السويد تربط وقف تمويل الأونروا بمزاعم الإرهاب.. تداعيات إنسانية وصراع سياسي
الثلاثاء 24/ديسمبر/2024 - 11:38 ص
طباعة

أعلنت السويد مؤخرًا في خطوة مفاجئة، وقف تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، موجهة تلك الأموال بدلًا من ذلك إلى قطاع غزة عبر قنوات أخرى.
وقد أثار هذا القرار ردود فعل متباينة على المستوى الدولي، بين استياء منظمات دولية واستحسان إسرائيلي واضح.
يأتي القرار السويدي في وقت تواجه فيه الأونروا أزمة مالية غير مسبوقة، نتيجة تراجع التمويل الدولي ووقف الدعم من عدة دول رئيسية.
وزير المساعدات والإغاثة السويدي بنيامين دوسا صرّح بأن القرار جاء على خلفية التعقيدات التي تسببها القيود الإسرائيلية المفروضة على أنشطة الأونروا في غزة، والتي تجعل إيصال المساعدات من خلالها أكثر صعوبة.
وأوضح دوسا أن بلاده ستعتمد قنوات بديلة لضمان وصول الدعم الإنساني للفلسطينيين، مشيرًا إلى أن برنامج الغذاء العالمي قد يكون من بين الجهات التي ستتلقى هذا الدعم.
لم تكن السويد الدولة الوحيدة التي اتخذت هذا المسار؛ فقد انضمت إلى قائمة دول أخرى قلصت أو أوقفت تمويلها للأونروا خلال السنوات الأخيرة.
تأتي الولايات المتحدة في مقدمة هذه الدول، حيث اتخذت قرارًا في عام 2018 بوقف تمويلها للوكالة بالكامل، متذرعة بمزاعم عن سوء إدارة واتهامات بغياب الشفافية.
كما تبعتها دول مثل هولندا وسويسرا التي علقت تمويلها لفترات معينة بسبب تحقيقات حول شبهات فساد داخلي في الأونروا.
كذلك، أعلنت كندا تقليص مساعداتها بشكل كبير، بينما أعربت أستراليا عن نيتها إعادة النظر في تمويلها، خصوصًا في ظل تصاعد الضغوط السياسية الداخلية والخارجية عليها لمراجعة سياساتها تجاه الوكالة.
إسرائيل لعبت دورًا رئيسيًا في الضغط على الدول المانحة لإعادة النظر في دعمها للأونروا، حيث شنت حملة إعلامية ودبلوماسية مكثفة تستهدف تشويه سمعة الوكالة.
فقد اتهمت تل أبيب الأونروا بالتحول إلى أداة تدعم ما وصفته بـ"الإرهاب"، مشيرة إلى أن بعض موظفي الوكالة على صلة بتنظيمات فلسطينية، كما ادعت أن منشآت الأونروا تُستخدم كمخابئ للأسلحة ومراكز للتخطيط للهجمات، وهي اتهامات نفتها الوكالة مرارًا.
في هذا السياق، صرح وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي تشيكلي بأن "الأونروا فقدت شرعيتها"، معتبرًا أن القرار السويدي يعكس تحولًا إيجابيًا في المواقف الدولية تجاه الوكالة.
وأضافت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شارين هاسكل شكرها للسويد، معتبرة أن هناك بدائل "أكثر فعالية" لتقديم المساعدات الإنسانية.
من جانبه، وصف المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني القرار السويدي بأنه "مخيب للآمال"، مشيرًا إلى أنه جاء في توقيت حرج بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.
وأضاف أن مثل هذه القرارات تؤثر بشكل مباشر على الخدمات الأساسية التي تقدمها الوكالة لملايين اللاجئين، بما في ذلك التعليم والصحة.
وأوضح لازاريني أن وقف التمويل يهدد حرمان مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين من حقهم في التعليم، ويقوض عقودًا من الاستثمار في التنمية البشرية.
وتواجه الأونروا عجزًا ماليًا حادًا يقدر بمئات الملايين من الدولارات، ما دفعها إلى تقليص خدماتها بشكل كبير.
ويؤثر هذا العجز على أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يعتمدون على الوكالة في مناطق عملها الخمس، وهي قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان، وسوريا.
في الوقت ذاته، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا مشروع قرار قدمته النرويج يدعو إلى طلب رأي قانوني من محكمة العدل الدولية بشأن التشريعات الإسرائيلية التي تستهدف إنهاء عمل الأونروا.
وينص التشريع الإسرائيلي الذي أقره الكنيست على منع أنشطة الوكالة داخل إسرائيل والقدس الشرقية، بالإضافة إلى حظر أي تعاون معها.
ويعتبر هذا التشريع جزءًا من حملة إسرائيلية أوسع لتقييد عمل الأونروا وتشويه سمعتها دوليًا.
ورغم الضغوط المتزايدة، أظهرت بعض الدول دعمًا للأونروا، حيث صوّتت أغلبية أعضاء الجمعية العامة لصالح استمرار تمويلها.
كما دعت منظمات حقوقية ودولية إلى ضرورة الحفاظ على الوكالة كجزء أساسي من نظام الحماية الدولية للاجئين الفلسطينيين.
القرار السويدي والتوجهات المشابهة من دول أخرى يثير مخاوف كبيرة بشأن مصير اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة والضفة الغربية ومخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا.
ويُنظر إلى الأونروا على أنها شريان حياة أساسي يوفر الدعم الغذائي والتعليم والخدمات الصحية لملايين اللاجئين الذين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة.
و يعكس تراجع الدعم الدولي للأونروا واقعًا معقدًا يعاني فيه اللاجئون الفلسطينيون من تداعيات سياسية وإنسانية خطيرة. وبينما تستمر الجهود الدولية لإيجاد بدائل، يبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت هذه البدائل قادرة على تعويض الفراغ الذي قد يتركه تراجع دور الأونروا، وما إذا كانت الأطراف الدولية مستعدة لتحمل مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية بشكل أكثر شمولية وإنصافًا.