إيران 2024 .. عام الإعدامات القياسي والاعتقالات القمعية يثير غضبًا دوليًا
الثلاثاء 07/يناير/2025 - 01:31 م
طباعة
أميرة الشريف - فاطمة عبدالغني
أعلن مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن إيران أعدمت 901 شخص على الأقل خلال عام 2024، في تصعيد ملحوظ لعمليات الإعدام مقارنة بالأعوام السابقة.
هذا الإعلان جاء في بيان صدر عن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ونقلته وكالة "فرانس برس"، مشيرًا إلى أن إيران شهدت تنفيذ ما يقرب من أربعين عملية إعدام خلال أسبوع واحد فقط في شهر ديسمبر، وهو ما وصفه تورك بأنه "رقم صادم ومخيف".
تورك أعرب عن قلقه العميق حيال هذا التصعيد، معتبرًا أن استخدام عقوبة الإعدام بهذه الطريقة لا يعكس إلا تفاقم الأوضاع الحقوقية في البلاد، حيث أشار إلى أن العام الماضي شهد زيادة مطردة في عدد الإعدامات، ما يعكس تصاعدًا في استخدام هذه العقوبة كأداة لتكميم الأفواه وقمع المعارضة.
في بيانه، قال تورك: "من المُقلق للغاية ملاحظة أن عدد الأشخاص الذين تُنفّذ بحقّهم عقوبة الإعدام يرتفع من سنة إلى أخرى، حان الوقت لأن تضع إيران حدًا لموجة عمليات الإعدام هذه"، مضيفا أن هذه الممارسات تتناقض بشكل صارخ مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
العام 2024 كان حافلًا بالأحداث داخل إيران، إذ شهدت البلاد سلسلة من الاعتقالات التعسفية التي طالت ناشطين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، بالتوازي مع موجة الاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
هذا وقد تحولت الاحتجاجات، التي بدأت في البداية بسبب ارتفاع الأسعار ونقص الخدمات الأساسية، بسرعة إلى مظاهرات واسعة تطالب بالإصلاح السياسي والحريات، وهو ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات صارمة لقمع هذه التحركات.
وأفادت تقارير منظمات حقوقية بأن السلطات الإيرانية كثفت من حملات القمع خلال العام، حيث تم القبض على مئات الأشخاص بتهم غامضة مثل "الإخلال بالأمن القومي" و"نشر الفتنة".
وبرزت قضايا عدة استُخدمت فيها الاعتقالات كوسيلة للضغط على الناشطين والمعارضين، من بينهم شخصيات بارزة دعت إلى إلغاء عقوبة الإعدام، ورغم الإدانات الدولية الواسعة، واصلت السلطات الإيرانية تصعيد حملتها القمعية.
في شهر ديسمبر، الذي كان الأكثر دموية، شهدت البلاد تنفيذ أربعين حكم إعدام خلال أسبوع واحد فقط، هذه العمليات نُفذت في قضايا متنوعة، بينها جرائم تتعلق بالمخدرات واتهامات بـ"الإفساد في الأرض" و"التعاون مع جماعات معادية".
وبحسب ناشطين حقوقيين، فإن العديد من هذه التهم تُعتبر غامضة وتفتقر إلى الأدلة القاطعة، ما يُثير الشكوك حول نزاهة المحاكمات، واصفين هذه الإعدامات بأنها محاولة لبث الخوف وإحكام السيطرة على المجتمع في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة.
وأثار تزايد استخدام عقوبة الإعدام موجة من الغضب الدولي، حيث أدانت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية كبرى مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" بشدة ما وصفته بـ"الإسراف المريع في استخدام عقوبة الإعدام".
الاتحاد الأوروبي أيضًا دعا إيران إلى تعليق تنفيذ هذه العقوبة، مطالبًا بإجراء إصلاحات شاملة للنظام القضائي لضمان احترام حقوق الإنسان.
تورك نفسه وصف معدل الإعدامات بأنه "مخيف"، موضحًا أن تنفيذ ما يزيد عن عشرة أحكام إعدام أسبوعيًا يعكس أزمة خطيرة في النظام القضائي الإيراني.
وأضاف: "هذه الأرقام لا تمثل فقط انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، بل تعكس أيضًا استخدام الإعدام كأداة سياسية".
وأكد أن الأمم المتحدة مستمرة في الضغط على إيران لوقف هذه العمليات ومراجعة كافة الأحكام التي صدرت بحق الأفراد المحكوم عليهم بالإعدام.
على الصعيد الداخلي، أدت هذه الإعدامات والاعتقالات إلى تعميق مشاعر الغضب والإحباط بين الإيرانيين.
ورغم القمع، واصلت شرائح واسعة من المجتمع التظاهر، رافعة شعارات تطالب بالحرية والعدالة ووضع حد لعقوبة الإعدام.
وأشار محللون إلى أن النظام الإيراني يستخدم هذه العقوبات المشددة كوسيلة لترويع المعارضة ومنع أي محاولة لزعزعة استقراره، ولكن هذه الإجراءات القمعية تأتي بنتائج عكسية، حيث تزيد من عزلة النظام دوليًا وتعزز مشاعر التحدي بين المواطنين.
تاريخيًا، تُعد إيران من بين الدول التي تعتمد بشكل كبير على عقوبة الإعدام، خاصة في قضايا مثل المخدرات، ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا، حيث أصبح الإعدام يُستخدم بشكل أكبر في قضايا ذات طابع سياسي وأمني.
ويعكس هذا التحول قلق النظام من تزايد الاحتجاجات الشعبية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، ما يدفعه إلى تصعيد القمع كوسيلة للبقاء في السلطة.
على المستوى الدولي، تزايدت الدعوات لإلغاء عقوبة الإعدام في إيران. تورك وغيره من المسؤولين الأمميين أكدوا أن هذه العقوبة ليست فقط غير إنسانية، بل أثبتت فشلها في تحقيق العدالة أو ردع الجرائم، معتبرين أن إلغاء هذه العقوبة يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة وتعزيز حقوق الإنسان.
مع نهاية عام 2024، تبقى إيران في مواجهة مستمرة مع ضغوط داخلية وخارجية. الشعب الإيراني، الذي يعاني من أزمات اقتصادية خانقة وقمع سياسي مستمر، يبدو أكثر إصرارًا على المطالبة بحرياته وحقوقه.
في المقابل، يواجه النظام تحديات متزايدة في الحفاظ على استقراره وسط إدانات دولية مستمرة ومطالبات متصاعدة بإجراء تغييرات جذرية.
عام 2024 ينتهي كواحد من أكثر الأعوام قتامة في سجل حقوق الإنسان الإيراني، مع استمرار موجة الإعدامات والقمع.
ومع ذلك، فإن تزايد الوعي المحلي والدولي قد يمهد الطريق نحو تغييرات قد تؤدي إلى تحسين الأوضاع في المستقبل، و يبقى السؤال: هل سيستجيب النظام الإيراني لهذه الضغوط، أم أن البلاد ستظل عالقة في دوامة القمع؟