استمرار الاختراقات الأمنية.. دلالات اختطاف قطار باكستان
السبت 15/مارس/2025 - 12:30 ص
طباعة

تشهد أفغانستان تصاعدا كبيرا في مستوى العمليات الإرهابية خلال الأشهر الأخيرة ، وذلك على الرغم من العمليات الأمنية المستمرة لمواجهة هذه العمليات، فوفق تصريحات حكومية باكستانية، نفذت أجهزة إنفاذ القانون نفذت 59,775 عملية استخباراتية، كبرى وصغرى، في عام 2024. وحتى الآن في عام 2025، نُفذت 11,654 عملية استخباراتية.
وقال المدير العام للعلاقات العامة التابعة للجيش اباكستاني، الفريق أحمد شريف شودري لقد بلغ متوسط عدد الإرهابيين الذين نُقتلهم يوميًا 180 إرهابيًا"، وفي الوقت نفسه تم تصفية حوالي 1250 إرهابيًا إلى الجحيم في عامي 2024 و2025، بينما استشهد 563 من أفراد الأمن أثناء تأدية واجبهم.
وعلى الرغم من تصاعد العمليات الأمنية والاستخباراتية جاء حادث تعرض قطار جعفر إكسبريس لهجوم عنيف ما أدى إلى مقتل العشرات واختطاف رهائن قبل أن تتمكن قوات الأمن الباكستانية من السيطرة على الموقف والقضاء على المهاجمين، ليحمل دلالات سياسية وأمنية تتجاوز حدود الحادث نفسه
الدور الاستخباراتي
رغم النجاح في تحرير الرهائن والقضاء على المهاجمين، إلا أن العملية تسلط الضوء على تحديات أمنية كبيرة في باكستان، لا سيما في إقليم بلوشستان الذي شهد تزايدًا في الأنشطة الإرهابية، حيث يعكس الحادث مدى تعقيد البيئة الاستخباراتية في البلاد، حيث يُعتقد أن الإرهابيين حصلوا على دعم خارجي وتوجيهات مباشرة من خارج الحدود، خصوصًا من أفغانستان.
وقد شهدت باكستان تصاعدًا في الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وهو ما يشير إلى الحاجة لإعادة تقييم النهج الأمني الحالي. فرغم تنفيذ الأجهزة الأمنية أكثر من 11,000 عملية استخباراتية خلال عام 2025، إلا أن الجماعات المسلحة ما زالت قادرة على تنفيذ عمليات واسعة النطاق، هذا يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت الأجهزة الأمنية بحاجة إلى تعزيز قدراتها أو إعادة هيكلة استراتيجياتها لمكافحة الإرهاب.
اتهامات للهند بدعم الإرهاب
وجه الجيش الباكستاني اتهامات مباشرة لوسائل الإعلام الهندية بنشر دعاية مضللة عبر مقاطع فيديو مزيفة تم إنشاؤها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، في محاولة لتشويه الحقائق. كما أشار المسؤولون إلى أن الهند تستمر في دعم الجماعات الإرهابية داخل باكستان، وهذه الاتهامات ليست جديدة، لكنها تعزز القناعة بوجود صراع استخباراتي بين البلدين.
ويتزايد توتر العلاقات بين الهند وباكستان منذ عقود، حيث تتهم إسلام أباد نيودلهي بدعم الجماعات الانفصالية في بلوشستان، بينما تتهم الهند باكستان بدعم الجماعات المسلحة في كشمير. وتعتبر وسائل الإعلام إحدى أدوات هذه الحرب، حيث يتم التلاعب بالأخبار والمحتوى الرقمي لخدمة أجندات سياسية وأمنية محددة.
ارتباط الإرهاب بأفغانستان
أكدت التحقيقات أن بعض الإرهابيين كانوا على اتصال بمشغليهم في أفغانستان، مما يثير تساؤلات حول دور كابول في احتواء الجماعات المسلحة التي تستخدم أراضيها كقاعدة لتنفيذ هجمات في باكستان، هذه التطورات تأتي في ظل توتر العلاقات بين البلدين، خاصة مع تزايد الهجمات المنفذة عبر الحدود، والاتهامات المستمرة من جانب باكستان لحركة طالبان الأفغانية بتقديم الدعم لحركة طالبان الباكستانية وتوفير الملاذ لها.
وحذرت الحكومة الباكستانية مرارًا من خطورة استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة للجماعات الإرهابية. ويبدو أن الجماعات المتطرفة تستفيد من الوضع غير المستقر في أفغانستان لتحقيق أهدافها، وهو ما يفرض على السلطات الباكستانية تكثيف جهودها الدبلوماسية والأمنية لمنع حدوث مزيد من الهجمات.
الأجندات الانفصالية
أعلنت جماعة جيش تحرير بلوشستان مسؤوليتها عن الهجوم، مما يعيد تسليط الضوء على الحركات الانفصالية في الإقليم، التي تتلقى دعمًا دوليًا وإقليميًا، وفقًا للمصادر الباكستانية، و يُنظر إلى هذه الجماعات باعتبارها أداة تستخدمها قوى خارجية لإضعاف باكستان وزعزعة استقرارها.
وتاريخيًا، كانت منطقة بلوشستان مسرحًا للعديد من التمردات الانفصالية، حيث تسعى بعض الجماعات إلى إقامة دولة مستقلة أو الحصول على مزيد من الحكم الذاتي، وقد أدى هذا إلى مواجهات عنيفة بين الجيش الباكستاني والجماعات المسلحة، وسط اتهامات متبادلة بشأن قمع الحريات وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
التداعيات المستقبلية
تفرض الحادثة تحديات كبرى على الأجهزة الأمنية الباكستانية، التي أعلنت عن تنفيذ آلاف العمليات الاستخباراتية في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن استمرار مثل هذه الهجمات يعكس الحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيات مكافحة الإرهاب، لا سيما من خلال التطبيق الصارم لخطة العمل الوطنية، التي تهدف إلى القضاء على التطرف من جذوره.
ومع تصاعد التوترات الإقليمية، قد تجد باكستان نفسها أمام خيارات صعبة، فإما أن تزيد من عملياتها العسكرية لملاحقة الإرهابيين، أو أن تتجه نحو حل سياسي ودبلوماسي يشمل التفاوض مع الجماعات المسلحة، لكن التجربة السابقة تشير إلى أن الخيار العسكري هو الأكثر تفضيلًا لدى الحكومة، خاصة في ظل الاتهامات المتكررة بوجود تدخلات خارجية.
إلى جانب الأبعاد السياسية والأمنية، لا يمكن إغفال التأثير الإنساني لمثل هذه الهجمات، فقد أسفر الحادث عن سقوط عدد كبير من الضحايا، بينهم جنود ومدنيون. وأظهرت شهادات الناجين حجم الرعب الذي عاشه الركاب أثناء الهجوم، حيث تم انتقاء بعض الضحايا بناءً على هوياتهم.
هذا يثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على حماية مواطنيها، خاصة في ظل تكرار مثل هذه الهجمات. ومع تصاعد حالة عدم الأمان، قد يضطر العديد من السكان إلى مغادرة المناطق المتضررة بحثًا عن الأمان في أماكن أخرى.
ورغم نجاح العملية العسكرية في القضاء على منفذي الهجوم، إلا أن جذور المشكلة لا تزال قائمة، وهو ما يتطلب تنسيقًا داخليًا وإقليميًا أكثر فاعلية لمحاربة الإرهاب من جذوره، خاصة مع استمرار التحديات القادمة من الداخل والخارج.
ويشير حادث اختطاف القطار الباكستاني إلى أن الإرهاب لا يزال يمثل تهديدًا حقيقيًا يجب مواجهته بحزم، ليس فقط عبر العمليات العسكرية، ولكن أيضًا من خلال استراتيجية شاملة تستهدف مصادر التمويل والدعم والترويج لهذه الجماعات، سواء داخل البلاد أو خارجها، كما أن هناك ضرورة لتطوير منظومة استخباراتية أكثر دقة وفعالية، إلى جانب تكثيف الجهود الدبلوماسية لمنع تدخل الدول الخارجية في الشأن الباكستاني الداخلي.