العدو الخفي: كيف يستدعي داعش الخلاف التاريخي لتمرير أجندته الحالية؟
السبت 02/نوفمبر/2024 - 11:34 م
طباعة
حسام الحداد
في افتتاحية العدد الأخير من صحيفة النبأ 467 صباح الجمعة 1 نوفمبر 2024، الصادرة عن تنظيم داعش، يسعى كاتب المقال إلى تعزيز الروح الجهادية بين عناصر التنظيم ومناصريه، متكئاً على استدعاء رموز دينية وتاريخية لتحقيق هذا الهدف. يظهر المقال سعي التنظيم لترسيخ قناعات أيديولوجية تهدف إلى تشجيع العنف كوسيلة لتحقيق "التمكين" و"الانتصار"، مع محاولة كسب الشرعية الدينية عبر توظيف الآيات والأحاديث.
تأخذ المقالة منحى تعبويًا يزاوج بين التصوير الرومانسي للمعارك، وتكرار النماذج البطولية من عصر النبوة وأوائل الإسلام، لتصوير أتباع التنظيم كـ"ورثة للصحابة" في مواجهة "أعداء الإسلام". كما يعمل كاتب المقال على ترسيخ تصور طهراني "للبيئة الجهادية"، مستعينًا بخطاب يحاول تعزيز عزلة أتباع التنظيم عن العالم الخارجي، وتصوير تضحياتهم كمطلب ديني لا يمكن التراجع عنه، مما يعكس نهجًا قسريًا يبعدهم عن أي رؤى تصالحية أو تأملات نقدية تجاه مسار التنظيم وأفعاله.
هذا المقال يمثل نموذجًا كلاسيكيًا لخطاب الجهادية السلفية الذي يروّج للجهاد المسلح ويغذي دافعية المتابعين نحو الشهادة والمواجهة. سوف نحاول قراءة هذه الافتتاحية في ضوء منهج تحليل الخطاب وآلية السياق للكشف عن رسائله الأساسية، تقنياته البلاغية، وأساليبه التحفيزية.
السياق الأيديولوجي والتاريخي:
يأتي المقال في وقت يشهد فيه تنظيم داعش تراجعًا على الأرض في كل من العراق وسوريا بفعل الضربات العسكرية المتكررة من التحالف الدولي والقوات المحلية. يسعى التنظيم في هذه الفترة إلى إعادة تعزيز الروح المعنوية في صفوف مقاتليه وأنصاره، خاصةً مع تصاعد التحديات العسكرية والضغط المتزايد من خصومه.
ويرتكز خطاب المقال على مفاهيم إسلامية مثل الجهاد، الشهادة، والتوحيد، ويظهر هنا نوع من إعادة تأطير الخسائر على أنها اختبارات إلهية واجبة التحمل ووسيلة للوصول إلى الجنة. يتجلى كذلك استخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتعزيز الشرعية الدينية لهذه الأفكار وتقديم تبريرات لاستمرار الصراع المسلح.
الأسلوب الخطابي والتحفيزي:
يعتمد المقال على صور قوية مثل "الطير الخضر" و"قناديل من ذهب" في وصف حياة الشهداء، مما يستهدف تحفيز القراء وتصورهم للجنة بشكل مكثف. هذه الصور تخاطب العواطف وتستهدف إغراء المتابعين بالموت في سبيل التنظيم كوسيلة مضمونة للنعيم.
كما يُكرّر الكاتب فكرة التمايز بين "جنود الخلافة" وأعدائهم، مع مقارنات مع الصحابة والجيل الأول من المسلمين، مما يمنح "المجاهدين" الحاليين شرعية تاريخية وروحية، ويغذي لديهم شعور التفوق الديني والنقاء الإيماني.
ويُوظف المقال آيات قرآنية وأحاديث نبوية ليعطي الشرعية الدينية للنضال ويُظهره كجزء من واجب ديني يتجاوز الأنظمة والقوانين الوضعية. هذه الاستراتيجية تلغي أهمية المعايير القانونية والاجتماعية السائدة، ما يعزز شرعية الصراع المسلح كخيار مقدس.
تقنيات استمالة الجمهور
يصوّر المقال أفراد التنظيم كـ "غرباء" عن المجتمع المادي والجاهلي، ويجعل منهم حراسًا للتوحيد الخالص بعيدًا عن "المتلوثين". هذا الأسلوب يعزز الانعزالية ويوحي بأن التضحية والموت في سبيل التنظيم هو السبيل للبقاء على الطريق الصحيح.
كما يُقلل المقال من أهمية الأعداء ويصورهم كمجرّد طواغيت وجاهليين، مما يبرر استباحة دمائهم واستمرارية الصراع ضدهم. يُستخدم الوصف التحقيري لتضليل أو تشويه صورة الأعداء مما يغذي مشاعر الكراهية لديهم.
بجانب تكرار الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الجهاد، الشهادة، وأجر المجاهدين يهدف إلى إعادة برمجة عقول المتابعين وترسيخ قناعة أن الجهاد في سبيل التنظيم هو ذروة الالتزام الديني.
الرسائل الضمنية والدلالات:
عبر الحديث عن الشهداء كمثال يُحتذى، يُحاول المقال تخفيف وطأة الخسائر الميدانية التي يواجهها التنظيم عبر تصويرها كاختبار إلهي أو مرحلة ضرورية للوصول إلى النصر. يسعى الخطاب إلى تحويل الخسارة إلى قيمة معنوية تعزز صمود الأفراد.
ومن خلال استحضار فضائل الجهاد و"الشهادة"، يسعى المقال لتعبئة المتابعين وإقناعهم بأن الجهاد والموت في سبيل التنظيم هما الوسيلة الأسمى للتقرب إلى الله، ما يُساهم في استمرارية تدفق المقاتلين رغم تدهور أوضاع التنظيم.
ويقوم الخطاب بدور مزدوج؛ فهو يبرر أفعال التنظيم أمام أتباعه ليضمن ولاءهم وتبرير مواقفه القتالية، وفي الوقت نفسه يحرّض على قتال الأعداء وتصويره كحرب مقدسة لا تقبل أي تهاون.
استراتيجيات الخطاب:
يستغل الكاتب التناقض بين الواقع الحاضر (مواجهة أعداء أقوياء) والوعود المستقبلية (النعيم في الجنة، النصر الموعود)، وهو تكتيك يعمل على إثارة الحماسة وتحفيز القارئ على تجاهل الصعوبات والتركيز على النصر المستقبلي.
كما يُحاول الكاتب استحضار قصص الصحابة الأوائل كأمثلة تحتذى، مبرزًا أوجه الشبه بين وضعهم ووضع أفراد التنظيم. يساعد هذا التشبيه في تغليف التنظيم بقدسية الماضي، مما يضفي شرعية دينية ويعزز ولاء الأتباع.
ويصوّر المقال التضحية ليس فقط كقتال مادي ولكن كجهاد روحي ونفسي ضد الأهواء والترف، ما يجعل التضحية جزءًا من هوية المؤمن الحقيقي ويكرّس مفهوم الحياة المخصصة للمُثل الدينية.
الاستنتاج:
يتضح من هذا التحليل أن المقال يعتمد على خطاب ديني حماسي، يتلاعب بمفاهيم الجهاد والتوحيد لتبرير العنف وإغراء المتابعين بالقتال. يُصوّر التنظيم كحامل شرعي للإسلام النقي، ويستغل الرموز الدينية والتراث الإسلامي لتغذية النزعة الجهادية، مُضفيًا طابعًا رمزيًا على الموت في سبيله كوسيلة للتقرب إلى الله.
تأخذ المقالة منحى تعبويًا يزاوج بين التصوير الرومانسي للمعارك، وتكرار النماذج البطولية من عصر النبوة وأوائل الإسلام، لتصوير أتباع التنظيم كـ"ورثة للصحابة" في مواجهة "أعداء الإسلام". كما يعمل كاتب المقال على ترسيخ تصور طهراني "للبيئة الجهادية"، مستعينًا بخطاب يحاول تعزيز عزلة أتباع التنظيم عن العالم الخارجي، وتصوير تضحياتهم كمطلب ديني لا يمكن التراجع عنه، مما يعكس نهجًا قسريًا يبعدهم عن أي رؤى تصالحية أو تأملات نقدية تجاه مسار التنظيم وأفعاله.
هذا المقال يمثل نموذجًا كلاسيكيًا لخطاب الجهادية السلفية الذي يروّج للجهاد المسلح ويغذي دافعية المتابعين نحو الشهادة والمواجهة. سوف نحاول قراءة هذه الافتتاحية في ضوء منهج تحليل الخطاب وآلية السياق للكشف عن رسائله الأساسية، تقنياته البلاغية، وأساليبه التحفيزية.
السياق الأيديولوجي والتاريخي:
يأتي المقال في وقت يشهد فيه تنظيم داعش تراجعًا على الأرض في كل من العراق وسوريا بفعل الضربات العسكرية المتكررة من التحالف الدولي والقوات المحلية. يسعى التنظيم في هذه الفترة إلى إعادة تعزيز الروح المعنوية في صفوف مقاتليه وأنصاره، خاصةً مع تصاعد التحديات العسكرية والضغط المتزايد من خصومه.
ويرتكز خطاب المقال على مفاهيم إسلامية مثل الجهاد، الشهادة، والتوحيد، ويظهر هنا نوع من إعادة تأطير الخسائر على أنها اختبارات إلهية واجبة التحمل ووسيلة للوصول إلى الجنة. يتجلى كذلك استخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتعزيز الشرعية الدينية لهذه الأفكار وتقديم تبريرات لاستمرار الصراع المسلح.
الأسلوب الخطابي والتحفيزي:
يعتمد المقال على صور قوية مثل "الطير الخضر" و"قناديل من ذهب" في وصف حياة الشهداء، مما يستهدف تحفيز القراء وتصورهم للجنة بشكل مكثف. هذه الصور تخاطب العواطف وتستهدف إغراء المتابعين بالموت في سبيل التنظيم كوسيلة مضمونة للنعيم.
كما يُكرّر الكاتب فكرة التمايز بين "جنود الخلافة" وأعدائهم، مع مقارنات مع الصحابة والجيل الأول من المسلمين، مما يمنح "المجاهدين" الحاليين شرعية تاريخية وروحية، ويغذي لديهم شعور التفوق الديني والنقاء الإيماني.
ويُوظف المقال آيات قرآنية وأحاديث نبوية ليعطي الشرعية الدينية للنضال ويُظهره كجزء من واجب ديني يتجاوز الأنظمة والقوانين الوضعية. هذه الاستراتيجية تلغي أهمية المعايير القانونية والاجتماعية السائدة، ما يعزز شرعية الصراع المسلح كخيار مقدس.
تقنيات استمالة الجمهور
يصوّر المقال أفراد التنظيم كـ "غرباء" عن المجتمع المادي والجاهلي، ويجعل منهم حراسًا للتوحيد الخالص بعيدًا عن "المتلوثين". هذا الأسلوب يعزز الانعزالية ويوحي بأن التضحية والموت في سبيل التنظيم هو السبيل للبقاء على الطريق الصحيح.
كما يُقلل المقال من أهمية الأعداء ويصورهم كمجرّد طواغيت وجاهليين، مما يبرر استباحة دمائهم واستمرارية الصراع ضدهم. يُستخدم الوصف التحقيري لتضليل أو تشويه صورة الأعداء مما يغذي مشاعر الكراهية لديهم.
بجانب تكرار الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الجهاد، الشهادة، وأجر المجاهدين يهدف إلى إعادة برمجة عقول المتابعين وترسيخ قناعة أن الجهاد في سبيل التنظيم هو ذروة الالتزام الديني.
الرسائل الضمنية والدلالات:
عبر الحديث عن الشهداء كمثال يُحتذى، يُحاول المقال تخفيف وطأة الخسائر الميدانية التي يواجهها التنظيم عبر تصويرها كاختبار إلهي أو مرحلة ضرورية للوصول إلى النصر. يسعى الخطاب إلى تحويل الخسارة إلى قيمة معنوية تعزز صمود الأفراد.
ومن خلال استحضار فضائل الجهاد و"الشهادة"، يسعى المقال لتعبئة المتابعين وإقناعهم بأن الجهاد والموت في سبيل التنظيم هما الوسيلة الأسمى للتقرب إلى الله، ما يُساهم في استمرارية تدفق المقاتلين رغم تدهور أوضاع التنظيم.
ويقوم الخطاب بدور مزدوج؛ فهو يبرر أفعال التنظيم أمام أتباعه ليضمن ولاءهم وتبرير مواقفه القتالية، وفي الوقت نفسه يحرّض على قتال الأعداء وتصويره كحرب مقدسة لا تقبل أي تهاون.
استراتيجيات الخطاب:
يستغل الكاتب التناقض بين الواقع الحاضر (مواجهة أعداء أقوياء) والوعود المستقبلية (النعيم في الجنة، النصر الموعود)، وهو تكتيك يعمل على إثارة الحماسة وتحفيز القارئ على تجاهل الصعوبات والتركيز على النصر المستقبلي.
كما يُحاول الكاتب استحضار قصص الصحابة الأوائل كأمثلة تحتذى، مبرزًا أوجه الشبه بين وضعهم ووضع أفراد التنظيم. يساعد هذا التشبيه في تغليف التنظيم بقدسية الماضي، مما يضفي شرعية دينية ويعزز ولاء الأتباع.
ويصوّر المقال التضحية ليس فقط كقتال مادي ولكن كجهاد روحي ونفسي ضد الأهواء والترف، ما يجعل التضحية جزءًا من هوية المؤمن الحقيقي ويكرّس مفهوم الحياة المخصصة للمُثل الدينية.
الاستنتاج:
يتضح من هذا التحليل أن المقال يعتمد على خطاب ديني حماسي، يتلاعب بمفاهيم الجهاد والتوحيد لتبرير العنف وإغراء المتابعين بالقتال. يُصوّر التنظيم كحامل شرعي للإسلام النقي، ويستغل الرموز الدينية والتراث الإسلامي لتغذية النزعة الجهادية، مُضفيًا طابعًا رمزيًا على الموت في سبيله كوسيلة للتقرب إلى الله.