أثر تفكك الإيكواس في تنامي التطرف في غرب أفريقيا

الأربعاء 19/فبراير/2025 - 09:30 م
طباعة أثر تفكك الإيكواس حسام الحداد
 
شهدت منطقة غرب أفريقيا في العقود الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في التهديدات الأمنية، حيث برزت الجماعات المسلحة والمتطرفة كعامل رئيسي يهدد الاستقرار الإقليمي. ومع انسحاب دول الساحل الثلاث—بوركينا فاسو ومالي والنيجر—من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، تتزايد المخاوف من أن يؤدي هذا التفكك إلى تعزيز بيئة خصبة لنمو التطرف العنيف، في ظل تراجع التعاون الأمني وانهيار شبكات التنسيق الإقليمية.

التكامل الأمني في مواجهة الجماعات المسلحة
لعبت الإيكواس دورًا أساسيًا في تنسيق الجهود الأمنية ومكافحة الجماعات المسلحة في غرب أفريقيا، من خلال مبادرات مثل "القوة الاحتياطية" وآليات التدخل السريع، التي صُممت لتعزيز التعاون العسكري والاستجابة الفورية للتهديدات الأمنية. وقد استفادت الدول الأعضاء من تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات المشتركة التي حسّنت قدراتها على التعامل مع التهديدات الإرهابية المعقدة. ومع ذلك، فإن خروج مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي دول تعد من أكثر المناطق تأثرًا بالنشاط الجهادي، يضعف هذه الجهود بشكل كبير. فانسحابها يعني فقدان جزء حيوي من الشبكة الأمنية المشتركة، مما يؤدي إلى خلل في التنسيق العملياتي ويجعل التدخلات العسكرية أكثر تعقيدًا وأقل فاعلية. كما أن هذه الدول، التي كانت تعتمد على الدعم اللوجستي والاستخباراتي المقدم من الإيكواس، قد تجد نفسها الآن في وضع أمني أكثر هشاشة، حيث سيتعين عليها مواجهة الجماعات المتطرفة بقدرات محدودة وبدون غطاء إقليمي قوي.
إضافة إلى ذلك، فإن انهيار قنوات تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الثلاث وبقية أعضاء الإيكواس سيخلق ثغرات أمنية يمكن للجماعات المسلحة استغلالها لتعزيز تحركاتها وتمددها في المنطقة. فالتعاون الاستخباراتي كان عنصرًا محوريًا في تتبع أنشطة هذه الجماعات وقطع خطوط إمدادها اللوجستية عبر الحدود، لكن خروج دول الساحل من المنظمة قد يمنح المتطرفين مساحة أكبر للمناورة دون رقابة مشددة. علاوة على ذلك، فإن غياب التنسيق بين القوات الأمنية في دول الساحل والدول المجاورة قد يؤدي إلى تصاعد العمليات الإرهابية، خاصة في المناطق الحدودية، حيث يعتمد الاستقرار بشكل كبير على الجهود المشتركة. ونتيجة لذلك، قد نشهد تصاعدًا في هجمات الجماعات الجهادية، ليس فقط داخل الدول المنسحبة، ولكن أيضًا في الدول المجاورة التي ستتأثر بتوسع رقعة العنف وغياب الردع الإقليمي الفاعل.

الفوضى الاقتصادية والتجنيد في صفوف الجماعات المتطرفة
يؤدي تفكك الإيكواس إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في دول الساحل، مما ينعكس بشكل مباشر على حياة السكان، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض القدرة الشرائية. فمع خروج بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية، تواجه هذه الدول عقبات في حركة السلع والخدمات عبر الحدود، مما يؤدي إلى ندرة المواد الأساسية وزيادة تكلفتها. كما أن فقدان الامتيازات التجارية داخل الإيكواس وإعادة فرض الرسوم الجمركية على الصادرات والواردات يحدّ من النشاط الاقتصادي، ما يؤدي إلى تراجع فرص العمل وازدياد معدلات الفقر. في ظل هذه الأوضاع، يجد العديد من الشباب أنفسهم في مواجهة خيارات محدودة، حيث تتضاءل فرص العمل في القطاعات الرسمية، بينما تزداد صعوبة تأمين الاحتياجات اليومية الأساسية.
تستغل الجماعات المسلحة هذا الواقع لتوسيع نفوذها، حيث تقدم نفسها كبديل للسلطات الرسمية من خلال توفير مصادر دخل وفرص عمل للشباب المحبطين. في بعض المناطق، توفر هذه الجماعات مبالغ مالية أو مكافآت لمن ينضمون إلى صفوفها، ما يجعل التجنيد خيارًا جذابًا للعديد من الأفراد الذين يعانون من البطالة والفقر. إضافة إلى ذلك، فإن مشاعر التهميش وانعدام الثقة في الحكومات المركزية تدفع بعض الفئات إلى البحث عن قوى أخرى يمكنها تلبية احتياجاتها الأساسية أو منحها الشعور بالانتماء. ومع تزايد غياب الدور الحكومي الفعّال، تصبح هذه الجماعات أكثر قدرة على كسب التأييد في المجتمعات المحلية، ما يؤدي إلى توسيع نفوذها وتأجيج حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

تراجع الثقة في الحكومات وتعزيز النفوذ الجهادي
منذ الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، برز خطاب قومي متصاعد يعادي المؤسسات الإقليمية والدولية، خاصة بعد فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على هذه الدول من قبل الإيكواس. وقد أدى هذا الخطاب إلى تراجع الثقة في الحكومات المركزية، حيث باتت شريحة واسعة من المواطنين تشعر بأنها في مواجهة مع المجتمع الدولي، وليس فقط مع الجماعات المتطرفة. في ظل هذه الأجواء، عمدت الأنظمة العسكرية إلى تبني نهج يقوم على تعزيز استقلالية القرار الوطني، لكنه في الوقت نفسه أدى إلى عزلة دبلوماسية واقتصادية جعلت هذه الحكومات أقل قدرة على التعامل مع التحديات الداخلية، خصوصًا في المناطق التي تعاني من انعدام الأمن وضعف البنية التحتية. هذه العزلة لم تؤثر فقط على تدفق المساعدات الدولية، بل أضعفت أيضًا التنسيق الأمني مع الحلفاء الإقليميين، مما خلق فجوة في عمليات مكافحة الجماعات المسلحة التي تنشط في المناطق الحدودية والنائية.
في ظل هذا المناخ المتوتر، تجد الجماعات الجهادية فرصة ذهبية لتعزيز نفوذها، خاصة في المناطق الريفية حيث تفتقر الدولة إلى الوجود القوي. فمع تقلص الدعم العسكري والاستخباراتي الخارجي، وضعف قدرة الحكومات على توفير الأمن والخدمات الأساسية، تصبح هذه المناطق أكثر عرضة لاختراق الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى تقديم نفسها كبديل للسلطات الرسمية. وتستخدم هذه الجماعات أدوات متعددة لاستمالة السكان المحليين، من بينها تقديم الحماية من النزاعات القبلية، وتوفير بعض الموارد الأساسية، وحتى فرض أشكال من العدالة المحلية التي يعتبرها البعض أكثر فاعلية من النظام الرسمي. ومع استمرار هذا التراجع في الثقة بالحكومات المركزية، تصبح الدولة أقل قدرة على استعادة السيطرة على هذه المناطق، مما يعزز من تمدد الجماعات الجهادية ويزيد من تعقيد المشهد الأمني في غرب أفريقيا.

تراجع التعاون الإقليمي وتأثيره على الحرب ضد الإرهاب
كان التعاون بين دول الإيكواس ضروريًا في العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة، سواء من خلال تبادل المعلومات أو عبر الحملات العسكرية المشتركة. ولكن انسحاب دول الساحل من المنظمة يهدد بانهيار هذا التعاون، مما قد يؤدي إلى زيادة الهجمات الإرهابية ليس فقط داخل هذه الدول، بل أيضًا في الدول المجاورة مثل بنين وتوغو وساحل العاج، التي تواجه بالفعل خطر امتداد التهديدات الجهادية إلى أراضيها.
السيناريوهات المستقبلية
في ظل تفكك الإيكواس، يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة أكثر اضطرابًا أمنيًا. فإما أن تسعى الدول المنسحبة إلى تعزيز تحالفها الأمني البديل من خلال تحالف دول الساحل، وهو أمر محفوف بالتحديات نظرًا لقلة الموارد وغياب الدعم الدولي، أو أن تشهد المنطقة تصاعدًا في نفوذ الجماعات المتطرفة، مستفيدةً من غياب التنسيق الأمني الإقليمي.

خاتمة
إن تفكك الإيكواس لا يمثل مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل هو عامل رئيسي قد يسهم في إعادة تشكيل مشهد التطرف في غرب أفريقيا. فمع تراجع التعاون الأمني وزيادة الضغوط الاقتصادية، تصبح المنطقة أكثر عرضة لاختراق الجماعات المسلحة، مما يهدد الاستقرار ويقوض الجهود الإقليمية لمحاربة الإرهاب. وبذلك، يظل مستقبل الأمن في غرب أفريقيا مرهونًا بمدى قدرة الدول المعنية على بناء بدائل فاعلة لتعويض غياب الدور الإقليمي للإيكواس.

شارك