الشائعات الاقتصادية.. سلاح الإخوان لضرب الاستقرار المالي في مصر

الأربعاء 26/فبراير/2025 - 07:41 م
طباعة الشائعات الاقتصادية.. حسام الحداد
 
في ظل الأزمات الاقتصادية والتحديات التي تواجهها الدول، تصبح الشائعات أداة خطيرة تُستخدم لضرب استقرار المجتمعات وزعزعة ثقة المواطنين في مؤسسات بلادهم. ومؤخرًا، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مزاعم تفيد بأن السلطات المصرية تقوم باعتقال الأفراد الذين يتلقون تحويلات مالية كبيرة من الخارج بتهمة الاتجار في العملة الأجنبية. هذه الادعاءات، التي تفتقر إلى أي دليل رسمي أو موثوق، تهدف بشكل واضح إلى تخويف المصريين في الخارج من تحويل أموالهم عبر القنوات المصرفية الرسمية، وهو ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني ويؤدي إلى تراجع تدفقات النقد الأجنبي.
في هذا السياق، تلعب جماعة الإخوان المسلمين دورًا أساسيًا في نشر مثل هذه الشائعات، مستغلة منصاتها الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي لبث أخبار مضللة تهدف إلى إضعاف الاقتصاد المصري وتقويض الثقة في النظام المصرفي. تعتمد هذه الجماعة على استراتيجيات تضليلية ممنهجة لضرب الاستقرار المالي، الأمر الذي يخدم أطرافًا خارجية تسعى إلى إبقاء مصر تحت ضغوط اقتصادية مستمرة. لذا، فإن مناقشة هذه الادعاءات وتفنيدها يعد أمرًا ضروريًا لحماية الاقتصاد المصري وكشف محاولات الجماعة لاستخدام الحرب الإعلامية كأداة لإثارة الفوضى.
وفي الآونة الأخيرة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تحذيرات تدعو المقيمين في الخارج إلى الامتناع عن تحويل الأموال إلى مصر، مدعيةً أن السلطات المصرية تقوم باعتقال الأفراد الذين يتلقون تحويلات مالية كبيرة من الخارج بتهمة الاتجار في العملة الأجنبية. تُشير هذه التحذيرات إلى حالات مزعومة، مثل القبض على شخص سحب 24 ألف دولار تم تحويلها من شقيقه في الخارج.

عدم وجود تقارير رسمية
عند مراجعة المصادر الإخبارية الموثوقة، لم يتم العثور على أي تقارير رسمية أو موثوقة تؤكد صحة الادعاءات التي تزعم اعتقال مواطنين مصريين بسبب تلقيهم تحويلات مالية من الخارج. المؤسسات الإعلامية الكبرى، سواء المحلية أو الدولية، لم تنشر أي أخبار حول هذا الموضوع، مما يشير إلى أن هذه الروايات تفتقر إلى المصداقية. في المقابل، يعتمد انتشارها على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي غالبًا ما تفتقر إلى التحقق وتُستخدم كأدوات للتضليل وبث الفوضى.
كما أن السلطات المصرية لم تصدر أي بيانات رسمية تدعم صحة هذه المزاعم. النظام المصرفي في مصر يعمل وفق قوانين ولوائح مالية منظمة تضمن حقوق الأفراد في التعامل بالعملات الأجنبية ضمن الأطر القانونية. وعادةً ما تتخذ الدولة إجراءات رقابية على التحويلات المالية الكبرى، شأنها شأن أي دولة أخرى، في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي إجراءات لا تعني بأي حال التضييق على المواطنين العاديين الذين يتلقون أموالًا من ذويهم في الخارج.
من الواضح أن هذه الشائعات تأتي ضمن حملة دعائية ممنهجة تقودها جماعة الإخوان المسلمين، التي تسعى إلى تقويض الثقة في الاقتصاد المصري والنظام المصرفي. إذ تعتمد هذه الجماعة على نشر الأخبار الكاذبة بهدف إثارة البلبلة وزرع الخوف بين المصريين المقيمين في الخارج، لدفعهم إلى تجنب تحويل الأموال، مما يؤدي إلى تقليل تدفقات العملة الأجنبية إلى البلاد. هذا الأسلوب ليس جديدًا، بل يتكرر في أوقات الأزمات الاقتصادية، حيث تستغل الجماعة التحديات التي تواجه الدولة لتعزيز روايتها الهدامة.

اللوائح المصرفية المعمول بها
تتمتع البنوك المصرية بنظام مالي متكامل يتيح للمواطنين فتح حسابات مصرفية بالعملات الأجنبية وإجراء التحويلات المالية بكل سهولة، سواء من داخل البلاد أو خارجها. يُسمح للمصريين المقيمين في الخارج بتحويل الأموال إلى ذويهم عبر القنوات المصرفية الرسمية، حيث توفر البنوك خدمات متعددة لاستلام هذه التحويلات بالدولار الأمريكي أو تحويلها إلى الجنيه المصري وفقًا لرغبة العميل. كما أن هذه التحويلات تُعد مصدرًا مهمًا لدعم الاقتصاد الوطني، وتسهم في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي في البلاد، مما يجعل الدولة حريصة على توفير التسهيلات اللازمة لضمان سلاسة عمليات التحويل المالي عبر النظام المصرفي الرسمي.
إلى جانب هذه التسهيلات، تفرض الجهات الرقابية بعض الإجراءات للتحقق من مصادر الأموال الكبيرة، وذلك في إطار التزام مصر بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. هذه الإجراءات ليست مقصورة على مصر، بل تُطبق في مختلف دول العالم لضمان الشفافية المالية وحماية الاقتصاد من التدفقات النقدية غير المشروعة. يخضع أي تحويل مالي كبير لمراجعة روتينية للتأكد من قانونيته، وهو ما يُعد ممارسة طبيعية في القطاع المصرفي العالمي. ومع ذلك، فإن هذه الرقابة لا تعني تقييد التحويلات القانونية أو التضييق على الأفراد، بل تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار المالي ومنع استغلال النظام المصرفي في أنشطة غير قانونية.
التحذير من الشائعات
تمثل الشائعات واحدة من أخطر الأدوات التي تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين في محاولاتها لضرب استقرار الدولة المصرية، وخاصة في المجالين الاقتصادي والمصرفي. إذ تعتمد هذه الجماعة على نشر معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها الإعلامية بهدف إثارة الذعر بين المواطنين والتشكيك في مؤسسات الدولة. وتُعد الادعاءات المتعلقة بتحويلات المصريين في الخارج مثالًا واضحًا على هذه الاستراتيجية، حيث تسعى الجماعة إلى زعزعة ثقة المغتربين في النظام المصرفي، مما قد يدفع البعض إلى اللجوء لقنوات غير رسمية لتحويل أموالهم، وهو ما يُضعف الاقتصاد المصري ويعزز السوق السوداء للعملة.
إن تأثير هذه الشائعات لا يقتصر على إثارة القلق بين الأفراد، بل يمتد ليشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاقتصادي للدولة. فعندما يتم ترويج معلومات كاذبة بشأن مصادرة الأموال أو اعتقال المواطنين بسبب التحويلات المالية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع تدفقات النقد الأجنبي إلى مصر، وهي أموال تلعب دورًا أساسيًا في دعم الاحتياطي النقدي وتمويل المشروعات التنموية. كما أن تراجع التحويلات الرسمية قد يدفع البعض لاستخدام قنوات غير مشروعة، مما يزيد من نشاط الاقتصاد الموازي ويؤثر سلبًا على استقرار سعر الصرف.
لا يمكن فصل هذه الاستراتيجية الإخوانية عن الأجندات الخارجية التي تسعى إلى تقويض الاقتصاد المصري لصالح دول أخرى ترغب في إضعاف الدولة وإبقائها تحت ضغط اقتصادي دائم. فكلما تراجعت ثقة المستثمرين والمغتربين في الاقتصاد المحلي، زادت قدرة الجهات المعادية لمصر على فرض شروط قاسية على البلاد سواء في المعاملات المالية الدولية أو في الاتفاقيات الاقتصادية. وبالتالي، فإن انتشار مثل هذه الشائعات يخدم أطرافًا تسعى إلى إضعاف النفوذ الاقتصادي المصري وتعزيز تبعية الدولة لمراكز قوى خارجية.
لذلك، من الضروري التعامل بحذر مع أي معلومات غير موثوقة يتم تداولها عبر الإنترنت، خاصة إذا كانت تصب في اتجاه بث الفوضى والشكوك حول استقرار النظام المصرفي. الجهات الرسمية المصرية تحذر مرارًا من الانسياق وراء هذه الأكاذيب، وتدعو المواطنين والمقيمين في الخارج إلى التحقق من صحة الأخبار عبر المصادر الموثوقة، مثل بيانات البنك المركزي أو المؤسسات المالية المعتمدة. إن محاربة الشائعات لا تقتصر على دور الدولة فقط، بل تتطلب وعيًا مجتمعيًا وإدراكًا لمخاطر هذه الحرب الإعلامية التي تستهدف زعزعة استقرار مصر من الداخل.

اخيرا
في ظل التحديات التي تواجهها مصر، يبقى الوعي المجتمعي والتأكد من صحة المعلومات المتداولة عنصرين أساسيين في مواجهة الحرب الإعلامية التي تستهدف البلاد. الشائعات المتعلقة بتحويلات المصريين في الخارج ليست مجرد أخبار زائفة، بل هي جزء من استراتيجية منظمة تهدف إلى تقويض الاقتصاد المصري وإضعاف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. لذلك، فإن التصدي لهذه الادعاءات لا يقتصر على الجهات الرسمية فقط، بل هو مسؤولية مجتمعية تتطلب من كل فرد التحقق من الأخبار من مصادرها الموثوقة قبل تصديقها أو نشرها.
إن مصر تمتلك نظامًا مصرفيًا قويًا يعمل وفق معايير دولية، كما أن اللوائح المالية المعمول بها تهدف إلى تحقيق الاستقرار وليس التضييق على المواطنين. من الضروري أن يدرك المصريون في الداخل والخارج أن الاستجابة لمثل هذه الشائعات تعني الإضرار بالاقتصاد الوطني والمساهمة في تحقيق أهداف الجهات التي تسعى إلى زعزعة استقرار الدولة. لذلك، فإن التمسك بالمعلومات الموثوقة ودعم المؤسسات الوطنية هو السبيل الأمثل للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والتصدي لمحاولات التشويه والتضليل الإعلامي.

شارك