مستقبل سوريا بعد بشار الأسد.. السيناريوهات المحتملة
الإثنين 09/ديسمبر/2024 - 02:01 ص
طباعة
حسام الحداد
خلال السنوات الأخيرة، شهدت سوريا تحولًا جذريًا في مشهدها السياسي والاجتماعي، مع تصاعد الصراع الداخلي وتزايد الانقسامات التي أدت إلى دخول جماعات متطرفة على الخط. في هذه الحلقة، سنناقش التأثيرات المحلية والإقليمية والدولية لهذا الواقع، وكيف يمكن أن تشكل سوريا نقطة انطلاق لتهديدات أمنية واسعة النطاق.
على الصعيد المحلي سوف تواجه سوريا حالة انهيار لمؤسسات الدولة، و الفوضى التامة، مع تفكك الجيش والقضاء والخدمات العامة. هذه الفوضى لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تمتد لتشمل كافة جوانب الحياة اليومية للسوريين. ومع غياب الحكومة المركزية، تصبح الدولة ساحة مفتوحة للصراعات والانتهاكات.
الجماعات الارهابية والمسلحة، رغم توحدها الظاهري في مواجهة النظام، ليست كيانًا متجانسًا. بل هي مزيج من الفصائل ذات الأيديولوجيات والمصالح المختلفة، مما يفتح الباب أمام مواجهات داخلية قد تكون أشد ضراوة من الصراع الأساسي. وفي ظل هذه التوترات، يدفع المواطن السوري الثمن الأكبر، مع تصاعد أزمة النازحين داخليًا وخارجيًا.
من جهة أخرى، يشكل صعود الجماعات المتطرفة تهديدًا حقيقيًا للنسيج الاجتماعي والثقافي في سوريا. مع سيطرتها، قد تُفرض أيديولوجيات صارمة تقمع الحريات الفردية، وتفرض واقعًا جديدًا على السكان الذين يعانون أصلاً من تبعات الحرب.
على الصعيد الإقليمي:
1. استخدام سوريا كقاعدة لتهديد أمن المنطقة:
سقوط سوريا في يد الجماعات المسلحة يفتح الباب أمام استغلالها كقاعدة انطلاق لشن هجمات أو تهريب أسلحة ومقاتلين إلى الدول المجاورة. قرب سوريا من العراق ولبنان والأردن ويجعلها مركزًا محوريًا للأنشطة غير القانونية التي تهدد الأمن الإقليمي. الجماعات المسلحة، وخاصة المتطرفة منها، قد تسعى إلى توسيع نفوذها عبر الحدود، مستغلة الفراغ الأمني في سوريا. هذا الوضع قد يؤدي إلى تصعيد الصراعات المسلحة في المنطقة وزعزعة استقرار الأنظمة السياسية المجاورة، خاصة في الدول التي تعاني بالفعل من تحديات أمنية داخلية.
تدخلات القوى الإقليمية لتحقيق مصالحها:
في ظل الفوضى، قد تسعى قوى إقليمية مثل إيران وتركيا وإسرائيل إلى استغلال الوضع لتعزيز مصالحها. إيران قد تستمر في دعم فصائل معينة لضمان استمرار نفوذها في سوريا، وربما تعزيز وجودها العسكري كجزء من استراتيجيتها الإقليمية. من جهة أخرى، قد تقوم تركيا بتوسيع عملياتها العسكرية في الشمال السوري بحجة حماية أمنها القومي ومواجهة الجماعات الكردية المسلحة. أما إسرائيل، فقد تستغل الفوضى لضرب مواقع تعتبرها تهديدًا لأمنها، سواء كانت تابعة لإيران أو لجماعات أخرى، ما قد يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
تأثير سقوط سوريا على استقرار دول الجوار:
سقوط سوريا في يد الجماعات المسلحة يشكل مصدر إلهام وتشجيع للجماعات المتطرفة في المنطقة، مما قد يدفعها لمحاولة زعزعة استقرار الأنظمة السياسية في دول الجوار. الأردن ولبنان، اللذان يعانيان من ضغوط اقتصادية وأمنية، قد يجدان أنفسهما أمام تحديات جديدة بسبب تدفق اللاجئين وتصاعد الأنشطة الإرهابية. العراق، الذي يعاني أصلاً من آثار صراعات داخلية، قد يكون عرضة لاختراق الحدود من قبل الجماعات المسلحة. أما تركيا، فقد تواجه تصاعدًا في التهديدات الأمنية على حدودها، مما يزيد من تعقيد أزماتها الداخلية والخارجية. هذا التداخل الإقليمي يجعل من الأزمة السورية قضية ذات أبعاد تتجاوز حدودها الجغرافية.
على الصعيد الدولي:
سوريا كقاعدة للإرهاب العابر للحدود:
في حال سيطرة الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمات متطرفة مثل القاعدة أو داعش، يمكن أن تصبح سوريا مركزًا لتخطيط وتنفيذ هجمات تهدد الأمن الدولي. ضعف الرقابة على الحدود السورية يجعل من السهل تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى مختلف أنحاء العالم، ما يزيد من احتمالية تنفيذ هجمات إرهابية في أوروبا، آسيا، وحتى أميركا الشمالية. استخدام سوريا كقاعدة للعمليات الإرهابية سيمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا للمجتمع الدولي، ويستدعي استجابات متعددة الأطراف، من خلال التدخل العسكري أو التعاون الاستخباراتي.
أزمة اللاجئين وتداعياتها العالمية:
تفاقم الصراع في سوريا سيدفع أعدادًا متزايدة من السوريين إلى الهجرة واللجوء إلى دول أخرى، خاصة في أوروبا. هذا التدفق الهائل يشكل ضغطًا على الدول المضيفة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضًا الاجتماعية والسياسية. دول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، قد تواجه انقسامات داخلية حول كيفية التعامل مع اللاجئين، مما قد يؤدي إلى تصاعد النزعات الشعبوية واليمينية. من جهة أخرى، تأثير أزمة اللاجئين يمتد إلى دول أخرى في الشرق الأوسط وآسيا، مما يعمق الأزمات الإنسانية ويزيد من حدة التوترات الإقليمية والدولية.
تحديات القوى الكبرى في التعامل مع الفوضى:
سيطرة الجماعات المسلحة في سوريا ستشكل معضلة كبرى للقوى الدولية مثل روسيا والولايات المتحدة. روسيا، التي استثمرت عسكريًا وسياسيًا في دعم النظام السوري، قد تجد نفسها في مواجهة خطر فقدان نفوذها الإقليمي، مما قد يدفعها إلى مضاعفة تدخلها العسكري في بيئة شديدة الفوضى. في المقابل، الولايات المتحدة وحلفاؤها سيواجهون صعوبة في وضع استراتيجيات فعالة لمحاربة الإرهاب ومنع انهيار الأوضاع بشكل أكبر. هذا التوتر بين القوى الكبرى قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلًا من حلها، خاصة إذا تداخلت المصالح بشكل يعوق التوصل إلى حلول سياسية شاملة.
السيناريوهات المستقبلية:
حروب استنزاف طويلة الأمد:
استمرار القتال بين الفصائل المسلحة في سوريا قد يدخل البلاد في دوامة من حروب الاستنزاف التي تمتد لسنوات، حيث تسعى كل فصيل إلى فرض سيطرته على أكبر قدر ممكن من الأراضي والموارد. هذه الحروب لا تقتصر على المواجهات العسكرية المباشرة، بل تشمل أيضاً حرباً على النفوذ والأيديولوجيا. في ظل غياب أي قوة مركزية قادرة على فرض النظام، قد تتحول البلاد إلى ساحة مفتوحة للصراعات التي تستنزف مواردها البشرية والطبيعية. هذا السيناريو سيؤدي إلى معاناة طويلة الأمد للشعب السوري، مع تدهور مستمر في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
ظهور سلطات أمر واقع وتقسيم البلاد فعليًا:
مع تعمق الصراع، قد تتجزأ سوريا إلى مناطق تخضع لسيطرة سلطات أمر واقع، سواء كانت جماعات مسلحة، أو قوى محلية مدعومة من أطراف إقليمية ودولية. هذه المناطق قد تتخذ أشكالًا أشبه بدويلات صغيرة، لكل منها نظامها الخاص وإدارتها المستقلة، مما يؤدي إلى فقدان الهوية الوطنية الموحدة. على سبيل المثال، قد تسيطر فصائل معينة على المناطق الريفية، بينما تتركز أخرى في المناطق الحضرية أو الحدودية. هذا الوضع سيُعقّد أي جهود مستقبلية لإعادة توحيد البلاد، مع ترسيخ واقع التقسيم الفعلي على الأرض.
محاولات دولية معقدة للتهدئة:
في ظل استمرار الأزمة، قد تظهر مبادرات دولية جديدة تهدف إلى التهدئة وفرض تسوية سياسية. ومع ذلك، ستواجه هذه المحاولات تحديات هائلة بسبب تعدد الأطراف المتدخلة والمصالح المتضاربة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين. الأمم المتحدة قد تسعى لتشكيل طاولات حوار تضم جميع الأطراف، لكن غياب الثقة المتبادلة وطبيعة الصراعات المحلية قد تجعل تحقيق توافق أمراً صعباً للغاية. حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فإن تطبيقه على الأرض قد يصطدم بواقع الانقسامات والنفوذ المتشابك.
تكرار سيناريو أفغانستان:
سوريا قد تواجه خطر التحول إلى "ملاذ آمن" للجماعات الإرهابية، ما يعيد إلى الأذهان سيناريو أفغانستان في الثمانينات والتسعينات. البيئة غير المستقرة، والفراغ الأمني، ووجود جماعات متطرفة بالفعل يجعلها أرضاً خصبة لنمو الإرهاب العابر للحدود. هذه الجماعات قد تستغل الوضع لاستقطاب مقاتلين جدد، وتوسيع شبكاتها العالمية، مما يشكل تهديداً للأمن الدولي. كما أن التدخلات الدولية المحتملة قد تزيد من تعقيد الوضع، تماماً كما حدث في أفغانستان، مما يجعل الحل السياسي أكثر صعوبة. هذا السيناريو يعزز المخاوف من تحول سوريا إلى مركز جديد لتصدير العنف والفوضى.