الخطاب المتطرف.. مواجهة حاسمة أو خسارة مجتمعية
الجمعة 08/نوفمبر/2024 - 01:18 م
طباعة
حسام الحداد
قراءة نقدية تحليلية لافتتاحية صحيفة "النبأ" العدد 468 الصادرة عن تنظيم داعش
تحتل الخطابات الإعلامية للجماعات المتطرفة، مثل تنظيم "داعش"، دورًا محوريًا في محاولتها تبرير سلوكياتها واستقطاب مناصرين من مختلف الأوساط. وتُعد صحيفة "النبأ"، الصادرة عن تنظيم "داعش"، منصة رئيسية لنشر أفكاره وتوجيه رسائله الدعوية والعسكرية؛ إذ تحمل افتتاحياتها في عددها الأخير 468، الصادر مساء الخميس 7 نوفمبر 2024، نظرة عميقة إلى المنهج الفكري الذي يتبناه التنظيم وأسلوبه في مواجهة خصومه والتأثير على الرأي العام في مناطق نفوذه وخارجها. في افتتاحية هذه الصحيفة، يُبرز تنظيم "داعش" جوانب متعددة من استراتيجيته الدعوية والتكتيكية، في محاولة منه لمهاجمة الجماعات الإسلامية المنافسة التي ترفض منهجه، ويصفهم بأوصاف شديدة ويهاجمهم باعتبارهم "دعاة جهنم".
يستخدم التنظيم في هذا المقال عناصر لغوية ودلالية تستند إلى الترهيب وتوظيف النصوص الدينية في غير سياقها الأصلي، متبنيًا أسلوبًا خطابيًا يحاول عبره استحضار صورًا تاريخية من "الجهاد" مع تجنب الحديث عن معايير الفهم الشرعي الصحيح الذي يرفض الغلو والعنف تجاه المسلمين وغير المسلمين. كما يسعى إلى تبرير عمليات العنف عبر اتهام من يخالفونه بالرأي بالخيانة والعمالة، وإظهار نفسه باعتباره المدافع الحقيقي عن قضايا الأمة.
هذه القراءة النقدية التحليلية ستتطرق إلى أوجه الخطاب الدعائي المستخدم في هذا النص، وتفكيك الرموز والأساليب الخطابية التي يعتمد عليها التنظيم لتبرير ممارساته وشنّ هجماته الكلامية على من يخالفه. كما ستحلل كيف يحاول "داعش" استقطاب الأفراد عبر خطاب مشحون بالعاطفة والشعارات الدينية، متجاهلاً عمق الخلافات الفقهية والفكرية التي تؤكد على استحالة استئثار هذا التنظيم بالفهم الصحيح للدين، وتسليط الضوء على التناقضات والعيوب في استراتيجياته وممارساته.
الرسالة العامة والتوجه الأيديولوجي
تُعبِّر هذه الافتتاحية عن رسالة تنظيم داعش التي تتبنى الفكر الجهادي التكفيري، مستندة إلى التأكيد على وجوب "الجهاد" المسلح ضد من تصفهم بالطواغيت، سواء من الحكام أو القوى العالمية التي تعاديهم، وأيضًا ضد المسلمين الذين يعارضون توجهاتهم. ويظهر في المقال هجوم صريح على العلماء والدعاة الذين يدعون إلى القعود أو التروي في مسألة الجهاد، مروجين لفكرة أن هؤلاء قد انحرفوا عن "المنهج القويم"، حسب وصفهم.
التناقضات الداخلية
التناقض في مفهوم الجهاد: تعتبر الافتتاحية أن الجهاد الحقيقي هو العمل المسلح الذي لا يشترط الكثير من التحضير أو الأخذ بالاعتبارات المادية. وهذا تجاهل للحيثيات الواقعية التي يتطلبها أي صراع عسكري، مثل التدريب والتمويل والاستعداد. فتجاهل هذه الجوانب يُعد ترويجًا لمفهوم مختزل للجهاد، مما يسبب التباسًا في فهم المصطلح بين أتباع التنظيم.
تناقضات "القعود في سبيل الله": تشير الافتتاحية إلى أن هناك علماء ودعاة ينادون بالقعود بحجة الجهاد، ويدينهم بأنها "حيلة" للإعراض عن العمل الجهادي المسلح، وهذا ادعاء يظهر تناقضًا صارخًا؛ حيث يتم تجاهل أن هناك فتاوى معتبرة تضع ضوابط وشروطًا للجهاد.
أسلوب التحريض ضد "المتخاذلين"
المقال مليء بتشويه صورة العلماء والدعاة الذين يختلفون مع منهج التنظيم ويصورهم كخونة ومتآمرين مع "الطواغيت" والغرب ضد الإسلام. يستخدم المقال عبارات مثل "الخونة" و"المرجفين" و"المنحرفين" لإشعال الفتنة وإثارة العداء ضد هذه الفئات، وهو أسلوب يُشجّع على النزاع الداخلي بين المسلمين، مما قد يؤدي إلى العنف والتكفير الموجه ضد التيارات المعتدلة.
التلاعب بالمشاعر والمفاهيم الشرعية
تعتمد الافتتاحية على عواطف القراء بتحريك الشعور بالظلم والغضب ضد القادة السياسيين، وتصوير أن العدو الأول هو "العلماء الذين يثبطون الناس عن الجهاد." يُستخدم هذا التلاعب لإقناع الأتباع بأن طريق "النصر والتمكين" يمر فقط عبر القتال، متجاهلة تنوع أساليب الدعوة والعمل الشرعي في الإسلام، وإغفال دور الإصلاح التدريجي والتعلم كأشكال شرعية من الجهاد.
انتقاد الالتزام بالشروط الواقعية
تسخر الافتتاحية من وضع شروط "إعداد" و"تنظيم" للجهاد، وتعتبر أن أي اعتبار للموازين الواقعية والحسابات المادية هو نوع من انعدام الإيمان بالله. هذا التوجه يوحي بأن أي عمل دون دراسة أو تخطيط مسبق هو مقبول، مما يعد ترويجًا لفكر يتجاهل الحكمة والأخذ بالأسباب، ويشجع على العشوائية والفوضى، مما يفضي إلى نتائج وخيمة على الساحة العسكرية والسياسية.
التركيز على "العدو الداخلي" وتحريف الحديث النبوي
تشير الافتتاحية إلى حديث حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) عن دعاة الضلالة لتصوير العلماء والمفكرين الذين لا يتوافقون مع الفكر المتشدد كأعداء يجب مقاومتهم. وهذا التأويل الانتقائي يُستغل لإضفاء الشرعية على الصدام مع المسلمين الآخرين، وإيجاد عدو داخلي يتمثل في أي فئة أو شخصية تخالف نهج التنظيم.
الترويج لفكرة النخبوية والاستحقاق الديني
من الواضح أن المقال يضع تنظيم داعش وأتباعه في موضع "الطائفة المنصورة"، حيث يعتبر التنظيم نفسه "الفرقة الناجية"، متجاهلًا الآراء الأخرى في الفقه الإسلامي التي تنادي بوحدة المسلمين وعدم التفريق بينهم على أساس اختلافات سياسية أو مذهبية.
التحذير من الفشل أمام "القوى العالمية"
تتحدث الافتتاحية عن "القوى العالمية" وكأنها قوى خارقة لا يمكن أن يُهزمها إلا التنظيم، وتستخدم هذه الفكرة لزرع رهبة في قلوب الأتباع من هذه القوى، وتهيئتهم لمعاداة الجميع، بما في ذلك المجتمعات الإسلامية التي يعيشون فيها.
اهداف داعش:
توجيه تنظيم "داعش" لهذا الخطاب الحاد ضد الجماعات الإسلامية الأخرى التي لا تتبنى منهجه العنيف له عدة أهداف ومكاسب أساسية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
تحقيق التفوق الشرعي والأخلاقي المزعوم: يسعى "داعش" من خلال هذا الخطاب إلى إضفاء شرعية دينية على منهجه المتطرف، حيث يُظهر نفسه كممثل وحيد للإسلام الصحيح، في مقابل الجماعات الأخرى التي يعتبرها متخاذلة أو عميلة. بذلك، يعزز التنظيم من مكانته بين مناصريه ويقدم نفسه على أنه "حامي الدين" في مواجهة الآخرين، مما يساعد في جذب العناصر التي تبحث عن شرعية "دينية" للانخراط في العنف.
إضعاف الجماعات الإسلامية المنافسة: مهاجمة "داعش" لهذه الجماعات ووصفها بأنها تعمل لصالح "الطواغيت" أو أعداء الدين يسعى إلى زرع الشكوك بين أتباع تلك الجماعات، وإثارة الخلافات بينهم حول مصداقية قياداتهم. إذ إن التشكيك في دوافع وولاءات الجماعات الأخرى يجعلها تبدو ضعيفة في عيون أتباعها، ويزيد من فرص التحاق بعضهم بتنظيم "داعش".
استقطاب العناصر المتحمسة للجهاد: يعمل التنظيم من خلال هذا الخطاب على استغلال العواطف الدينية لدى الشباب المتحمس للجهاد، حيث يقدم صورة مُبسطة ومباشرة عن "الجهاد" ويهاجم بشدة الفتاوى التي تضع شروطًا للجهاد أو ترفض منهجه. فيجد بعض الشباب في خطابه منبرًا سهل الوصول يبرر لهم الانضمام إلى التنظيم دون التفكير في المعايير الفقهية الأعمق.
إضفاء المصداقية على قياداته: بانتقاد القيادات "القابلة للتفاوض" أو "الهاربة" من ميادين الجهاد، يحاول "داعش" تصوير قياداته على أنها الوحيدة المخلصة للقضية، وأن قادته لا يسعون وراء مصالح شخصية أو علاقات مع أنظمة أو حكومات. هذا التوجه يعزز من مصداقية التنظيم، ويخلق حالة من الولاء والانتماء بين عناصره.
تعزيز الشعور بالاضطهاد لاستدرار التعاطف: من خلال تصويره نفسه كهدف لمؤامرات دولية وتعاونات مخابراتية، يعزز "داعش" من شعور أعضائه ومؤيديه بأنهم مضطهدون من قِبَل قوى أكبر، وأن القتال إلى جانبه هو "معركة مقدسة" لا مجرد عمل إرهابي. ويساهم هذا الخطاب في استثارة عواطف المتعاطفين والمجندين المحتملين الذين يشعرون بعدم العدالة أو الغضب من سياسات الحكومات المحلية أو الدولية.
إيجاد حافز نفسي لمحاربة الآخرين: بتوجيه هذا النقد الحاد إلى منظمات أخرى، يبرر "داعش" لأتباعه العنف ضد الجماعات الإسلامية المخالفة، في صورة تشبه "التكفير" الذي يبيح قتال من لا يلتزم بتوجهاته. وهذا التصعيد يخلق حالة من العداء المستمر الذي يغذي احتياجات التنظيم للتعبئة والتجييش النفسي بين عناصره.
الحفاظ على قواعده التنظيمية وتمتين الولاء الداخلي: يشكل هذا الخطاب دعوة غير مباشرة لعناصر "داعش" بعدم الانجرار إلى دعوات الجماعات الإسلامية الأخرى التي قد تطرح توجهات مختلفة أو أقل تطرفًا. هذا التوجه يضمن "داعش" من خلاله إحكام قبضته التنظيمية والمحافظة على تماسكه الداخلي، ويثبط من محاولات أعضائه للتساؤل أو الانشقاق.
بذلك، يخدم هذا الخطاب غايات تنظيمية وإيديولوجية، ويعزز من قدرة "داعش" على الاستمرار في استقطاب الأتباع والمحافظة على هيمنته الفكرية داخل أوساطه، في ظل منافسة شديدة مع جماعات إسلامية أخرى تطعن في مشروعيته وترفض استخدام العنف غير المبرر ضد المسلمين والمدنيين.
كما يعكس النص جهدًا لتضليل القراء وتوجيههم إلى فهم مشوه لقضايا الجهاد والتعامل مع المسلمين الآخرين، ويؤكد على أهمية الدور التوعوي الذي يمكن أن يلعبه العلماء والدعاة في تفنيد هذه الأفكار وتوضيح مفهوم الجهاد الصحيح والأخلاقي.
دور المؤسسات الدينية في مواجهة خطاب "داعش":
دور المؤسسات الدينية في مواجهة خطاب "داعش" المتطرف يحمل تحديات معقدة، خاصة أن العديد من هذه المؤسسات تتبنى خطابًا أصوليًا أو تقليديًا قد يشترك في بعض الجوانب الفكرية العامة مع التيارات المتشددة، وإن لم يكن بالضرورة متطابقًا معها في استحلال العنف أو تكفير المخالفين. إلا أن هناك خطوات محورية يمكن أن تتبناها المؤسسات الدينية لتقديم خطاب أكثر اتزانًا وفاعلية، وتقليل تأثير الخطاب المتطرف، ومن هذه الخطوات:
تجديد الخطاب الديني ونقله نحو مقاربة وسطية: تحتاج المؤسسات الدينية إلى مراجعة خطابها وطرح مقاربة إسلامية وسطية تركز على القيم الإنسانية في الإسلام، مثل الرحمة والتسامح والعدالة. هذا يتطلب توجيه النصوص نحو مقاصد الشريعة، بدلاً من الالتزام الحرفي أو السطحي الذي قد يلتقي أحيانًا مع الخطابات التكفيرية.
التمييز بين الأصولية التقليدية والتطرف العنيف: لا بد أن تتبنى المؤسسات الدينية خطابًا يُوضّح الفرق بين الفكر التقليدي والفكر التكفيري، بما يمنع استغلال القيم المحافظة لتحقيق أهداف العنف والتشدد. هذا التفريق ضروري لخلق وعي بين عامة الناس حول خطورة التطرف، وللحد من استغلال النصوص الشرعية بطريقة تخدم أجندات التنظيمات الإرهابية.
تعزيز التعليم الديني المتوازن: يمكن للمؤسسات الدينية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تحديث المناهج الدينية في المعاهد والجامعات الإسلامية لتشمل دراسات في المقاصد الشرعية، وعلوم السيرة والفقه بشكل يعمق فهم الأخلاقيات الإسلامية والمعاني الروحية. هذه المناهج يمكن أن تساعد على خلق بيئة تعليمية قادرة على مناقشة وإفشال التفسيرات المتطرفة التي تستخدمها الجماعات المتشددة.
رفض تكفير المخالفين: يجب أن تتبنى المؤسسات الدينية موقفًا حاسمًا ضد منهج التكفير واعتبار المسلمين الذين يخالفونها خارج الإسلام، مع التأكيد على أن الاختلافات في التفسير ليست كفرًا بل جزءًا من التراث الإسلامي. هذا يتطلب توجيه رسالة واضحة بأن الإسلام يُقدّر التعددية في الفهم، وهو ما يتعارض جذريًا مع توجهات "داعش".
تدريب الأئمة والدعاة على أساليب المواجهة الفكرية: كثير من الأئمة قد لا يملكون الأدوات أو القدرات التي تساعدهم في مواجهة خطاب التنظيمات المتطرفة. لذا، يجب أن توفر المؤسسات برامج تدريبية للأئمة على مواجهة الفكر المتطرف، وتزويدهم بحجج علمية وأدوات خطابية تفنّد مزاعم "داعش" وغيرها من الجماعات المتطرفة.
تعزيز دور الإعلام الديني: على المؤسسات الدينية الاستثمار في وسائل الإعلام، مثل التلفاز والإذاعات والمنصات الرقمية، لنشر خطاب وسطي ومتوازن يصل بسهولة إلى شريحة واسعة من الناس. يتطلب ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بفعالية لنشر محتوى ديني معتدل وتقديم تفسيرات معاصرة تتناول القضايا اليومية للناس بعيدًا عن التطرف.
التعاون مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني: قد تحتاج المؤسسات الدينية إلى توسيع دورها من خلال التعاون مع مؤسسات الدولة والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني، حيث يمكن بناء شراكات لتقديم برامج توعوية ومجتمعية تعزز قيم التسامح والتعايش، وتحد من نفوذ الجماعات المتطرفة.
الاستفادة من الشخصيات الدينية المؤثرة: العديد من الشخصيات الإسلامية قد تكون لها مصداقية عالية وقبول واسع لدى العامة، مما يمكّنها من توجيه خطاب بديل. يمكن للمؤسسات الدينية تشجيع هذه الشخصيات على تبنّي خطاب معتدل يُبرز الجانب الروحي والأخلاقي في الإسلام ويؤكد على نبذ العنف.
توسيع دائرة الفتوى لتشمل موضوعات معاصرة: يجب أن تتحمل المؤسسات الدينية مسؤولية إصدار فتاوى تراعي تعقيدات العصر الحالي وتقدم حلولًا عملية تتماشى مع الواقع، ما قد يُضعف من حجة التنظيمات المتطرفة التي تستغل غياب هذه الفتاوى للترويج لأفكارها.
بهذه الخطوات، يمكن للمؤسسات الدينية أن تلعب دورًا أكثر فعالية في مواجهة خطاب "داعش" المتطرف. توظيف خطاب ديني مستنير يستجيب لتحديات العصر ويساهم في خلق وعي مجتمعي يمكن أن يكون سدًّا منيعًا ضد استقطاب الأفراد من قِبل الجماعات المتطرفة.
دور مؤسسات الدولة في مواجهة خطاب داعش:
الإعلام وبقية مؤسسات الدولة تلعب دورًا حاسمًا في مواجهة خطاب "داعش" المتطرف، وذلك عبر عدة محاور استراتيجية تساهم في التصدي للفكر المتشدد وتوعية المجتمع بمخاطره. فيما يلي أبرز الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها هذه الجهات:
دور الإعلام
نشر خطاب توعوي مضاد: يُعتبر الإعلام خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف من خلال نشر خطاب توعوي يستهدف كافة شرائح المجتمع. يمكن للإعلام أن يبرز مخاطر الفكر المتطرف وأن ينقل قصص الضحايا المتأثرين بالإرهاب، مما يعزز الوعي العام حول الضرر الذي يسببه هذا الفكر.
تقديم نماذج إيجابية: الإعلام قادر على تسليط الضوء على نماذج إيجابية من شخصيات دينية أو مجتمعية تتبنى فكرًا معتدلًا، مما يوفر للجمهور بدائل يُقتدى بها ويُحتذى بنهجها بعيدًا عن التطرف.
استخدام السوشيال ميديا بحذر وذكاء: نظرًا لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي الهائل، يمكن للإعلام دعم محتوى يواجه الخطاب المتطرف ويتفاعل معه، مع تحليل أخطائه وكشف المغالطات. هذه المنصات تعد أدوات فاعلة للوصول إلى الشباب الذين يشكلون الفئة الأكثر استهدافًا.
دحض الشائعات وتفنيد الأكاذيب: التنظيمات الإرهابية تعتمد على ترويج الشائعات والمعلومات المغلوطة؛ وهنا يأتي دور الإعلام في التحقق من الأخبار وتفنيد الأكاذيب، حتى لا يتم استغلال المجتمع لنشر خطاب متطرف.
إنتاج محتوى ثقافي وفكري محفز: عبر إنتاج أفلام وثائقية، برامج تحليلية، ومسلسلات، يمكن للإعلام توعية الجمهور حول العوامل التي تقود إلى التطرف، وكيفية الوقاية منها على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي.
دور المؤسسات التعليمية
تعزيز المناهج الدراسية المعتدلة: على المؤسسات التعليمية تطوير مناهج تشمل مفاهيم التسامح، والتعددية الفكرية، والتربية على قيم العيش المشترك، مما يحد من تجذر الأفكار المتطرفة في عقول الشباب.
إقامة ورش عمل وندوات تثقيفية: يمكن للمدارس والجامعات تنظيم ورش عمل وندوات يشارك فيها مختصون في مواجهة الفكر المتطرف، مما يعزز مناعة الطلاب ضد الدعاية المتطرفة.
تدريب المعلمين والأساتذة: يجب تدريب الكادر التعليمي على كيفية التعرف على علامات التشدد لدى الطلاب، وكيفية توجيههم نحو مفاهيم الاعتدال والتسامح.
دور الأجهزة الأمنية
مكافحة التطرف الإلكتروني: تستطيع الأجهزة الأمنية، بالتعاون مع شركات التكنولوجيا، مراقبة الأنشطة المتطرفة عبر الإنترنت، وتعطيل المنصات التي تنشر خطاب الكراهية، والحد من استقطاب الشباب.
التعاون مع المجتمع المحلي: يمكن للأجهزة الأمنية العمل على بناء شراكات مع أفراد المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني لمراقبة الأنشطة المريبة والإبلاغ عنها، مما يساهم في كشف التحركات المشبوهة للتنظيمات المتطرفة قبل تطورها.
دور المؤسسات الدينية
إصلاح الخطاب الديني: التعاون بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية ضروري لإصلاح الخطاب الديني نحو الاعتدال، حيث يتم تقديم تفسير عقلاني للنصوص الدينية يتناسب مع الحياة المعاصرة، مما يساعد في قطع الطريق أمام الأيديولوجيات المتطرفة.
إصدار فتاوى معاصرة: ينبغي على المؤسسات الدينية تقديم فتاوى تعالج القضايا المعاصرة بشكل واضح ومنطقي، مما يقلل من فرص الاستغلال الفكري لبعض المسائل التي تتعلق بالدين.
دور منظمات المجتمع المدني
تنظيم حملات توعية مجتمعية: يمكن لمنظمات المجتمع المدني تنظيم حملات توعوية توضح مخاطر التطرف والعنف، وتروج لقيم التسامح والاعتدال، بحيث تصل إلى كل فئات المجتمع.
تقديم دعم نفسي واجتماعي: توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأسر التي تتعرض لأفرادها للوقوع تحت تأثير الفكر المتطرف يساعد على إعادة دمجهم في المجتمع ويمنع انزلاقهم نحو التطرف.
تمكين الشباب اقتصاديًا واجتماعيًا: يمكن لمنظمات المجتمع المدني لعب دور في دعم الشباب وتوفير فرص عمل أو تطوير مهاراتهم، مما يقلل من فرص استقطابهم من قِبل الجماعات المتطرفة التي تستغل حالات البطالة واليأس.
التعاون الدولي
تبادل المعلومات: مواجهة التطرف تتطلب تعاونًا دوليًا، وتبادل المعلومات بين الدول حول تحركات الجماعات الإرهابية.
التنسيق على مستوى التدريب وتبادل الخبرات: يمكن الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال مكافحة التطرف، من خلال برامج تدريبية وورش عمل للعاملين في المجالات الأمنية والإعلامية والتعليمية.
الخلاصة
تُشكّل مواجهة خطاب "داعش" المتطرف مسؤولية جماعية تتطلب تنسيق جهود مؤسسات الدولة كافة، بما في ذلك الإعلام، المؤسسات التعليمية، الدينية، والأمنية، وكذلك منظمات المجتمع المدني. يجب أن تُبنى هذه الجهود على أسس توعية شاملة، تتناول الفكر المتطرف من جذوره، وتعمل على سد الثغرات التي يستغلها في استقطاب الأفراد، بهدف بناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة كافة أشكال العنف والتطرف.
تحتل الخطابات الإعلامية للجماعات المتطرفة، مثل تنظيم "داعش"، دورًا محوريًا في محاولتها تبرير سلوكياتها واستقطاب مناصرين من مختلف الأوساط. وتُعد صحيفة "النبأ"، الصادرة عن تنظيم "داعش"، منصة رئيسية لنشر أفكاره وتوجيه رسائله الدعوية والعسكرية؛ إذ تحمل افتتاحياتها في عددها الأخير 468، الصادر مساء الخميس 7 نوفمبر 2024، نظرة عميقة إلى المنهج الفكري الذي يتبناه التنظيم وأسلوبه في مواجهة خصومه والتأثير على الرأي العام في مناطق نفوذه وخارجها. في افتتاحية هذه الصحيفة، يُبرز تنظيم "داعش" جوانب متعددة من استراتيجيته الدعوية والتكتيكية، في محاولة منه لمهاجمة الجماعات الإسلامية المنافسة التي ترفض منهجه، ويصفهم بأوصاف شديدة ويهاجمهم باعتبارهم "دعاة جهنم".
يستخدم التنظيم في هذا المقال عناصر لغوية ودلالية تستند إلى الترهيب وتوظيف النصوص الدينية في غير سياقها الأصلي، متبنيًا أسلوبًا خطابيًا يحاول عبره استحضار صورًا تاريخية من "الجهاد" مع تجنب الحديث عن معايير الفهم الشرعي الصحيح الذي يرفض الغلو والعنف تجاه المسلمين وغير المسلمين. كما يسعى إلى تبرير عمليات العنف عبر اتهام من يخالفونه بالرأي بالخيانة والعمالة، وإظهار نفسه باعتباره المدافع الحقيقي عن قضايا الأمة.
هذه القراءة النقدية التحليلية ستتطرق إلى أوجه الخطاب الدعائي المستخدم في هذا النص، وتفكيك الرموز والأساليب الخطابية التي يعتمد عليها التنظيم لتبرير ممارساته وشنّ هجماته الكلامية على من يخالفه. كما ستحلل كيف يحاول "داعش" استقطاب الأفراد عبر خطاب مشحون بالعاطفة والشعارات الدينية، متجاهلاً عمق الخلافات الفقهية والفكرية التي تؤكد على استحالة استئثار هذا التنظيم بالفهم الصحيح للدين، وتسليط الضوء على التناقضات والعيوب في استراتيجياته وممارساته.
الرسالة العامة والتوجه الأيديولوجي
تُعبِّر هذه الافتتاحية عن رسالة تنظيم داعش التي تتبنى الفكر الجهادي التكفيري، مستندة إلى التأكيد على وجوب "الجهاد" المسلح ضد من تصفهم بالطواغيت، سواء من الحكام أو القوى العالمية التي تعاديهم، وأيضًا ضد المسلمين الذين يعارضون توجهاتهم. ويظهر في المقال هجوم صريح على العلماء والدعاة الذين يدعون إلى القعود أو التروي في مسألة الجهاد، مروجين لفكرة أن هؤلاء قد انحرفوا عن "المنهج القويم"، حسب وصفهم.
التناقضات الداخلية
التناقض في مفهوم الجهاد: تعتبر الافتتاحية أن الجهاد الحقيقي هو العمل المسلح الذي لا يشترط الكثير من التحضير أو الأخذ بالاعتبارات المادية. وهذا تجاهل للحيثيات الواقعية التي يتطلبها أي صراع عسكري، مثل التدريب والتمويل والاستعداد. فتجاهل هذه الجوانب يُعد ترويجًا لمفهوم مختزل للجهاد، مما يسبب التباسًا في فهم المصطلح بين أتباع التنظيم.
تناقضات "القعود في سبيل الله": تشير الافتتاحية إلى أن هناك علماء ودعاة ينادون بالقعود بحجة الجهاد، ويدينهم بأنها "حيلة" للإعراض عن العمل الجهادي المسلح، وهذا ادعاء يظهر تناقضًا صارخًا؛ حيث يتم تجاهل أن هناك فتاوى معتبرة تضع ضوابط وشروطًا للجهاد.
أسلوب التحريض ضد "المتخاذلين"
المقال مليء بتشويه صورة العلماء والدعاة الذين يختلفون مع منهج التنظيم ويصورهم كخونة ومتآمرين مع "الطواغيت" والغرب ضد الإسلام. يستخدم المقال عبارات مثل "الخونة" و"المرجفين" و"المنحرفين" لإشعال الفتنة وإثارة العداء ضد هذه الفئات، وهو أسلوب يُشجّع على النزاع الداخلي بين المسلمين، مما قد يؤدي إلى العنف والتكفير الموجه ضد التيارات المعتدلة.
التلاعب بالمشاعر والمفاهيم الشرعية
تعتمد الافتتاحية على عواطف القراء بتحريك الشعور بالظلم والغضب ضد القادة السياسيين، وتصوير أن العدو الأول هو "العلماء الذين يثبطون الناس عن الجهاد." يُستخدم هذا التلاعب لإقناع الأتباع بأن طريق "النصر والتمكين" يمر فقط عبر القتال، متجاهلة تنوع أساليب الدعوة والعمل الشرعي في الإسلام، وإغفال دور الإصلاح التدريجي والتعلم كأشكال شرعية من الجهاد.
انتقاد الالتزام بالشروط الواقعية
تسخر الافتتاحية من وضع شروط "إعداد" و"تنظيم" للجهاد، وتعتبر أن أي اعتبار للموازين الواقعية والحسابات المادية هو نوع من انعدام الإيمان بالله. هذا التوجه يوحي بأن أي عمل دون دراسة أو تخطيط مسبق هو مقبول، مما يعد ترويجًا لفكر يتجاهل الحكمة والأخذ بالأسباب، ويشجع على العشوائية والفوضى، مما يفضي إلى نتائج وخيمة على الساحة العسكرية والسياسية.
التركيز على "العدو الداخلي" وتحريف الحديث النبوي
تشير الافتتاحية إلى حديث حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) عن دعاة الضلالة لتصوير العلماء والمفكرين الذين لا يتوافقون مع الفكر المتشدد كأعداء يجب مقاومتهم. وهذا التأويل الانتقائي يُستغل لإضفاء الشرعية على الصدام مع المسلمين الآخرين، وإيجاد عدو داخلي يتمثل في أي فئة أو شخصية تخالف نهج التنظيم.
الترويج لفكرة النخبوية والاستحقاق الديني
من الواضح أن المقال يضع تنظيم داعش وأتباعه في موضع "الطائفة المنصورة"، حيث يعتبر التنظيم نفسه "الفرقة الناجية"، متجاهلًا الآراء الأخرى في الفقه الإسلامي التي تنادي بوحدة المسلمين وعدم التفريق بينهم على أساس اختلافات سياسية أو مذهبية.
التحذير من الفشل أمام "القوى العالمية"
تتحدث الافتتاحية عن "القوى العالمية" وكأنها قوى خارقة لا يمكن أن يُهزمها إلا التنظيم، وتستخدم هذه الفكرة لزرع رهبة في قلوب الأتباع من هذه القوى، وتهيئتهم لمعاداة الجميع، بما في ذلك المجتمعات الإسلامية التي يعيشون فيها.
اهداف داعش:
توجيه تنظيم "داعش" لهذا الخطاب الحاد ضد الجماعات الإسلامية الأخرى التي لا تتبنى منهجه العنيف له عدة أهداف ومكاسب أساسية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
تحقيق التفوق الشرعي والأخلاقي المزعوم: يسعى "داعش" من خلال هذا الخطاب إلى إضفاء شرعية دينية على منهجه المتطرف، حيث يُظهر نفسه كممثل وحيد للإسلام الصحيح، في مقابل الجماعات الأخرى التي يعتبرها متخاذلة أو عميلة. بذلك، يعزز التنظيم من مكانته بين مناصريه ويقدم نفسه على أنه "حامي الدين" في مواجهة الآخرين، مما يساعد في جذب العناصر التي تبحث عن شرعية "دينية" للانخراط في العنف.
إضعاف الجماعات الإسلامية المنافسة: مهاجمة "داعش" لهذه الجماعات ووصفها بأنها تعمل لصالح "الطواغيت" أو أعداء الدين يسعى إلى زرع الشكوك بين أتباع تلك الجماعات، وإثارة الخلافات بينهم حول مصداقية قياداتهم. إذ إن التشكيك في دوافع وولاءات الجماعات الأخرى يجعلها تبدو ضعيفة في عيون أتباعها، ويزيد من فرص التحاق بعضهم بتنظيم "داعش".
استقطاب العناصر المتحمسة للجهاد: يعمل التنظيم من خلال هذا الخطاب على استغلال العواطف الدينية لدى الشباب المتحمس للجهاد، حيث يقدم صورة مُبسطة ومباشرة عن "الجهاد" ويهاجم بشدة الفتاوى التي تضع شروطًا للجهاد أو ترفض منهجه. فيجد بعض الشباب في خطابه منبرًا سهل الوصول يبرر لهم الانضمام إلى التنظيم دون التفكير في المعايير الفقهية الأعمق.
إضفاء المصداقية على قياداته: بانتقاد القيادات "القابلة للتفاوض" أو "الهاربة" من ميادين الجهاد، يحاول "داعش" تصوير قياداته على أنها الوحيدة المخلصة للقضية، وأن قادته لا يسعون وراء مصالح شخصية أو علاقات مع أنظمة أو حكومات. هذا التوجه يعزز من مصداقية التنظيم، ويخلق حالة من الولاء والانتماء بين عناصره.
تعزيز الشعور بالاضطهاد لاستدرار التعاطف: من خلال تصويره نفسه كهدف لمؤامرات دولية وتعاونات مخابراتية، يعزز "داعش" من شعور أعضائه ومؤيديه بأنهم مضطهدون من قِبَل قوى أكبر، وأن القتال إلى جانبه هو "معركة مقدسة" لا مجرد عمل إرهابي. ويساهم هذا الخطاب في استثارة عواطف المتعاطفين والمجندين المحتملين الذين يشعرون بعدم العدالة أو الغضب من سياسات الحكومات المحلية أو الدولية.
إيجاد حافز نفسي لمحاربة الآخرين: بتوجيه هذا النقد الحاد إلى منظمات أخرى، يبرر "داعش" لأتباعه العنف ضد الجماعات الإسلامية المخالفة، في صورة تشبه "التكفير" الذي يبيح قتال من لا يلتزم بتوجهاته. وهذا التصعيد يخلق حالة من العداء المستمر الذي يغذي احتياجات التنظيم للتعبئة والتجييش النفسي بين عناصره.
الحفاظ على قواعده التنظيمية وتمتين الولاء الداخلي: يشكل هذا الخطاب دعوة غير مباشرة لعناصر "داعش" بعدم الانجرار إلى دعوات الجماعات الإسلامية الأخرى التي قد تطرح توجهات مختلفة أو أقل تطرفًا. هذا التوجه يضمن "داعش" من خلاله إحكام قبضته التنظيمية والمحافظة على تماسكه الداخلي، ويثبط من محاولات أعضائه للتساؤل أو الانشقاق.
بذلك، يخدم هذا الخطاب غايات تنظيمية وإيديولوجية، ويعزز من قدرة "داعش" على الاستمرار في استقطاب الأتباع والمحافظة على هيمنته الفكرية داخل أوساطه، في ظل منافسة شديدة مع جماعات إسلامية أخرى تطعن في مشروعيته وترفض استخدام العنف غير المبرر ضد المسلمين والمدنيين.
كما يعكس النص جهدًا لتضليل القراء وتوجيههم إلى فهم مشوه لقضايا الجهاد والتعامل مع المسلمين الآخرين، ويؤكد على أهمية الدور التوعوي الذي يمكن أن يلعبه العلماء والدعاة في تفنيد هذه الأفكار وتوضيح مفهوم الجهاد الصحيح والأخلاقي.
دور المؤسسات الدينية في مواجهة خطاب "داعش":
دور المؤسسات الدينية في مواجهة خطاب "داعش" المتطرف يحمل تحديات معقدة، خاصة أن العديد من هذه المؤسسات تتبنى خطابًا أصوليًا أو تقليديًا قد يشترك في بعض الجوانب الفكرية العامة مع التيارات المتشددة، وإن لم يكن بالضرورة متطابقًا معها في استحلال العنف أو تكفير المخالفين. إلا أن هناك خطوات محورية يمكن أن تتبناها المؤسسات الدينية لتقديم خطاب أكثر اتزانًا وفاعلية، وتقليل تأثير الخطاب المتطرف، ومن هذه الخطوات:
تجديد الخطاب الديني ونقله نحو مقاربة وسطية: تحتاج المؤسسات الدينية إلى مراجعة خطابها وطرح مقاربة إسلامية وسطية تركز على القيم الإنسانية في الإسلام، مثل الرحمة والتسامح والعدالة. هذا يتطلب توجيه النصوص نحو مقاصد الشريعة، بدلاً من الالتزام الحرفي أو السطحي الذي قد يلتقي أحيانًا مع الخطابات التكفيرية.
التمييز بين الأصولية التقليدية والتطرف العنيف: لا بد أن تتبنى المؤسسات الدينية خطابًا يُوضّح الفرق بين الفكر التقليدي والفكر التكفيري، بما يمنع استغلال القيم المحافظة لتحقيق أهداف العنف والتشدد. هذا التفريق ضروري لخلق وعي بين عامة الناس حول خطورة التطرف، وللحد من استغلال النصوص الشرعية بطريقة تخدم أجندات التنظيمات الإرهابية.
تعزيز التعليم الديني المتوازن: يمكن للمؤسسات الدينية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تحديث المناهج الدينية في المعاهد والجامعات الإسلامية لتشمل دراسات في المقاصد الشرعية، وعلوم السيرة والفقه بشكل يعمق فهم الأخلاقيات الإسلامية والمعاني الروحية. هذه المناهج يمكن أن تساعد على خلق بيئة تعليمية قادرة على مناقشة وإفشال التفسيرات المتطرفة التي تستخدمها الجماعات المتشددة.
رفض تكفير المخالفين: يجب أن تتبنى المؤسسات الدينية موقفًا حاسمًا ضد منهج التكفير واعتبار المسلمين الذين يخالفونها خارج الإسلام، مع التأكيد على أن الاختلافات في التفسير ليست كفرًا بل جزءًا من التراث الإسلامي. هذا يتطلب توجيه رسالة واضحة بأن الإسلام يُقدّر التعددية في الفهم، وهو ما يتعارض جذريًا مع توجهات "داعش".
تدريب الأئمة والدعاة على أساليب المواجهة الفكرية: كثير من الأئمة قد لا يملكون الأدوات أو القدرات التي تساعدهم في مواجهة خطاب التنظيمات المتطرفة. لذا، يجب أن توفر المؤسسات برامج تدريبية للأئمة على مواجهة الفكر المتطرف، وتزويدهم بحجج علمية وأدوات خطابية تفنّد مزاعم "داعش" وغيرها من الجماعات المتطرفة.
تعزيز دور الإعلام الديني: على المؤسسات الدينية الاستثمار في وسائل الإعلام، مثل التلفاز والإذاعات والمنصات الرقمية، لنشر خطاب وسطي ومتوازن يصل بسهولة إلى شريحة واسعة من الناس. يتطلب ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بفعالية لنشر محتوى ديني معتدل وتقديم تفسيرات معاصرة تتناول القضايا اليومية للناس بعيدًا عن التطرف.
التعاون مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني: قد تحتاج المؤسسات الدينية إلى توسيع دورها من خلال التعاون مع مؤسسات الدولة والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني، حيث يمكن بناء شراكات لتقديم برامج توعوية ومجتمعية تعزز قيم التسامح والتعايش، وتحد من نفوذ الجماعات المتطرفة.
الاستفادة من الشخصيات الدينية المؤثرة: العديد من الشخصيات الإسلامية قد تكون لها مصداقية عالية وقبول واسع لدى العامة، مما يمكّنها من توجيه خطاب بديل. يمكن للمؤسسات الدينية تشجيع هذه الشخصيات على تبنّي خطاب معتدل يُبرز الجانب الروحي والأخلاقي في الإسلام ويؤكد على نبذ العنف.
توسيع دائرة الفتوى لتشمل موضوعات معاصرة: يجب أن تتحمل المؤسسات الدينية مسؤولية إصدار فتاوى تراعي تعقيدات العصر الحالي وتقدم حلولًا عملية تتماشى مع الواقع، ما قد يُضعف من حجة التنظيمات المتطرفة التي تستغل غياب هذه الفتاوى للترويج لأفكارها.
بهذه الخطوات، يمكن للمؤسسات الدينية أن تلعب دورًا أكثر فعالية في مواجهة خطاب "داعش" المتطرف. توظيف خطاب ديني مستنير يستجيب لتحديات العصر ويساهم في خلق وعي مجتمعي يمكن أن يكون سدًّا منيعًا ضد استقطاب الأفراد من قِبل الجماعات المتطرفة.
دور مؤسسات الدولة في مواجهة خطاب داعش:
الإعلام وبقية مؤسسات الدولة تلعب دورًا حاسمًا في مواجهة خطاب "داعش" المتطرف، وذلك عبر عدة محاور استراتيجية تساهم في التصدي للفكر المتشدد وتوعية المجتمع بمخاطره. فيما يلي أبرز الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها هذه الجهات:
دور الإعلام
نشر خطاب توعوي مضاد: يُعتبر الإعلام خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف من خلال نشر خطاب توعوي يستهدف كافة شرائح المجتمع. يمكن للإعلام أن يبرز مخاطر الفكر المتطرف وأن ينقل قصص الضحايا المتأثرين بالإرهاب، مما يعزز الوعي العام حول الضرر الذي يسببه هذا الفكر.
تقديم نماذج إيجابية: الإعلام قادر على تسليط الضوء على نماذج إيجابية من شخصيات دينية أو مجتمعية تتبنى فكرًا معتدلًا، مما يوفر للجمهور بدائل يُقتدى بها ويُحتذى بنهجها بعيدًا عن التطرف.
استخدام السوشيال ميديا بحذر وذكاء: نظرًا لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي الهائل، يمكن للإعلام دعم محتوى يواجه الخطاب المتطرف ويتفاعل معه، مع تحليل أخطائه وكشف المغالطات. هذه المنصات تعد أدوات فاعلة للوصول إلى الشباب الذين يشكلون الفئة الأكثر استهدافًا.
دحض الشائعات وتفنيد الأكاذيب: التنظيمات الإرهابية تعتمد على ترويج الشائعات والمعلومات المغلوطة؛ وهنا يأتي دور الإعلام في التحقق من الأخبار وتفنيد الأكاذيب، حتى لا يتم استغلال المجتمع لنشر خطاب متطرف.
إنتاج محتوى ثقافي وفكري محفز: عبر إنتاج أفلام وثائقية، برامج تحليلية، ومسلسلات، يمكن للإعلام توعية الجمهور حول العوامل التي تقود إلى التطرف، وكيفية الوقاية منها على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي.
دور المؤسسات التعليمية
تعزيز المناهج الدراسية المعتدلة: على المؤسسات التعليمية تطوير مناهج تشمل مفاهيم التسامح، والتعددية الفكرية، والتربية على قيم العيش المشترك، مما يحد من تجذر الأفكار المتطرفة في عقول الشباب.
إقامة ورش عمل وندوات تثقيفية: يمكن للمدارس والجامعات تنظيم ورش عمل وندوات يشارك فيها مختصون في مواجهة الفكر المتطرف، مما يعزز مناعة الطلاب ضد الدعاية المتطرفة.
تدريب المعلمين والأساتذة: يجب تدريب الكادر التعليمي على كيفية التعرف على علامات التشدد لدى الطلاب، وكيفية توجيههم نحو مفاهيم الاعتدال والتسامح.
دور الأجهزة الأمنية
مكافحة التطرف الإلكتروني: تستطيع الأجهزة الأمنية، بالتعاون مع شركات التكنولوجيا، مراقبة الأنشطة المتطرفة عبر الإنترنت، وتعطيل المنصات التي تنشر خطاب الكراهية، والحد من استقطاب الشباب.
التعاون مع المجتمع المحلي: يمكن للأجهزة الأمنية العمل على بناء شراكات مع أفراد المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني لمراقبة الأنشطة المريبة والإبلاغ عنها، مما يساهم في كشف التحركات المشبوهة للتنظيمات المتطرفة قبل تطورها.
دور المؤسسات الدينية
إصلاح الخطاب الديني: التعاون بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية ضروري لإصلاح الخطاب الديني نحو الاعتدال، حيث يتم تقديم تفسير عقلاني للنصوص الدينية يتناسب مع الحياة المعاصرة، مما يساعد في قطع الطريق أمام الأيديولوجيات المتطرفة.
إصدار فتاوى معاصرة: ينبغي على المؤسسات الدينية تقديم فتاوى تعالج القضايا المعاصرة بشكل واضح ومنطقي، مما يقلل من فرص الاستغلال الفكري لبعض المسائل التي تتعلق بالدين.
دور منظمات المجتمع المدني
تنظيم حملات توعية مجتمعية: يمكن لمنظمات المجتمع المدني تنظيم حملات توعوية توضح مخاطر التطرف والعنف، وتروج لقيم التسامح والاعتدال، بحيث تصل إلى كل فئات المجتمع.
تقديم دعم نفسي واجتماعي: توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأسر التي تتعرض لأفرادها للوقوع تحت تأثير الفكر المتطرف يساعد على إعادة دمجهم في المجتمع ويمنع انزلاقهم نحو التطرف.
تمكين الشباب اقتصاديًا واجتماعيًا: يمكن لمنظمات المجتمع المدني لعب دور في دعم الشباب وتوفير فرص عمل أو تطوير مهاراتهم، مما يقلل من فرص استقطابهم من قِبل الجماعات المتطرفة التي تستغل حالات البطالة واليأس.
التعاون الدولي
تبادل المعلومات: مواجهة التطرف تتطلب تعاونًا دوليًا، وتبادل المعلومات بين الدول حول تحركات الجماعات الإرهابية.
التنسيق على مستوى التدريب وتبادل الخبرات: يمكن الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال مكافحة التطرف، من خلال برامج تدريبية وورش عمل للعاملين في المجالات الأمنية والإعلامية والتعليمية.
الخلاصة
تُشكّل مواجهة خطاب "داعش" المتطرف مسؤولية جماعية تتطلب تنسيق جهود مؤسسات الدولة كافة، بما في ذلك الإعلام، المؤسسات التعليمية، الدينية، والأمنية، وكذلك منظمات المجتمع المدني. يجب أن تُبنى هذه الجهود على أسس توعية شاملة، تتناول الفكر المتطرف من جذوره، وتعمل على سد الثغرات التي يستغلها في استقطاب الأفراد، بهدف بناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة كافة أشكال العنف والتطرف.