الصراع في ليبيا.. تهديدات إقليمية وتأثيرات خطيرة

الجمعة 08/نوفمبر/2024 - 12:19 م
طباعة الصراع في ليبيا.. حسام الحداد
 
شهدت ليبيا في الآونة الأخيرة حلقة جديدة من التوتر بين حكومة "الوحدة الوطنية" المؤقتة وبعض الميليشيات المتمركزة في العاصمة طرابلس، ما ينذر باحتمالية تصعيد عسكري قد يؤدي إلى زيادة التوترات وعدم الاستقرار. حيث أشار وزير الداخلية المكلف في حكومة الوحدة، عماد الطرابلسي، إلى خطورة الموقف بسبب تحدي بعض الميليشيات لتنفيذ اتفاق سابق بخروجها من العاصمة، مما يعكس انقسامًا أمنيًا عميقًا وتزايدًا في نفوذ المجموعات المسلحة التي تسعى إلى فرض واقع جديد بالقوة. جاءت هذه التطورات في وقت يستمر فيه الصراع على النفوذ والسيطرة بين الأطراف الليبية، وسط غياب حل سياسي جامع وضعف في البنية الأمنية، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار ليبيا ومنطقة شمال إفريقيا ككل.
طبيعة الصراع في ليبيا وتحديات بناء الدولة
بعد سقوط النظام الليبي في 2011، أصبحت ليبيا دولة ممزقة بين حكومات متنافسة، أبرزها حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في الغرب، وأخرى مدعومة من البرلمان في الشرق. يترافق هذا الانقسام السياسي مع تفاقم نفوذ التشكيلات المسلحة التي تنتشر في العاصمة وغيرها من المدن الكبرى. ومع أن حكومة الوحدة الوطنية عقدت سابقًا اتفاقات مع بعض الميليشيات للخروج من طرابلس، إلا أن تصريحات الطرابلسي الأخيرة كشفت عن رفض بعض المجموعات المسلحة، مثل جهاز دعم الاستقرار الذي يقوده عبد الغني الككلي، الامتثال لهذه الاتفاقات. أدت هذه التوترات إلى تكرار حالات الانفلات الأمني، ما يجعل العاصمة طرابلس مركزًا لصراع القوة الذي يهدد بنقل البلاد إلى حالة جديدة من الانقسامات والعنف.
تداعيات الصراع على الشعب الليبي
ألقت هذه الصراعات المتكررة بظلالها الثقيلة على الشعب الليبي، حيث يعاني المواطنون من تدهور مستمر في جودة الخدمات الأساسية، وتفشي البطالة، وضعف النظام الصحي، ونقص الكهرباء، والمياه، والتعليم. فشل الدولة في فرض سيطرة مركزية فعالة وتكرار المواجهات بين الجماعات المسلحة يؤثر سلبًا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، مما أدى إلى نزوح داخلي مستمر وزيادة معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي في بعض المناطق.
أثر الصراع الليبي على تنامي التطرف في المنطقة
مع تصاعد الانقسامات والانفلات الأمني في ليبيا، أصبحت البلاد بيئة خصبة لتنامي التطرف وانتشار الجماعات الإرهابية. إذ تستغل الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية المحلية والدولية مثل تنظيم "داعش" هذه الفوضى الأمنية لتجنيد الشباب العاطلين عن العمل وتوسيع نفوذهم. كما أدى غياب سيطرة الدولة على الحدود إلى تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى الدول المجاورة، مما يزيد من التهديدات الإرهابية في دول مثل تونس والجزائر ومالي والنيجر.
السبل الممكنة لمواجهة الصراع وخروج ليبيا من الأزمة
تفعيل سيادة القانون ونزع سلاح الميليشيات:
 يجب على الحكومة الليبية تعزيز سيادة القانون من خلال نزع سلاح الميليشيات وإدماج أفرادها ضمن مؤسسات الدولة الرسمية في إطار برامج إعادة تأهيل مدروسة، وذلك لضمان الأمن وبناء قدرات الدولة.
المصالحة الوطنية الشاملة:
 تعد المصالحة الوطنية مخرجًا أساسيًا للتغلب على الانقسامات الاجتماعية والسياسية. يجب أن يتم تنفيذ حوار شامل يضم جميع القوى الليبية بمختلف توجهاتها، للوصول إلى رؤية وطنية تضمن التوافق وتضع حدًا للتناحر.
دعم بناء مؤسسات قوية وتفعيل الإدارة المحلية:
لا يمكن استقرار ليبيا دون بناء مؤسسات قادرة على توفير الخدمات للمواطنين. يُمكن تعزيز الاستقرار من خلال دعم الإدارة المحلية التي ستساهم في تحقيق بعض الاستقلالية للأقاليم والمدن، مما قد يخفف التوترات المحلية.
الحد من التدخلات الخارجية السلبية:
تحتاج ليبيا إلى جهود دولية للتصدي للتدخلات الخارجية التي تغذي الصراعات الداخلية، بحيث يتم دعم ليبيا في بناء دولة قوية ومستقلة بعيدًا عن أي ضغوط أو تأثيرات سلبية خارجية.
تنظيم استفتاء شعبي شامل:
يمثل الاستفتاء الشعبي أداة فعالة لمشاركة الشعب الليبي في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم، ويمثل خطوة نحو تحقيق الديمقراطية والاستقرار من خلال تحديد خيارات سياسية تجمع الليبيين تحت راية واحدة.
الخاتمة
يظل الوضع الأمني في ليبيا معقدًا ويمثل تحديًا كبيرًا أمام استقرارها وأمن منطقة شمال إفريقيا بأسرها. إن تنامي قوة الميليشيات المسلحة في ظل ضعف الدولة يضع مستقبل البلاد في خطر، ويفتح الباب أمام مزيد من التطرف. تتطلب ليبيا اليوم إرادة وطنية صادقة وجهودًا محلية ودولية لفرض القانون وإحلال الأمن والاستقرار، إضافة إلى إجراء حوار وطني شامل وبناء مؤسسات قوية قادرة على حماية مصالح المواطنين وتوفير حياة كريمة لهم.

شارك