بعد مقتل قياديين .. "الجهاد الإسلامي" من مقاومة الاحتلال إلى التورط في النزاع السوري بدعم إيراني

الجمعة 15/نوفمبر/2024 - 12:05 ص
طباعة بعد مقتل قياديين أميرة الشريف
 
في تصعيد عسكري غير مسبوق على الأرض السورية، أسفرت غارة جوية إسرائيلية استهدفت العاصمة دمشق، عن مقتل عدد من القياديين البارزين في حركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى 18 من عناصر الحركة. 
الحادثة تأتي في وقت حساس حيث يشهد الصراع في سوريا والمنطقة تصعيدًا مستمرًا، وتثير تساؤلات حول تداعيات الهجوم على الوضع الإقليمي.
وبحسب المصادر الإعلامية، كان من بين القتلى رسمي أبو عيسى، المسؤول عن العلاقات العربية في حركة الجهاد الإسلامي، الذي قضى في الهجوم، بينما تشير المصادر إلى أن القيادي عبدالعزيز الميناوي لا يزال مصيره مجهولًا، مما يضيف مزيدًا من الغموض حول هوية وأعداد الضحايا من الحركة.
 في هذا السياق، أكد مصدر عسكري سوري وفق وكالة "سانا" أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت عدة مبانٍ سكنية في حي المزة بدمشق، وكذلك في منطقة قدسيا بريف العاصمة، و أسفر عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح، فضلًا عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمناطق المستهدفة.
تأتي الغارة في وقت حساس للغاية، إذ تشهد دمشق تصعيدًا متزايدًا للهجمات الإسرائيلية على مواقع عسكرية في سوريا، وتعتبر حركة الجهاد الإسلامي واحدة من أبرز الفصائل الفلسطينية المدعومة من إيران والتي تمثل جزءًا من هذا التصعيد.
 وتُعد الحركة، التي تأسست في عام 1981، جزءًا من المعادلة المعقدة في النزاع السوري، حيث تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري وتتمتع بدعم قوي من طهران.
وحركة الجهاد الإسلامي هي حركة فلسطينية إسلامية سنية تأسست في نهاية السبعينيات في قطاع غزة، وهي تركز على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتتبنى الفكر الجهادي المتشدد.
وترفض الحركة التفاوض مع إسرائيل وتسعى لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية، وهي قريبة من الفكر والتوجهات العسكرية الإيرانية، كما تدير شبكات واسعة من الأنشطة العسكرية والسياسية في فلسطين وسوريا، حيث يتم دعمها من قبل إيران وحزب الله اللبناني. 
وفي السنوات الأخيرة، توسع نشاط الحركة في سوريا ليشمل العديد من الأنشطة العسكرية، حيث تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري في الحرب الدائرة ضد المعارضة المسلحة.
عقدت الحركة أول مؤتمر لها عام 1992 وأقرت خلاله نظامها الأساسي، وأعلنت أن هدفها "العمل الجماهيري الثوري والجهاد المسلح وتحرير كامل فلسطين من الاحتلال الصهيوني"، حسب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، التي أشارت إلى أن الجهاد الإسلامي لا تعترف بأي اتفاقية أو مشاريع تسوية وتعتبرها باطلة وتحديدا اتفاق أوسلو عام 1993، الذي شكل أبرز نقاط الخلاف بينها وبين حركة فتح.
في عام 1997، صنفتها الولايات المتحدة "منظمة إرهابية"، وأشار تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية في عام 2006 حول الإرهاب، بأنها وعلى عكس فتح وحماس، لا تشارك في أي عمل سياسي، وفق تقرير لمجلس العلاقات الخارجية (CFR) وهو منظمة مستقلة مقرها نيويورك وواشنطن، مشيرا إلى أن الخارجية الأمريكية تؤكد بأن إيران تمول معظم ميزانية "الجهاد الإسلامي"، فيما توفر سوريا ملاذا آمنا للجماعة.

إسرائيل، من جهتها، لا تخفي قلقها من تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، وخاصةً من دعم طهران للجماعات المسلحة والفصائل التي تقاتل ضد القوات الإسرائيلية. 
وبحسب المعلومات الرسمية، فإن الهجوم الإسرائيلي على دمشق جاء في سياق استهداف المواقع التي تشتبه إسرائيل في كونها تحت إدارة الميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي. 
وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت المنطقة تصعيدًا متزايدًا في الهجمات الإسرائيلية على سوريا، حيث تركزت معظم الهجمات على المواقع العسكرية التي تشتبه إسرائيل في استخدامها من قبل الفصائل الموالية لإيران.
وفيما يخص تطورات ما بعد الغارة، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية أن علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني، كان في أحد المباني المستهدفة خلال الهجوم، إلا أنه نجا من محاولة اغتيال بأعجوبة. 
لاريجاني، الذي يعد من الشخصيات البارزة في النظام الإيراني، كان قد وصل إلى دمشق في زيارة رسمية، ويعتقد أنه كان في اجتماعات مع مسؤولين سوريين وإيرانيين حين وقع الهجوم.
ويعكس هذا التطور تنامي الدور الإيراني في سوريا، ويزيد من تعقيد الصورة الإقليمية، حيث تزايد القلق من محاولات إسرائيل تقويض هذا النفوذ.
ومن المتوقع أن تترك هذه الغارة تداعيات كبيرة على الساحة الإقليمية، فإسرائيل لن تتوقف عن تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، بينما من المرجح أن ترد حركة الجهاد الإسلامي، وفصائل أخرى موالية لإيران، عبر تصعيد العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائيلية في مختلف الجبهات.
 السيناريوهات المطروحة تتضمن تصعيدًا عسكريًا واسعًا قد يمتد إلى جبهات أخرى في المنطقة، سواء من خلال هجمات على الأراضي الإسرائيلية أو عبر تجنيد الميليشيات الموالية لطهران في العراق ولبنان للقيام بأعمال انتقامية.
في هذا السياق، يبقى التساؤل الأكبر حول قدرة المجتمع الدولي على احتواء التصعيد قبل أن يتسبب في انفجار واسع النطاق في المنطقة، فالوضع في سوريا يزداد تعقيدًا مع تداخل المصالح الإقليمية والدولية، حيث تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على أمنها عبر منع تعزيز الوجود الإيراني في المنطقة، بينما تسعى إيران وحلفاؤها إلى ترسيخ وجودهم العسكري والسياسي في سوريا لتعزيز قوتهم في مواجهة الضغوط الإسرائيلية.
مما لا شك فيه، أن هذه الغارة الإسرائيلية تزيد من حالة عدم الاستقرار في منطقة تعيش على صفيح ساخن منذ أكثر من عقد من الزمان، وبينما يبدو أن الأطراف المعنية تتجه نحو مزيد من التصعيد، فإن المنطقة مهددة بمزيد من التوترات التي قد تقود إلى نتائج غير مسبوقة على مستوى الأمن الإقليمي والدولي.

شارك