صراع الرئاسة في المجلس الأعلى للدولة.. تكالة والمشري ودوامة الانقسام السياسي في ليبيا

الخميس 14/نوفمبر/2024 - 12:02 م
طباعة صراع الرئاسة في المجلس أميرة الشريف
 
الوضع السياسي في ليبيا يشهد تطورات متسارعة، لاسيما مع انتخاب محمد تكالة رئيساً للمجلس الأعلى للدولة، وسط حالة من الجدل حول قانونية هذه الجلسة.
 ويأتي هذا الحدث كمحطة جديدة في الصراع المحتدم بين التيارات السياسية داخل المجلس، ويعكس الأزمة الأوسع التي تعيشها ليبيا منذ سنوات.
الجلسة التي شهدت انتخاب تكالة وُصفت بغير القانونية، إذ شارك فيها 72 عضواً من أصل العدد الكامل، ما يعني غياب أكثر من نصف الأعضاء.
و تنافس على المنصب ثلاثة مرشحين، حيث حصل تكالة على 55 صوتاً، بينما نالت نعيمة الحامي 8 أصوات، وإدريس بوفايد 5 أصوات فقط. ورغم هذه النتيجة، يرى البعض أن الجلسة تفتقر للشرعية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم، ما فتح الباب مجدداً للتساؤلات حول شرعية القيادة الحالية للمجلس الأعلى للدولة، ودوره في الفترة القادمة.
هذا الانتخاب ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من الخلافات بين تكالة وخالد المشري، الرئيس السابق للمجلس، حيث بدأت الأزمة في أغسطس الماضي، حين حصل المشري على 69 صوتاً مقابل 68 لتكالة في انتخابات سابقة، إلا أن النزاع القانوني اشتعل بعد أن زُعم أن أحد الأعضاء كتب اسم تكالة في غير المكان المخصص على ورقة الاقتراع، مما دفع تكالة للطعن في النتيجة.
 وبعد مراجعة القضية، أصدرت المحكمة حكماً لصالح تكالة، مما أجبر المشري على تعليق مهامه مؤقتاً لحين الفصل النهائي.
قرار المشري بالتنحي، وإن كان مؤقتاً، لم يخفف من حدة الصراع، فقد دعا تكالة إلى جلسة جديدة بحد أقصى من الحضور لإعادة انتخاب الرئيس وتنشيط عمل المجلس كهيئة تشريعية تمثل مصلحة الشعب الليبي.
 ويبدو أن هذا الانقسام بين الأعضاء المؤيدين للمشري وتلك التيارات الداعمة لتكالة يزيد من حالة الاستقطاب داخل المجلس، مما قد يقوض قدرته على اتخاذ قرارات فعالة في القضايا المصيرية التي تواجهها البلاد.
ويري مراقبون أن انقسام المجلس الأعلى للدولة بين فريقين متنافسين لا يؤثر فقط على هيكلية السلطة داخل المجلس، بل يعرقل كذلك جهود بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، والتي تسعى جاهدة لدفع الأطراف المختلفة إلى طاولة الحوار.
ومنذ تأسيس البعثة الأممية، وضعت هدفاً أساسيّاً وهو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا، ووضع حد للأزمة المستمرة منذ سقوط النظام السابق، غير أن استمرار حالة الانقسام داخل المجلس الأعلى يُصعّب من مهمة الأمم المتحدة في إطلاق عملية سياسية فاعلة.
ويأتي تجدد الصراع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في وقت حساس للغاية، إذ تواجه ليبيا تحديات أمنية واقتصادية متفاقمة، إضافة إلى انقسامات سياسية بين الشرق والغرب.
 هذه التحديات تجعل من الصعب على أي من المؤسسات السياسية، بما فيها المجلس الأعلى للدولة، تحقيق استقرار مستدام من دون دعم واسع من الأطراف المتصارعة.
وبينما تسعى بعثة الأمم المتحدة إلى إعادة إطلاق الحوار، يُتوقع أن يطرح الانقسام داخل المجلس عقبات إضافية. إذ أن غياب الوحدة في الجسم التشريعي قد يضعف الثقة بين الأطراف الليبية المختلفة، ويؤدي إلى تكريس حالة الجمود السياسي بدلًا من التوصل إلى حلول جديدة.
وفي ظل هذا الواقع، يتزايد الضغط على الأطراف الدولية لممارسة نفوذها لدعم الاستقرار في ليبيا، فالقوى الإقليمية والدولية، التي لها مصالح متباينة في البلاد، قد تؤدي دوراً في توجيه المجلس الأعلى للدولة نحو التوافق، أو على الأقل الحد من الانقسامات الداخلية التي تضر بالمصلحة الوطنية.
و مع ذلك، يُتوقع أن يواجه المجلس تحديات داخلية كبيرة ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات جديدة تضمن تمثيل كافة التيارات السياسية بشكل عادل.
أما على الصعيد المحلي، فإن مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات البارزة قد تضطلع بدور مهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة داخل المجلس، حيث أن دعم هذه المؤسسات لتفعيل حوار مجتمعي يساهم في تعزيز الثقة وبناء جسور التواصل بين التيارات المختلفة قد يكون أساساً لحل الصراع السياسي الحالي.
ما حدث في جلسة انتخاب محمد تكالة رئيساً للمجلس الأعلى للدولة يُعد تطوراً جديداً في سلسلة من الأحداث التي تبرز مدى تعقيد الوضع السياسي في ليبيا، فاستمرار الصراع على القيادة داخل المجلس يعكس واقعاً سياسياً غير مستقر، ويزيد من التحديات التي تواجه البلاد في سبيل تحقيق الاستقرار وبناء دولة قوية.
وبينما تحاول الأطراف السياسية والمحلية إيجاد مخرج من هذه الأزمة، تبقى الآمال معلقة على قدرة الليبيين في تجاوز خلافاتهم والتوصل إلى حلول تصب في مصلحة الشعب وتحقق الاستقرار المنشود.

شارك