غزة بين شظايا الحرب وصراع العشائر: اختيارات صعبة لنشطاء حماس في ظل أزمة إنسانية خانقة

الأربعاء 04/ديسمبر/2024 - 05:10 م
طباعة غزة بين شظايا الحرب علي رجب
 

تشهد غزة في الآونة الأخيرة ظاهرة غير مسبوقة تتمثل في تخلي العديد من نشطاء حركة حماس عن وفائهم للحركة، في محاولة يائسة لإنقاذ عائلاتهم من مأساة الجوع والمعاناة التي يعيشونها بسبب الظروف الاقتصادية القاسية والحصار المفروض على القطاع.

 

 بالإضافة إلى ذلك، تزايدت وتيرة الصراع بين العشائر المسلحة وحركة حماس خلال الفترة الأخيرة، حيث يسعى كلا الطرفين إلى فرض سيطرته على زمام الأمور، مما يزيد الوضع تعقيدًا بالنسبة للسكان العاديين في غزة. هؤلاء السكان الذين يعانون من حرب إسرائيلية لا تنتهي، وافتقارهم إلى أبسط مقومات الحياة من مأكل ومشرب ورعاية صحية.

 

ظاهرة التخلي عن الحركة

 

في ظل تصاعد الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، يجد العديد من المقاومين أنفسهم أمام قرار صعب، يتمثل في الاختيار بين التمسك بمواقفهم داخل الحركة أو الانضمام إلى عائلاتهم وتوفير الحماية والرعاية لهم.

و مع حلول فصل الشتاء، يتفاقم الوضع في غزة حيث يعاني السكان من البرد القارس إلى جانب انعدام الغذاء والمياه، وهو ما دفع العديد من النشطاء إلى ترك مواقعهم في الحركة وتفضيل مصلحة عائلاتهم.

وقد عبر البعض عن هذا القرار المؤلم بالقول: "عندما أُجبرت على الاختيار بين عائلتي والحركة، طبعا فضلت العائلة"، في إشارة إلى حجم المعاناة والمأساة التي يعاني منها المواطنون في غزة.

 

المفاوضات بين حماس وإسرائيل

 

وفي السياق السياسي، أُفيد في بعض التقارير أن المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل قد شهدت بعض التقدم في الفترة الأخيرة، ما دفع مسؤولين إسرائيليين إلى إظهار التفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة مع حماس. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه المفاوضات ستؤدي إلى نهاية الحرب أم أنها مجرد خطوة تمهيدية نحو ذلك. ورغم هذا التفاؤل، تظل الحلول العاجلة لتخفيف معاناة المواطنين في القطاع بعيدة المنال، حيث أن الكثير من الأزمات الإنسانية ما تزال تراوح مكانها.

 

تصاعد الصراع بين العشائر وحماس

ويبدو أن بعض العشائر تسعى الآن إلى انتزاع حكم غزة من قبضة حماس، حتى وإن كان وجودها على الأرض محدودًا، فقد تسعى للحصول على دعم أمني من الخارج، بالإضافة إلى مساعدة دولية في إعادة الإعمار والبحث عن تسوية سلمية طويلة الأجل. هذه العشائر تأمل في إيجاد حلول تساعد في توفير الأمن والسلام لسكان غزة، بعيدًا عن حرب الإبادة المستمرة والتهجير القسري الذي يعاني منه أهل القطاع.

وخلال الأشهر الماضية تحول العديد من العشائر إلى "بدائل" للأحزاب السياسية. فقد أفرز حكم حماس للقطاع العديد من المشاكل، حيث كانت بعض العائلات تتمتع بنفوذ كبير قبل سيطرة الحركة، كما أن هناك عائلات معروفة بمعارضتها للحركة، مثل عائلة دغمش في مدينة غزة. ورغم أن العشائر ليس لها موقف سياسي موحد تجاه حماس، إلا أن العديد من العائلات المؤثرة في القطاع تعبر عن تحفظاتها على حكم الحركة.

غزة اليوم تعيش حالة من الفوضى والتشظي بين الحركة الإسلامية والعشائر المسلحة، في وقت يعاني فيه المواطنون من أسوأ ظروف إنسانية قد تكون مرّت عليهم في تاريخهم الحديث. إذ يجد العديد من النشطاء أنفسهم في مواجهة قرارٍ صعب بين التمسك بحركتهم أو إنقاذ عائلاتهم من الجوع والموت. ومع تصاعد الأزمات السياسية والإنسانية، يظل الأمل في إيجاد حل طويل الأمد بعيدًا، في ظل الوضع الراهن الذي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.

الأزمة الإنسانية في غزة

فيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة، ما يزال أهالي القطاع يدفعون ثمن الحرب بشكل يومي، حيث يعانون من القصف المستمر من قبل إسرائيل، بالإضافة إلى الإبادة التي يمارسها الاحتلال ضدهم. يعيش العديد من الفلسطينيين في غزة تحت ظروف مأساوية، حيث لا يجدون ملاذًا آمنًا بعيدًا عن عنف الاحتلال.

إن القصف المستمر على غزة أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين وتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل، مما جعل من المستحيل على السكان الحصول على احتياجاتهم الأساسية. كما أن فصل الشتاء يزيد من تعقيد الوضع، حيث يعاني المواطنون من البرد القارس، وتُضاف معاناتهم بسبب نقص المواد الغذائية والمياه والوقود.

وفي السياق ذاته، أوقفت العديد من المنظمات الإنسانية الدولية مثل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وبرنامج الأغذية العالمي، ومؤسسة المطبخ المركزي العالمي عملياتها في قطاع غزة بسبب تصاعد العنف والتهديدات الأمنية.

 فقد تعرضت تلك المنظمات لاستهداف إسرائيلي مباشر أو لممارسات سرقة منظمة من قبل العصابات المسلحة التي تعمل في ظل غياب شبه كامل للأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس في بعض المناطق. هذا الوضع جعل قدرة هذه المنظمات على تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية للمواطنين غاية في الصعوبة.

 

وفي ظل هذا الواقع، يواصل الاحتلال الإسرائيلي تجويع نحو 2.4 مليون نسمة من سكان غزة في إطار سياسة الضغط على الفصائل الفلسطينية لتقديم تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار. وتبقى المساعدات الإنسانية العالقة عند معبر رفح أو على الجانب الإسرائيلي، محكومة بالقيود التي تفرضها السلطات الاحتلالية، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.

وتفاقمت الظروف الصحية في قطاع غزة بشكل كبير، حيث يعاني الأطفال والنساء من سوء التغذية الحاد، في وقت تشير التقارير إلى تسجيل أعلى نسبة من الأطفال الذين يعانون من الأمراض في العالم. فقد أكدت نائب الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، أن حوالي 90 ألف طفل غزي يعانون من سوء التغذية والأمراض والأوبئة، وهي أرقام مرشحة للزيادة في ظل استمرار الحرب وانقطاع المساعدات. في الوقت نفسه، يعاني أكثر من 17 ألف امرأة حامل في القطاع من ظروف صعبة تشبه المجاعة، في حين يعيش حوالي 11 ألف امرأة حامل في وضعية حرجة للغاية.

وتواجه المؤسسات الصحية في غزة صعوبة كبيرة في تقديم خدمات الرعاية الصحية للمرضى والجرحى بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة مع تواصل الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات الطبية اللازمة.

 

أزمة المياه والطاقة

تعد أزمة المياه والطاقة من أكبر التحديات التي تواجه سكان غزة في ظل الحرب المستمرة. فقد دمرت الحرب الإسرائيلية نحو 80% من مرافق المياه في القطاع، مما أدى إلى نقص حاد في توفر المياه الصالحة للشرب. بحسب سلطة المياه في غزة، فإن المياه لا تصل إلى الحد الأدنى الموصى به عالميا، حيث لا يحصل الفرد على أكثر من 15 لتر من المياه يوميا، وهو ما لا يلبي احتياجات الحياة الأساسية.

وفيما يخص الطاقة، فقد توقفت العديد من مركبات الدفاع المدني في قطاع غزة عن العمل بسبب نفاد الوقود، مما جعل القدرة على التعامل مع الحوادث والحرائق شبه معدومة في بعض المناطق.

في الوقت الذي تزداد فيه معاناة السكان في غزة بسبب الحرب والحصار الإسرائيلي، يتفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق. وبينما يتخلى بعض نشطاء حماس عن التزاماتهم في الحركة لإنقاذ عائلاتهم، يبقى سكان غزة في انتظار حلول عاجلة للتخفيف من معاناتهم المزدوجة جراء الحرب المستمرة وتدهور الأوضاع الإنسانية.

شارك