"المجلة "تكشف خطورة انتشار البيئة الحاضنة "لحزب الله" في كل لبنان
وقال حسام كما أن إرغام سكان قرى جنوب نهر الليطاني إلى تركها وما ينطوي عليه ذلك من نية إسرائيل بالحيلولة دون عودتهم إليها سيتسبب في نشوء تجمعات جديدة للاجئين، في ظل الدمار الواسع الذي ألمّ بالضاحية الجنوبية وسط غياب أي إشارات إلى توفر الأموال حاليا لإعادة الإعمار أو لدفع إيجارات سنوية للاجئين على غرار ما حصل في 2006، عندما تكفل "حزب الله" بتأمين الإيجارات الشهرية لآلاف من الأسر في انتظار إعادة بناء منازلهم من أموال دفعتها الدول العربية بالدرجة الأولى، في الوقت الذي كانت فيه المساعدات العينية والغذائية لا تنقطع.
وفي لبنان، حيث الديموغرافيا هي السياسة، يشكل انتقال أكثر من 1.2 مليون إنسان حدثا لن تتأخر آثاره عن الظهور. التجربة تعلّم أن موجات النزوح والتهجير المستمرة منذ بداية الاعتداءات الإسرائيلية أوائل سبعينات القرن الماضي، ساهمت في زعزعة استقرار لبنان ثم في تفجيره، كما أعاقت تبعاتها مشروع إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب الأهلية.
وجاء في التقرير انه منذ منتصف سبتمبر 2024، عندما وجهت إسرائيل ضربتها الأولى في الحرب الشاملة الدائرة حاليا، من خلال تفجير أجهزة النداء "البيجر" في الآلاف من عناصر "حزب الله"، بدأت أعداد كبيرة من سكان المناطق التي ينتشر فيها "الحزب" بتركها والبحث عن ملاذات أخرى داخل وخارج لبنان.
وانضموا بذلك إلى نحو 100 ألف نسمة كانوا قد غادروا بلداتهم في القرى الأمامية من الجنوب اللبناني عقب إطلاق الحزب ما سماها "حرب الإسناد" لقطاع غزة في الثامن من أكتوبر 2023 غداة شن حركة "حماس" عملية "طوفان الأقصى" التي أدخلت المنطقة في سلسلة من التغيرات الدراماتيكية.
وفي بيانات المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة متابعة للأعداد المتصاعدة من النازحين الذين وصل عددهم إلى 1.2 مليون نسمة في بيان المفوضية الصادر يوم 15 أكتوبر. ويضاف هؤلاء إلى اللاجئين السوريين المقدر عددهم بمليون نسمة والمقيمين في لبنان منذ أكثر من عشرة أعوام ونظرائهم الفلسطينيين، ما يضفي طابعا مأساويا على المشهد العام.
التغيرات الديموغرافية تترافق في لبنان، بسبب ضيق المساحة والاكتظاظ السكاني وندرة الموارد، بتصاعد التوتر الطائفي وخطر تحوله إلى صدامات مسلحة. وليس بسيطا في بلد يعاني منذ خمس سنوات من انهيار اقتصادي كامل انعكست تبعاته على كل وجوه الحياة العامة والخاصة، أن يتحمل كارثة جديدة من وزن موجة اللجوء الأخيرة.
واشار التقرير إلى أن انتقال أعداد كبيرة من اللبنانيين إلى مناطق ذات أكثريات طائفية مختلفة، ليس بالأمر اليسير نظرا إلى إرث كبير من الضغائن والكراهيات غذاه "حزب الله" الذي يحظى بتأييد واسع بين النازحين، على مدى السنوات الماضية.
ومن دون الغوص في تفاصيل الأحداث التي اتخذت منحى تصاعديا بعد حرب يوليو 2006، فإن الأصوات الأكثر تشددا في الطوائف التي اعتبرت نفسها متضررة من تمدد "الحزب" ونفوذه، غالبا ما كانت تؤكد أنها لن تسمح للنازحين الجنوبيين بالإقامة بين ظهرانيهم في حال تكرر تهجيرهم على غرار ما جرى في الحرب السابقة. ذلك أن الكثير من اللبنانيين يربط بين الوجود المسلح لـ"حزب الله" في الجنوب وحتمية اندلاع جولة جديدة من القتال ضد إسرائيل، للأسباب المعروفة والتي فاقمت من حدتها في الأعوام الماضية مقولة "وحدة الساحات".
ومن حسن الحظ، أن التهديدات المذكورة لم تتحقق على أرض الواقع ووجد النازحون أماكن إيواء في أكثر المناطق التي لجأوا إليها، من دون أن يعني ذلك أن الأمر لم يخل من إشكالات ومناوشات وبعض الحوادث. لكنها ظلت أقل مما جرى التهويل به من وصد الأبواب في وجه النازحين من الطائفة الشيعية كنوع من تصفية حسابات قديمة.
وفي عودة إلى سوابق النزوح اللبناني، الداخلي والخارجي، يتعين التذكير بعدد من المفاصل المهمة، منها مثلا أن تَشَكّل ضاحية بيروت الجنوبية كمعقل للقوى السياسية التي انضوى الشيعة فيها، من اليسار اللبناني في سبعينات القرن الماضي إلى حركة "أمل" و"حزب الله"، ما كان ليحصل لولا الحرب الأهلية التي حملت سكان بلدات الضاحية الشرقية والشمالية للعاصمة، والتي كان يصطلح على تسميتها "حزام البؤس"، حملتهم إلى النزوح باتجاه الضاحية الجنوبية، وهم الآتون أصلا إلى الحزام المذكور بحثا عن عمل وسكن بعد تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية ضد قراهم في الجنوب وانعدام فرص العمل في البقاع، وهما المنطقتان الشيعيتان اللتان بنيت مقولة "الحرمان" على ما عانتاه من إهمال رسمي، قبل الدخول الفلسطيني المسلح إلى الجنوب ابتداء من أواخر الستينات.
إن أعداد النازحين المتزايدة منذ أكثر من عام، ضمت بين من ضمت، سوريين سبق أن لجأوا إلى لبنان هربا من الحرب في بلدهم وفلسطينيين طردتهم إسرائيل في 1948 من ديارهم، إضافة– بداهة– إلى المواطنين اللبنانيين وأكثريتهم من الطائفة الشيعية ومن بينهم مسيحيون وسنّة. ومعروف أن الطائفة الشيعية التي تتحمل العبء الأكبر من شقاء النزوح وقسوته، وهي في الوقت ذاته الجسم الذي يحتضن "حزب الله"، الهدف الأول لإسرائيل في هذه الحرب.