلامية، وخاصة حزب الله وحركة حماس، وتتهمهم بالانحراف عن التوحيد والولاء لأعداء الإسلام. يتهم داعش هذه الجماعات بالقتال تحت رايات "جاهلية" ولا تعترف بشرعية مقاومتهم ضد إسرائيل، ما لم تكن تتبع المنهج الذي يراه التنظيم صحيحًا.
هذا الهجوم على جماعات إسلامية معروفة في مقاومة الاحتلال، مثل حزب الله وحماس، يعزز عزلة التنظيم، ولكنه أيضًا يزرع بذور التطرف بين أتباعه. فهو لا يكفر فقط القوى الغربية أو غير المسلمة، بل يكفر أيضًا الجماعات الإسلامية التي تنتهج طريقًا مختلفًا. هذا يزيد من حدة الصراع بين الجماعات المتطرفة نفسها ويخلق منافسة على الشرعية الدينية، مما يدفع بعض الأفراد إلى ارتكاب المزيد من الأعمال الإرهابية لإثبات التزامهم بالإيديولوجيا المتطرفة.
استغلال القضايا الشعبية مثل القضية الفلسطينية للدعاية:
رغم أن الافتتاحية تشجب حماس وحزب الله، إلا أن داعش يستخدم القضية الفلسطينية بشكل متكرر في دعايته الإعلامية، ليس بهدف المشاركة الفعلية في تحرير فلسطين، بل لاستقطاب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. التنظيم يستخدم خطابًا يستغل مشاعر الظلم والاضطهاد الذي يعانيه الفلسطينيون، لكنه في الواقع لا يشارك في عمليات مقاومة حقيقية على الأرض.
هذا التناقض بين الخطاب الدعائي والواقع يساهم في تضليل الأتباع وتجنيدهم باستخدام شعارات عاطفية. عندما يدرك الأفراد أن التنظيم لا يسعى لتحرير فلسطين، بل يستغل القضية فقط للدعاية، يتعمق شعورهم بالغضب والإحباط، مما يجعلهم أكثر عرضة للقيام بأعمال إرهابية انتقامية.
الخلاصة:
يتمثل الخطاب في رفض داعش لأي شكل من أشكال المقاومة أو النضال الذي لا يتفق مع رؤيته الضيقة للتوحيد والجهاد، ويعتبر أن كل الفصائل الأخرى، بما في ذلك حماس وحزب الله، منحرفة عن العقيدة الصحيحة.
الافتتاحية تعكس بوضوح استراتيجيات داعش في تعزيز الإرهاب والتطرف من خلال استخدام خطاب ديني تكفيري، استغلال القضايا العاطفية مثل فلسطين، وتشويه مفاهيم الشجاعة والجهاد. بترويجها لمواقف متطرفة ومعادية لأي انفتاح أو مراجعة فكرية، تساهم في توسيع رقعة التطرف وزيادة الاستقطاب العنيف في المنطقة.
أما عن موقف داعش من القضية الفلسطينية فتنظيم داعش يتخذ موقفًا مزدوجًا من القضية، حيث يستخدمها بشكل انتهازي كأداة للدعاية والتجنيد، دون أن يكون له دور حقيقي في تحرير فلسطين أو المشاركة في العمليات الموجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي. يظهر التنظيم في خطابه العلني دعمه النظري للفلسطينيين، ويستغل المأساة الفلسطينية للتأثير على المشاعر العامة وجذب المجندين، ولكنه يتجنب الاشتباك المباشر مع الاحتلال، مفضلاً توجيه نشاطه نحو ضرب الأنظمة العربية والإسلامية التي يعتبرها "مرتدة" أو "عميلة للغرب".
ورغم الترويج المكثف لشعار "تحرير القدس"، يظل التركيز الأساسي لداعش على إقامة خلافته في مناطق أخرى بعيدة عن فلسطين، مهاجمًا في الوقت نفسه الحركات المقاومة مثل حماس التي يعتبرها مرتدة بسبب مشاركتها في العملية السياسية وتعاونها مع جهات إقليمية.
هذا التناقض بين الخطاب والواقع يعكس استراتيجية التنظيم المبنية على توجيه العداء إلى الداخل الإسلامي، بينما تُستغل القضية الفلسطينية كواجهة لشرعنة العمليات الإرهابية وتعزيز تجنيد الأفراد المتحمسين.
وبهذا، يظل داعش خارج الساحة الفلسطينية الفعلية، مستخدمًا القضية كوسيلة لتوسيع نفوذه الدعائي دون تقديم أي إسهام فعلي لتحرير فلسطين.

شارك