جيش تحرير بلوشستان: تكتيكات التمرد وعلاقاته الإقليمية في تصاعد العنف

الأربعاء 12/مارس/2025 - 06:40 م
طباعة جيش تحرير بلوشستان: علي رجب
 
في تصعيد خطير للأحداث في إقليم بلوشستان الباكستاني، أعلن جيش تحرير بلوشستان مسؤوليته عن اختطاف قطار "جعفر إكسبرس" الذي كان في رحلة من كويتا إلى بيشاور، مما أسفر عن مقتل 20 جنديا باكستانيا، إضافة إلى احتجاز 500 راكب كانوا على متن القطار. 
يعد هذا الهجوم من أكثر الهجمات جرأة في تاريخ المنطقة خلال العقد الماضي، ويظهر بشكل واضح تصاعد قدرات الجماعة الانفصالية المدعومة من جهات إقليمية، وفقا للتقارير الاستخباراتية.

جذور الصراع في بلوشستان
تعود جذور النزاع في إقليم بلوشستان إلى عام 1948، عندما انضمت المنطقة بشكل مثير للجدل إلى باكستان. على مدار سبعة عقود، شهد الإقليم خمسة انتفاضات كبرى ضد الحكم المركزي، حيث يتهم سكانه الحكومة الباكستانية بالاستيلاء على الموارد الطبيعية للإقليم، مثل الغاز الطبيعي والذهب، بينما يتم حرمانهم من الاستفادة منها.

إقليم بلوشستان هو أكبر إقليم في باكستان من حيث المساحة، لكنه يعتبر من أقل المناطق كثافة سكانية، حيث يعيش فيه حوالي 6% فقط من إجمالي سكان باكستان البالغ عددهم 241 مليون نسمة. يضم الإقليم غالبية من البلوش الذين يعتبرون أنفسهم مهمشين ومضطهدين من قبل الحكومة المركزية في إسلام آباد.
 ورغم أن بلوشتسان من أغنى الأقاليم الباكستانية من حيث الموارد الطبيعية مثل الغاز والموارد المعدنية، فإن هذه الثروات لم تساهم بشكل كبير في رفاهية السكان المحليين.

جيش تحرير بلوشستان: أهدافه وتصعيد الهجمات
يعتبر جيش تحرير بلوشستان من أبرز الجماعات الانفصالية التي تسعى إلى استقلال الإقليم عن الحكومة الباكستانية. وتستهدف الجماعة، التي تصف نفسها بأنها "محارب من أجل تحرير أرض الأجداد من الاحتلال الباكستاني"، قوات الأمن الباكستانية وتستهدف كذلك المصالح الصينية في الإقليم، خاصة فيما يتعلق بمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

وقد نفذت العديد من الهجمات ضد المنشآت الحكومية والعسكرية الباكستانية، إضافة إلى استهداف العمال والمصالح الأجنبية في الإقليم. 
وفي عام 2019، صنفت الولايات المتحدة الجيش على قائمة "الجماعات الإرهابية العالمية" بسبب تورطه في الهجمات المستمرة على المؤسسات الباكستانية والأجنبية في المنطقة.

التاريخ المظلم للصراع في بلوشستان
مرت حركة المقاومة في بلوشستان بمراحل عدة منذ الخمسينيات، ورغم فترات الهدوء النسبي، تزايدت الهجمات بشكل كبير اعتبارا من عام 2003، خاصة في فترة حكم الجنرال برويز مشرف. 
في عام 2004، بدأ جيش تحرير بلوشستان صراعا عنيفا مع الحكومة الباكستانية، مطالبا باستقلال إقليم بلوشستان عن باكستان. وأدى هذا الصراع إلى إعلان باكستان في 2006 عن جماعة جيش تحرير بلوشستان كمنظمة إرهابية بعد تنفيذ العديد من الهجمات على قوات الأمن الباكستانية.
وفي تلك الفترة، تم تنفيذ عمليات عسكرية ضد المتمردين، بما في ذلك قتل زعيم بلوشي شهير، نواب أكبر خان بوجتي، على يد القوات الباكستانية. وتقدر منظمة صوت المفقودين البلوش أن أكثر من 7,000 شخص قد اختفوا قسرا في الإقليم.
تعتقد الاستخبارات الباكستانية أن بارامداغ بهتي، حفيد زعيم القبيلة القتيل الذي يعيش في منفاه في سويسرا، هو الذي يتزعم جيش تحرير بلوشستان. وفقا لبعض المحللين الباكستانيين، يعتبر جيش تحرير بلوشستان، الذي تأسس في عام 2000، استمرارا لحركة التمرد السابقة التي نشأت في إقليم بلوشستان في عام 1973. 
في السياق ذاته، يشير بعض الخبراء إلى أن التمرد البلوشي بدأ في فترة الحرب الباردة بدعم من الاتحاد السوفياتي والعراق، في محاولة لإضعاف الحكومة الباكستانية التي كانت في المعسكر الأمريكي حينها.
وفقا لبعض التقارير الاستخباراتية، اكتشفت الاستخبارات الباكستانية في ثمانينيات القرن الماضي مخبأ للأسلحة والذخيرة داخل السفارة العراقية في إسلام آباد كان مخصصا للانفصاليين البلوش في بلوشستان. وجدت الشرطة في السفارة 300 بندقية آلية، وآلاف الطلقات، بالإضافة إلى معدات الاتصال. تم العثور على الصناديق التي تحتوي على الأسلحة تحمل شعارات وزارة الخارجية العراقية والخطوط الجوية العراقية، ما يعكس الدعم الدولي الذي كانت تتلقاه حركة التمرد البلوشي في تلك الفترة.
الوضع الأمني المتفاقم
يشهد الإقليم تصعيدا متزايدا في الهجمات المسلحة، بما في ذلك استهداف قوات الأمن والشرطة. وقد أعلنت الجماعة مؤخرا عن تنفيذ سلسلة من الهجمات على المنشآت الحكومية في المنطقة، بما في ذلك مراكز الشرطة ومقرات قوات الأمن. 
في حادثة مشابهة، قتل تسعة ركاب في أبريل الماضي على متن حافلة في بلوشتسان بعد أن تم التحقق من هويتهم.
على الرغم من ذلك، فإن جيش تحرير بلوشستان يعتبر نفسه منظمة علمانية، لكن هويته الطائفية السنية قد تكون وراء تقارب العلاقة مع حركة طالبان الباكستانية. تشير بعض التقارير إلى أن الجيش قد شن العديد من العمليات المشتركة مع طالبان الباكستانية ضد قوات الأمن الباكستانية في الآونة الأخيرة.
كما يعاني إقليم بلوشستان من حالة من الجمود السياسي والأمني، حيث تزداد الهجمات التي تستهدف قوات الأمن، الشرطة، بالإضافة إلى المنشآت الحكومية. كما أن نقص الاستقرار الأمني أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الإقليم، رغم الثروات الطبيعية الضخمة الموجودة فيه، مثل الغاز و الموارد المعدنية. مع استمرار تصاعد الهجمات من قبل جيش تحرير بلوشستان، يبدو أن المنطقة تقترب من مرحلة تفجر أمني كبير.

التصنيف الدولي والآفاق المستقبلية
في ظل تصاعد التوترات والأنشطة العسكرية المستمرة، يبدو أن جيش تحرير بلوشستان يواصل مساعيه للضغط على الحكومة الباكستانية من أجل تحقيق استقلال بلوشستان. مع تصنيف الجماعة كـ منظمة إرهابية من قبل بعض الدول الغربية، بالإضافة إلى الدعم المحتمل من الجهات الإقليمية، يستمر الوضع في بلوشستان في التدهور. ف
ي الوقت نفسه، يبدو أن السلطات الباكستانية تواصل محاولاتها للقضاء على التمرد، ولكن من غير الواضح إلى متى سيستمر الصراع في المنطقة.
ومع استمرار تصعيد الهجمات من قبل جيش تحرير بلوشستان، يبقى الوضع في بلوشستان على حافة التفجر، ما يجعل من الصعب التنبؤ بتطورات الصراع في الفترة القادمة. وتظل الجهود الإقليمية والدولية ضرورية من أجل الحد من تأثير الجماعات المتطرفة والعمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة.

شارك