مقابر جماعية تعيد فتح جراح ليبيا.. أشباح الإرهاب تلوح في الأفق

الجمعة 01/نوفمبر/2024 - 09:33 ص
طباعة مقابر جماعية تعيد أميرة الشريف
 
بدأت السلطات الليبية مؤخرًا تحقيقًا موسعًا بعد اكتشاف مروع لمقبرة جماعية تضم 54 جثة مجهولة الهوية في منطقة بئر الأسطى بمدينة تاجوراء، غرب ليبيا.
و تعود هذه الجثث إلى عام 2011، وهو عام سقوط نظام معمر القذافي، وقد أثار هذا الاكتشاف تساؤلات حول الجرائم والانتهاكات التي صاحبت تلك الفترة المضطربة.
وأعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين في ليبيا عن اكتشاف المقبرة في 21 أكتوبر، موضحةً أنها باشرت عمليات استخراج الجثث على مراحل لضمان الحفاظ على الأدلة. 
وحتى الآن، وصل عدد الجثث التي تم استخراجها إلى 54 جثة، ويُعتقد أن جميعهم قضوا خلال أحداث عام 2011. 
كما أوضحت الهيئة أن فرقها المتخصصة تعمل على أخذ عينات من الجثث ونقلها إلى إدارة المختبرات لتحليل الحمض النووي بغرض التعرف على هويات الضحايا.
ولم تصدر السلطات المعنية تفاصيل حول كيفية وفاة هؤلاء الضحايا، لكن بعض التقارير الأولية تشير إلى أنهم ربما تم تصفيتهم رمياً بالرصاص.
ومنذ اكتشاف المقبرة الجماعية في بئر الأسطى بمدينة تاجوراء غرب ليبيا، والتي تحتوي على 54 جثة مجهولة الهوية تعود إلى عام 2011، تعود التساؤلات حول فترات الصراع وملف الإرهاب في ليبيا. 
وتشير هذه الجثث إلى حجم الانتهاكات التي شهدتها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي، حيث تزامن هذا الحدث مع مرحلة مضطربة عمتها الفوضى الأمنية، مما مهد الطريق لنشوء جماعات مسلحة متنوعة بعضها اتخذ طابعًا إرهابيًا.
وأدى الفراغ الأمني الذي نشأ بعد سقوط القذافي إلى تشكل مجموعات مسلحة متعددة، استغلت الانقسامات السياسية وضعف سيطرة الدولة لتعزيز نفوذها، حيث عملت هذه الجماعات كأرض خصبة للتنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة"، حيث وجدت موطئ قدم لها في ليبيا خصوصًا في المناطق الضعيفة أمنيًا مثل سرت ودرنة وجبال جنوب ليبيا.
 وقد استخدمت هذه التنظيمات العنف والترهيب وسيلةً لفرض سيطرتها، حيث شملت أساليبها التصفية والإعدام الجماعي، وجرائم خطف وتعذيب أسهمت في تكوين مقابر جماعية كمقبرة تاجوراء المكتشفة حديثًا.
وتظهر هذه المقابر الجماعية في مدن مثل ترهونة وسرت أنماطًا تشير إلى جرائم إرهابية واسعة النطاق، حيث تم العثور في هذه المدن على رفات ضحايا تعرضوا للتصفية على يد جماعات إرهابية أو ميليشيات غير قانونية خلال الفترات التي كانت تسيطر فيها تلك الجماعات.
 كانت هذه المقابر تُستخدم للتغطية على جرائم بشعة ودفن الضحايا بشكل جماعي، ما يعكس مدى توسع الجرائم الإرهابية في ظل ضعف الرقابة الأمنية.
تأتي مقبرة بئر الأسطى كجزء من تلك الجرائم المستترة؛ إذ يُرجح أن هؤلاء الضحايا تم إعدامهم رمياً بالرصاص في تلك الفترة الفوضوية. ويرى خبراء أن هذه الجرائم كانت تهدف إلى نشر الرعب بين الأهالي وفرض السلطة، وهي من السمات التي تتسم بها التنظيمات الإرهابية في أي منطقة تسيطر عليها.
و تعكس هذه الأحداث واحدة من أكثر الفترات دموية في تاريخ ليبيا، إذ شهدت البلاد في تلك الفترة اضطرابات واسعة وفوضى أمنية أدت إلى نشوء جماعات مسلحة متعددة. 
وتورطت هذه الجماعات، التي تشكلت على عجل لسد الفراغ الأمني بعد سقوط النظام، في أعمال عنف وجرائم فظيعة، شملت القتل والإعدام دون محاكمات، ما أوجد مأساة إنسانية ووضع أمني مضطرب لم يتم حله حتى اليوم.
وتعد هذه المقبرة واحدة من عدة مقابر جماعية تم اكتشافها في ليبيا منذ عام 2011، إذ عثرت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين على مقابر مشابهة في عدة مناطق، بما في ذلك مدينتي ترهونة وسرت، حيث تم العثور على مئات الجثث.
و تشير هذه الاكتشافات إلى حجم الانتهاكات التي ارتكبت في ظل غياب القانون وانتشار الجماعات المسلحة.
تُعد مدينة ترهونة جنوب طرابلس وسرت وسط ليبيا من أبرز المدن التي شهدت مقابر جماعية، حيث استُخدمت بعض المواقع كأماكن لدفن الضحايا بشكل جماعي لتغطية الأدلة على جرائم ارتكبتها جهات مجهولة.
 ورغم محاولات بعض الجهات لفتح ملف هذه المقابر، إلا أن الأمر يظل معقدًا، حيث تواجه ليبيا تحديات كبيرة فيما يتعلق بتحديد هوية الضحايا وتقديم الجناة إلى العدالة، ما يجعل ملف المقابر الجماعية من أعقد الملفات التي تواجهها البلاد في المرحلة الراهنة.
وتمثل عملية تحديد هوية الضحايا وتعقب الجناة تحديًا كبيرًا أمام السلطات الليبية، إذ تعتمد بشكل كبير على التحاليل العلمية وتقنيات الحمض النووي التي تتطلب إمكانيات ودعمًا تقنيًا ولوجستيًا.
 وقد قامت الهيئة بجمع عينات من رفات الضحايا لبدء عملية التعرف على الهويات، إلا أن هذه العملية تستغرق وقتًا وتتطلب تعاونًا دوليًا، في ظل ضعف الموارد التقنية المتاحة محليًا.
لم تقتصر آثار هذه المقابر الجماعية على البعد الإنساني فقط، بل تركت جرحًا عميقًا في النسيج الاجتماعي الليبي. 
فالكثير من العائلات ما زالت تبحث عن أقاربها المفقودين منذ سنوات، ولا تعرف إن كانوا بين هؤلاء الضحايا. 
وتعتبر معرفة الحقيقة وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة جزءًا هامًا من المصالحة الوطنية في ليبيا، حيث يسعى العديد من أفراد المجتمع الليبي إلى إغلاق هذا الفصل المؤلم من خلال معرفة مصير ذويهم.
ويري مراقبون أن الوضع الأمني الهش في ليبيا سيظل عائقًا أمام معالجة ملف المقابر الجماعية بشكل كامل، فرغم الجهود المبذولة من قِبل الهيئة والسلطات المحلية، ما زالت البلاد تعاني من انقسامات سياسية وصراع نفوذ بين الجماعات المختلفة، ولذلك، فإن إيجاد حل دائم وشامل لهذه القضايا يتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا يسمح للجهات المعنية بمواصلة تحقيقاتها وتحقيق العدالة للضحايا.
ويروا أن ملف المقابر الجماعية لا يمثل فقط أزمة إنسانية، بل هو تحدٍ سياسي وأمني يحتاج إلى حلول متكاملة تشمل دعمًا دوليًا وتعاونًا محليًا، قد يكون التوصل إلى حلٍ شامل لهذا الملف الشائك خطوة كبيرة نحو تحقيق السلام والمصالحة في ليبيا، ما يفتح الباب أمام مستقبل أفضل لشعب عانى الكثير من الفوضى والعنف.
ويمثل هذا الملف تحديًا حقيقيًا للسلطات الليبية، إذ إن الوصول إلى هويات الضحايا أو الجناة ليس بالأمر السهل، ويتطلب موارد تقنية متقدمة لا تتوفر حاليًا بشكل كافٍ، فالتحقيق في جرائم الإرهاب يتطلب تعاونًا دوليًا لتطوير قدرة الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، مع دعم قدرات مختبرات تحليل الحمض النووي وتوفير المعدات والتقنيات اللازمة، وتتداخل هذه التحديات مع العوائق الأمنية والسياسية، حيث ما زالت ليبيا تعاني من انقسامات تمنع التقدم في هذا الملف الشائك.
ولا يقتصر خطر الإرهاب على الفترة الماضية، إذ يشير مراقبون إلى أن استمرار الانقسامات السياسية وضعف الأمن يعيد فتح المجال أمام الإرهاب، فمن دون استقرار سياسي وتوحيد الصف الداخلي، ستظل ليبيا عرضةً لخطر عودة التنظيمات الإرهابية، مما يعيد سيناريوهات العنف والجريمة المنظمة.

شارك