باكستان تحت الحجب.. قمع أمني أم استراتيجية سياسية؟

الأحد 24/نوفمبر/2024 - 01:15 م
طباعة باكستان تحت الحجب.. حسام الحداد
 
علقت باكستان، الأحد، خدمات الهاتف المحمول والإنترنت "في المناطق ذات المخاوف الأمنية" فيما يستعد أنصار رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان للاحتجاج في العاصمة.
ونشرت الحكومة ووزارة الداخلية الإعلان على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" المحظورة في باكستان. ولم يحددا المناطق، ولا المدة التي سيستمر فيها التعليق.
وجاء في المنشورات "ستستمر خدمات الإنترنت والهاتف المحمول في العمل كالمعتاد في بقية أنحاء البلاد". ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من المتحدث باسم وزارة الداخلية.
في هذه الأثناء، أرسلت شركة الاتصالات "ناياتل" رسائل إلكترونية تعرض على عملائها "خدمة هاتف أرضي موثوقة" كحل مؤقت في المناطق التي تعاني من انقطاع خدمة الهاتف المحمول.
لقد أمضى خان أكثر من عام في السجن، وهناك أكثر من 150 قضية جنائية ضده. لكنه لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة، ويقول حزبه السياسي، حركة إنصاف الباكستانية، إن القضايا ذات دوافع سياسية.
ويعتمد أنصاره بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بالإفراج عنه، ويستخدمون منصات المراسلة مثل واتساب لمشاركة المعلومات، بما في ذلك تفاصيل الأحداث.
وقد قامت باكستان بالفعل بإغلاق العاصمة إسلام آباد بحاويات الشحن وأغلقت الطرق الرئيسية والطرق السريعة التي تربط المدينة بمعاقل حزب حركة الإنصاف الباكستانية في مقاطعتي البنجاب وخيبر بختونخوا.
فرضت الحكومة حظراً على منصات التواصل الاجتماعي واستهدفت خدمات VPN، وفقاً لخدمة مراقبة Netblocks. وفي يوم الأحد، قالت مجموعة المناصرة للوصول إلى الإنترنت، Netblocks، إن المقاييس الحية أظهرت أن واجهات WhatsApp الخلفية مقيدة في باكستان، مما يؤثر على مشاركة الوسائط على التطبيق.
أصدرت السفارة الأميركية تنبيها أمنيا للأميركيين في العاصمة، وحثتهم على تجنب التجمعات الكبيرة، وحذرت من أن "حتى التجمعات السلمية يمكن أن تتحول إلى عنف".
وفي الشهر الماضي، أوقفت السلطات خدمة الهاتف المحمول في إسلام آباد وراولبندي لإحباط تظاهرة مؤيدة لخان. وتسبب هذا الإغلاق في تعطيل الاتصالات وأثر على الخدمات اليومية مثل الخدمات المصرفية وخدمات النقل وتوصيل الطعام.
وتأتي هذه الإجراءات الصارمة عشية زيارة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
تُعد قرارات الحكومة الباكستانية بتعليق خدمات الهاتف المحمول والإنترنت في "المناطق ذات المخاوف الأمنية"، بالتزامن مع احتجاجات أنصار رئيس الوزراء السابق عمران خان، خطوة تتجاوز التدابير الأمنية التقليدية نحو قمع مباشر للحريات الأساسية. تأتي هذه الإجراءات في ظل تصاعد التوترات السياسية داخل البلاد، حيث تتداخل الأزمات السياسية مع الأوضاع الأمنية والاقتصادية، مما يثير تساؤلات حول مدى شرعية هذه الخطوات وأثرها على حقوق المواطنين.
التأطير السياسي والقانوني:
من الواضح أن الإجراءات المتخذة من قِبل الحكومة تستند إلى مبررات أمنية، إلا أن غياب الشفافية في تحديد المناطق المتأثرة والمدة الزمنية للتعليق يضع هذه القرارات تحت مجهر النقد. فعلى الرغم من أن القانون الباكستاني يسمح للحكومة بتقييد خدمات الاتصالات في حالات الطوارئ، فإن هذه السلطة غالبًا ما تُستخدم لاستهداف المعارضة السياسية وإسكات الأصوات المناهضة.
قضية عمران خان، الذي يواجه أكثر من 150 قضية جنائية، تُعتبر تجسيدًا لصراع سياسي مستمر بين النخب السياسية والقضائية. يرى الكثيرون أن هذه القضايا ذات دوافع سياسية، خصوصًا في ظل استمرار شعبيته الكبيرة واستناد حزبه إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة رئيسية لحشد التأييد.
الأثر الاجتماعي والاقتصادي:
تسبب تعليق خدمات الاتصالات في تعطيل حياة المواطنين اليومية، وهو أمر لا يمكن تجاهله. الانقطاعات السابقة، مثل تلك التي حدثت في إسلام آباد وراولبندي، أثرت على الخدمات الأساسية كالمصارف، والنقل، وتوصيل الطعام، مما يلقي بظلاله على الاقتصاد المحلي المتدهور بالفعل.
إضافة إلى ذلك، يعتمد المواطنون بشكل كبير على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للتواصل وتنظيم الفعاليات السياسية. لذا، فإن هذه الإجراءات تقوّض الحقوق الرقمية وحرية التعبير، وتؤثر على الثقة بين الحكومة والشعب، مما يعزز الشعور بالقمع ويزيد من حدة الاحتقان السياسي.
التأثير الدولي:
لا يمكن إغفال البُعد الدولي للأزمة، حيث أصدرت السفارة الأميركية تنبيهًا أمنيًا لرعاياها، ما يعكس قلقًا دوليًا من احتمال تدهور الوضع الأمني. هذا التوتر يأتي في وقت حساس بالنسبة للحكومة الباكستانية، خصوصًا مع زيارة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وهو ما قد يُفسَّر كدليل على ضعف سيطرة الحكومة على الأوضاع الداخلية.
التقييم النقدي:
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تعكس توجهًا نحو استغلال الأمن القومي كذريعة لتقييد الحريات، في ظل غياب سياسات تُعالج جذور الأزمة السياسية والاجتماعية. استخدام السلطات للحجب الرقمي يشير إلى ضعفها في مواجهة المعارضة السياسية عبر وسائل مشروعة، مما يزيد من فقدان الثقة بالنظام السياسي ككل.
على المستوى الدولي، هذه الخطوات تعطي صورة سلبية عن باكستان كدولة تُقيد الحريات وتُخفق في تحقيق الاستقرار السياسي. كما أن استهداف خدمات VPN وحجب التطبيقات الشهيرة مثل واتساب يعكس استهدافًا مباشرًا للتواصل الرقمي، الذي يُعد الوسيلة الوحيدة المتاحة للمواطنين للتعبير عن آرائهم ومطالبهم.
الخاتمة والتوصيات:
تُظهر هذه الأزمة ضرورة إعادة النظر في النهج الذي تتبناه الحكومة الباكستانية في التعامل مع المعارضة والأزمات الأمنية. عوضًا عن قمع الحريات، يجب أن تسعى الحكومة إلى حوار شامل مع القوى السياسية المختلفة، والعمل على إصلاح النظام القضائي لتحقيق العدالة بعيدًا عن التسييس.
كما يجب وضع قوانين واضحة تُنظم استخدام السلطات للحجب الرقمي، لضمان حماية حقوق المواطنين وعدم استغلال الأمن كذريعة للقمع. استعادة الثقة بين الشعب والحكومة هي السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق السياسي الذي لا يهدد استقرار باكستان فحسب، بل صورتها الدولية أيضًا.

شارك