بعد وقف اطلاق النار في لبنان: هل تخلى حزب الله عن غزة وحماس؟

الأربعاء 27/نوفمبر/2024 - 07:17 م
طباعة بعد وقف اطلاق النار علي رجب
 
بعد وعد الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، باستمرار القتال حتى وقف العدوان على غزة، تفاجأ الكثيرون بانسحاب الحزب اللبناني من الجبهة الجنوبية، مما يعني أن حركة حماس تجد نفسها الآن في معركة مصيرية بمفردها، دون الدعم العسكري والسياسي الذي كانت تعتمد عليه سابقًا من حزب الله. هذا التحول الاستراتيجي يطرح تساؤلات حول تأثيرات هذا القرار على حركة حماس والوضع في غزة بشكل عام.
تخلي حزب الله عن حماس
في عدة مناسبات، ربط نصر الله في خطاباته بين وقف الهجمات على الأراضي الإسرائيلية ووقف العدوان على غزة، مع تجنب الدخول المباشر في الصراع العسكري. في 8 أكتوبر 2023، أعلن حزب الله عن دعمه لغزة عبر الحدود الجنوبية للبنان، وهو قرار لم يستشر فيه الحكومة اللبنانية، مما أثار تساؤلات حول تأثير ذلك على سيادة الدولة اللبنانية.
 ومع تقدم الأحداث وتزايد الضغوط العسكرية والسياسية على حزب الله، قرر قادة الحزب الانسحاب من هذه المعركة وتخليهم عن دعم حماس، ما يشكل ضربة كبيرة لآمال الأخيرة في توسيع نطاق الصراع ليشمل لبنان كوسيلة للضغط على إسرائيل.
تأثير غياب الدعم عن حماس
غزة الآن تقف بمفردها في مواجهة هجوم عسكري إسرائيلي مكثف، بينما كانت حركة حماس تأمل في أن يؤدي توسع الحرب إلى لبنان في تخفيف الضغط على القطاع. ومع انسحاب حزب الله، تفقد حماس أحد أكبر داعميها العسكريين، ما يجعل وضعها أكثر صعوبة. كما يشير مسؤولون في حماس إلى أن جيش الدفاع الإسرائيلي دمر ما بين 70% إلى 80% من قدرات حزب الله، مما يحد من قدرة لبنان على مساعدة غزة في هذا الصراع.
محاولات الوصول إلى اتفاق
في إطار هذه التحولات، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستعمل على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، بالتعاون مع مصر وتركيا وقطر وإسرائيل ودول أخرى.
 في الوقت نفسه، أبدى نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون فاينر، أملًا في أن يخلق الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله مساحة للتوصل إلى هدنة في غزة، وأن هذا الاتفاق قد يساهم في تقدم المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب.
تحديات وقف إطلاق النار في غزة
لكن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله دون التوصل إلى اتفاق في غزة يمثل تحديًا كبيرًا لحماس، التي كانت تأمل في أن يسهم التصعيد في لبنان في الضغط على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق شامل. وقال مسؤول كبير في حماس: "حماس مستعدة لوقف إطلاق النار في غزة"، وأكد على أن الحركة ترحب بأي فرصة لوقف القتال وتبادل الأسرى.
وفي الضفة الغربية ، رحب عضو اللجنة المركزية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ بالاتفاق في لبنان، قائلا في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "إكس": "نرحب بقرار وقف إطلاق النار في لبنان، ونطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف حربها الإجرامية في قطاع غزة والضفة الغربية، ووقف كل إجراءاتها التصعيدية ضد الشعب الفلسطيني".
 لكن يبقى أن الهدنة بين إسرائيل وحزب الله قد تتيح للجيش الإسرائيلي فرصة للراحة وإعادة التجهيز، مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في غزة، التي تحولت إلى ساحة دمار وقتل مع تدمير بنيتها التحتية وخسائر فادحة في الأرواح.
من جانبها، تسعى إسرائيل منذ بداية الحرب إلى تحقيق هدفها المتمثل في تفكيك حركة حماس، وهو هدف يتناقض مع محاولات التوصل إلى وقف لإطلاق النار. كما تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا داخلية من بعض الحلفاء السياسيين الذين يطالبون بمواصلة العمليات العسكرية حتى النهاية. في الوقت نفسه، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انقسامًا سياسيًا داخليًا، مما يجعل التوصل إلى هدنة طويلة الأمد أمرًا صعبًا سياسيًا في الوقت الحالي.
فشل وحدة الساحات؟
إن التخلي المفاجئ لحزب الله عن غزة وترك حماس تواجه تحدياتها بمفردها يغير من معادلات الصراع في المنطقة. مع غياب الدعم العسكري من لبنان، تجد حركة حماس نفسها في وضع حرج، حيث سيكون عليها الاعتماد على قوتها الذاتية في مواجهة القوات الإسرائيلية. ومع تزايد الضغوط الدولية والإقليمية، تبقى آفاق التوصل إلى وقف لإطلاق
قال المحلل السياسي سميح خلف إن جبهة الإسناد أو "وحدة الساحات" التي كانت موجهة لدعم غزة لم تُؤتِ بثمارها كما كان يُنتظر، مشيرًا إلى أنها لم تخفف الضغط عن القطاع حتى بنسبة 10%. واعتبر خلف أن الوصول إلى اتفاق بين إسرائيل وحزب الله يمثل هزيمة لحلف المقاومة وإيران في المنطقة، مؤكدًا أن غزة، بمقاومتها المشروعة وأهدافها النبيلة، لا ينبغي أن تبكي على موقفها، بل على الذين اعتقدت أنهم حلفاؤها في معركة استراتيجية تخص القدس وفلسطين.
ووجه سميح خلف انتقادًا شديدًا لموقف حزب الله الحالي، معتبرًا أنه يتناقض مع التزاماته السابقة التي عبر عنها الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بشأن القضية الفلسطينية. وقال إن الحزب اللبناني خذل غزة في وقت كانت فيه المعركة مصيرية ووجودية، ما يثير تساؤلات حول صدقية مواقف حزب الله تجاه القضايا العربية والإسلامية.
وأضاف خلف أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحزب الله يخدم مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويعطيه إشارة "النصر" من الجبهة الداخلية الإسرائيلية، رغم معارضة وزراء مثل بن غفير وسموروتيتش، الذين يطمعون في الأراضي اللبنانية. ولفت إلى أن المطلب اللبناني في هذا الاتفاق كان يتمثل في انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة منذ عام 2006.
كما اعتبر خلف أن هذا الاتفاق يمثل هزيمة سياسية لحلف المقاومة ويشكل مبررًا آخر لعدم الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي للدفاعات الجوية الإيرانية، مؤكدًا أن هذا الاتفاق سينعكس سلبًا على المعادلات الداخلية اللبنانية، حيث قد تطالب قطاعات لبنانية بالتنحي عن التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية. وأكد خلف أن جبهة الإسناد لم تكن فعالة في التأثير على مجريات الأحداث في غزة، مشيرًا إلى أن حزب الله، الذي يمتلك صواريخ دقيقة وطويلة المدى، كان بإمكانه توجيه ضربات مؤثرة في الساعات الأولى من الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة، لكنه لم يفعل.
وفي ختام حديثه، تساءل خلف: "بعد هذه الخسارة التي تكبدها حزب الله ولبنان، ماذا حققوا من مكاسب؟"
الأيوبي: "حزب الله باع غزة لصالح بقائه"
من جهته، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني زيد الأيوبي أن الاتفاق الأخير بين إسرائيل وحزب الله يمثل خيانة لغزة وللقضية الفلسطينية بشكل عام، مؤكدًا أن حزب الله قد باع فلسطين وغزة من أجل الحفاظ على مصالحه الخاصة بعد الخسائر الفادحة التي تعرض لها، سواء في غزة أو لبنان.
وفي تصريحات خاصة لـ"بوابة الحركات الإسلامية"، أكد الأيوبي أن حزب الله قد اختار مصالحه الذاتية على حساب دماء الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين الذين سقطوا في المعارك السابقة. وقال الأيوبي إن هذا الموقف يعكس انحرافًا في موقف حزب الله، الذي كان يروج سابقًا لنفسه كداعم رئيسي للقضية الفلسطينية، مما يجعل تحالفاته الحالية موضع تساؤل.
وأضاف الأيوبي أن قرار وقف إطلاق النار جاء بناءً على تعليمات من طهران، من خلال المرشد الإيراني علي خامنئي، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة قد تم اتخاذها في وقت حساس، حيث أحدث فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية ارتباكًا في الحسابات الإيرانية، مما دفعها إلى تعديل مواقفها وتوجهاتها.
واعتبر الأيوبي أن هذا الاتفاق يضع حزب الله في موقف ضعيف، حيث ترك محور إيران، الذي كان من المفترض أن يكون داعمًا رئيسيًا لغزة، إيران وحيدة في مواجهة إسرائيل. وذهب الأيوبي إلى أبعد من ذلك عندما أكد أن "البيع" قد تم من طهران لحركة حماس، التي تجد نفسها الآن وحيدة في الميدان، في وقت تتصاعد فيه التحديات العسكرية والسياسية ضدها.
وختم الأيوبي تصريحه بالقول إن هذا الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله يعد خيانة استراتيجية من قبل الحزب، حيث كان يُعتقد أن حزب الله سيقف إلى جانب غزة في معركتها العادلة، لكنه اختار الحفاظ على مصالحه الخاصة، مما يضع حركة حماس في موقف صعب ويجعل القضية الفلسطينية تواجه تحديات أكبر.

شارك