الماشية.. شريان الحياة لبوكو حرام في بحيرة تشاد
الثلاثاء 17/ديسمبر/2024 - 11:59 م
طباعة
حسام الحداد
ترتبط سرقة الماشية عبر الوطنية ــ السرقة القسرية للماشية في أفريقيا، لتحقيق مكاسب تجارية غير مشروعة ــ بشكل متزايد بالجماعات الإجرامية المنظمة والإرهابية. وهي مصدر للتمويل غير المشروع، وشكل من أشكال الحكم القسري للسكان المحليين، ووسيلة لممارسة الهيمنة. وتُباع الماشية المسروقة لتمويل شراء الأسلحة والإمدادات وتجنيد المقاتلين.
لقد تزايدت عمليات السرقة من حيث الحجم والعنف. وعندما يتم ارتكابها عبر الحدود الوطنية من قبل جهات مثل جماعة بوكو حرام، فإنها توضح العلاقة بين الإرهاب والجريمة في حوض بحيرة تشاد.
وقد حدد تقييم حديث أجرته منظمة ENACT ولجنة رؤساء الشرطة في جمهورية أفريقيا الوسطى (CAPCCO) سرقة الماشية باعتبارها جريمة ذات أولوية تؤثر على المنطقة.
وهذا مدعوم بمعلومات مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة (ACLED)، والتي تظهر أن حوادث سرقة الماشية التي ارتكبتها جماعة بوكو حرام في المناطق الحدودية في الكاميرون وتشاد ارتفعت من حالتين في عام 2015 إلى 131 حالة بحلول أغسطس 2024. وقد وقعت 390 حادثة و146 حالة وفاة خلال هذه الفترة. وتعتمد هذه البيانات على تقارير الجماعات المحلية ووسائل الإعلام، وربما لم يتم تسجيل العديد من الحوادث.
تلعب بحيرة تشاد ونهر لوجون ونهر شاري والمناطق المحيطة بها دوراً حاسماً في تشكيل ديناميكيات سرقة الماشية في المنطقة بسبب توافر المياه والمراعي. وتعتبر هذه المناطق بمثابة مغناطيس طبيعي لمجتمعات الرعاة، وخاصة خلال مواسم الجفاف عندما تواجه مناطق أخرى ندرة المياه.
في كثير من الأحيان يقوم الرعاة بنقل قطعانهم إلى هذه الوديان الخصبة أثناء الترحال الموسمي لاستخدام أراضي الرعي الغنية.
إن هذه الحركة المتوقعة وتركيز الرعاة والماشية في منطقة محددة يزيد من فرص سارقي الماشية في التخطيط للمداهمات وتنفيذها واستهداف أعداد أكبر من الحيوانات في غارة واحدة. كما توفر التضاريس المستنقعية في الحوض والمناطق التي يصعب مراقبتها ملاذًا للجماعات الإجرامية للعمل.
وقد توصلت أبحاث ميدانية حديثة أجرتها منظمة ENACT إلى أن جماعة بوكو حرام لعبت دوراً بارزاً في أنشطة سرقة الماشية في المناطق الحدودية المشتركة بين تشاد والكاميرون بسبب قرب هذه المنطقة من قاعدة الجماعة. وتُعَد سرقة الماشية أحد أنشطتها الرئيسية المدرة للدخل، وأصبحت جزءاً أساسياً من استراتيجيتها الشاملة لدعم قدراتها العملياتية.
وقال خبير من جامعة ماروا في الكاميرون: "إن سرقة الماشية تشكل مصدراً رئيسياً لتمويل الجماعات المسلحة. فإذا قلنا على سبيل المثال إن قيمة البقرة الواحدة 200 ألف فرنك أفريقي، فإن المجموعة التي سرقت 25 ألف رأس من الماشية ستجمع خلال فترة قصيرة خمسة مليارات فرنك أفريقي".
وفي المناطق التي رسخت فيها جماعة بوكو حرام سيطرتها أو نفوذها بشكل كبير، فإنها تستخدم سرقة الماشية كوسيلة لممارسة الهيمنة على السكان المحليين من خلال استراتيجيات مترابطة.
وتتضمن الطريقة الأولى شن غارات عنيفة مباشرة على المجتمعات، عندما تُسرق الماشية أو يُختطف الماشية والرعاة. ويطالب المسلحون بفدية مقابل إعادة الماشية. ويؤثر هذا النهج على المجتمعات اقتصادياً، إذ يضطرها إما إلى الخضوع لمطالب بوكو حرام أو دفع رسوم الحماية لتجنب المزيد من الهجمات، كما قال وزير سابق في نجامينا وحاكم إقليمي.
وتتضمن الطريقة الثانية فرض ضريبة غير قانونية على الماشية على المجتمعات الرعوية. وقال الجزارون في بونجور بتشاد لـ ENACT: "لقد أنشأت بوكو حرام نظامًا للضرائب. ويقولون إن كل راعي يجب أن يدفع مبلغًا معينًا من المال. وإذا رفض الرعاة دفع هذه الضريبة، فإنهم يقتلونهم ويستولون على الماشية. ثم يعطونها لشخص آخر ليبيعها".
إن البعد الجديد الذي أضافته جماعة بوكو حرام إلى أسلوب عملها هو ما يسمى "التنقل ذهاباً وإياباً بين الماشية". ويستغل هذا التكتيك لسرقة الماشية أوجه القصور في الأنظمة القانونية والسوقية، وبالتالي يستفيد سارقو الماشية من الماشية المسروقة من خلال ممارسات استراتيجية وخادعة. وعادة ما يسرق سارقو الماشية الماشية من مجتمعات بعينها، وغالباً ما ينفذون غارات في مناطق ذات أمن ضعيف، حيث الرعي هو مصدر الرزق السائد.
وللتهرب من تطبيق القانون، ينقلون الماشية المسروقة إلى أماكن بعيدة، ويعبرون الحدود بين الولايات بشكل متكرر حيث تعوق السلطات عملية التعقب بشكل كبير. وقال مسؤول عسكري كاميروني: "في بعض الأحيان يأخذون تلك الماشية ويذهبون إلى نيجيريا لمبادلتها بماشية أخرى حتى لا يتم التعرف عليهم. ثم يعيدونها إلى سوق الماشية في الكاميرون".
وقال حاكم الإقليم السابق إن الماشية المسروقة يتم نقلها في الغالب إلى نيجيريا باعتبارها أكبر سوق للماشية في المنطقة. ويبيع سارقو الماشية المسروقة في الأسواق المحلية والإقليمية أو للمشترين غير المنتبهين. ويتم خلط هذه الماشية بالماشية المكتسبة بشكل قانوني وبيعها بأسعار سائدة، في كثير من الأحيان من خلال شبكات تجارية غير رسمية.
وقال خبير جامعي لشبكة ENACT: "إن بيع الماشية لشراء الأسلحة والإمدادات وتجنيد المقاتلين يخلق علاقة تكافلية بين سرقة الماشية والتمردات". وهناك العديد من الفرص في هذه المنطقة الحدودية الثلاثية لمعالجة هذا النشاط الإجرامي المنظم المعقد.
ومن خلال تحسين التدابير الأمنية القائمة، يمكن للدولة وقوات الأمن وقوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات والمجتمعات الرعوية وضع استراتيجية شاملة للحد من سرقة الماشية وتعزيز الاستقرار والأمن الاقتصادي في المنطقة.
يمكن لقوات الأمن وقوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات العمل مع المجتمعات المحلية لتطوير أنظمة الإنذار المبكر التي تستخدم المعرفة التقليدية والتقنيات الحديثة (مثل تنبيهات الهاتف المحمول أو الراديو المجتمعي) للإبلاغ بسرعة عن سرقة الماشية أو الحركات المشبوهة.
تستطيع قوات الأمن إنشاء وحدات متخصصة في الشرطة والجيش تركز على سرقة الماشية. وبفضل تكنولوجيا التتبع الحديثة والطائرات بدون طيار والمراقبة عبر الأقمار الصناعية، تستطيع هذه الوحدات مراقبة تحركات الماشية عبر الحدود وإلقاء القبض على الجناة في المناطق النائية.
إن المجتمعات الرعوية قادرة على تنظيم مجموعات قانونية قائمة على المجتمع المحلي ومعترف بها رسمياً من قبل الدولة. وينبغي لهذه المجموعات أن تتلقى التدريب المناسب على استخدام العمل العسكري الحركي والأساليب غير القاتلة لاستعادة الماشية المسروقة ومنع سرقة الماشية. ولابد وأن تضمن آليات الرقابة الكافية عملها ضمن الأطر القانونية.
يمكن للشركاء الدوليين في التنمية توفير التكنولوجيا المتقدمة مثل أطواق التتبع بنظام تحديد المواقع العالمي للماشية، ومراقبة الطائرات بدون طيار وأنظمة التسجيل الرقمية. وسوف تساعد هذه التكنولوجيا قوات الأمن والمجتمعات المحلية في تتبع تحركات الماشية ومنع السرقة.
وفي حين أن اتفاقية التعاون بين رؤساء الشرطة في شرق أفريقيا ومنظمة التعاون بين رؤساء الشرطة في أفريقيا من شأنها أن توفر التعاون في مكافحة الجريمة عبر الحدود وتعزيز الأمن الإقليمي، فإن بروتوكول ميفوغو يتناول على وجه التحديد التعاون الإقليمي في معالجة سرقة الماشية عبر الحدود.
وتوفر هذه الأطر للسلطات في البلدان المتضررة استراتيجية لمواجهة التحديات المشتركة بشكل فعال مع تعزيز السلام والأمن والتنمية