العنف العرقي في بوركينا فاسو: بوابة جديدة لتمدّد الجماعات الإرهابية

السبت 22/مارس/2025 - 07:11 ص
طباعة العنف العرقي في بوركينا حسام الحداد
 
تشهد بوركينا فاسو تصاعدًا خطيرًا في العنف ضد المدنيين، حيث أصبحت القوات الحكومية والميليشيات المساعدة، مثل "متطوعو الدفاع عن الوطن" (VDP)، متورطة في عمليات قتل جماعي تستهدف بشكل خاص جماعة الفولاني العرقية. ويأتي ذلك في إطار حملة مكافحة الإرهاب التي ينفذها المجلس العسكري الحاكم منذ استيلائه على السلطة في عام 2022، لكنه أدى إلى ارتفاع كبير في الانتهاكات، مما أثار إدانات حقوقية ودولية متزايدة. هذه العمليات الانتقامية الواسعة، التي غالبًا ما تستند إلى شبهات غير مؤكدة بتعاون المدنيين مع الجماعات المسلحة، عمّقت الانقسامات العرقية وأدت إلى موجات نزوح واسعة النطاق.
استغلت الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة، هذه الأوضاع لتعزيز نفوذها في المناطق المتضررة، مستخدمة الدعاية لكسب التعاطف والتجنيد في صفوف المجتمعات المستهدفة. فكلما زادت عمليات القمع ضد المدنيين، وجد المتمردون بيئة خصبة لاستقطاب مزيد من المجندين، سواء بدافع الانتقام أو بحثًا عن الحماية، مما يساهم في استمرار دوامة العنف وزعزعة استقرار بوركينا فاسو بشكل متزايد.

دوامة العنف:
أعدمت قوات الأمن البوركينية والميليشيات المساعدة عشرات المدنيين الفولانيين في غرب بوركينا فاسو. واحتجزت قوات حكومية وميليشيا مدنية مساعدة تُعرف باسم "متطوعو الدفاع عن الوطن" (Volontaires pour la défense de la patrie، VDP) مدنيين عُزّل في سولينزو، مقاطعة بوكل دو موهون، وقتلتهم في 10 مارس، في إطار عملية لمكافحة الإرهاب. وأفادت هيومن رايتس ووتش أن قوات حكومية وميليشيات مدنية مساعدة قتلت ما لا يقل عن 58 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء عُزّل، في الهجوم. 
يُعد الهجوم أحدث انتهاك في نمط من العنف المتزايد ضد المدنيين من قبل قوات الأمن والميليشيات المساعدة منذ تولي المجلس العسكري السلطة في عام 2022. وقد أشار مركز التهديدات الخطرة  CTP سابقًا في مايو 2024 إلى أن القوات الحكومية والميليشيات المساعدة استهدفت المدنيين بشكل متزايد منذ تولي زعيم المجلس العسكري إبراهيم تراوري السلطة في 30 سبتمبر 2022. وسجل مشروع بيانات موقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED) أن قوات الأمن هاجمت المدنيين بنسبة 65 بالمائة أكثر في أول 18 شهرًا من حكم تراوري مقارنة بالأشهر الثمانية عشر السابقة. كانت شدة الانتهاكات ضد المدنيين أكثر وضوحًا. سجل ACLED أن قوات الدولة البوركينابية في أول 18 شهرًا من عهد تراوري قتلت أكثر من 1000 مدني، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف نفس المدة الزمنية في فترة ما قبل تراوري مباشرة. يظهر مشروع ACLED أن معدل العنف الذي ترعاه الدولة ضد المدنيين ظل ثابتًا منذ ذلك الحين، حيث قتلت القوات الحكومية وميليشيات VDP 669 مدنيًا من مارس 2024 إلى مارس 2025.
تؤثر الزيادة في الخسائر المدنية بشكل غير متناسب على جماعة الفولاني العرقية وغيرها من المجتمعات المهمشة المشتبه في تعاونها مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال وولاية الساحل التابعة لتنظيم الدولة داعش. تعاملت دولة بوركينا فاسو مع مجتمعات الفولاني بريبة تاريخيًا واتهمتهم بالتعاون مع المتمردين. يرجع الارتفاع في الخسائر المدنية في الغالب إلى المجازر الانتقامية واسعة النطاق ضد المدنيين الذين يُعتقد أنهم يتعاونون مع المتمردين. تشمل هذه المجازر هجوم سولينزو، وإعدام جيش بوركينا فاسو لما لا يقل عن 156 مدنياً في أبريل 2023، ومذبحة بوركينا فاسو أخرى أودت بحياة ما يقرب من 100 شخص آخر في نوفمبر 2023. 
أدى استخدام المجلس العسكري في بوركينا فاسو للميليشيات المدنية المساعدة إلى انتشار العنف ذي الدوافع العرقية ضد المجتمعات المهمشة. وعززت وحدات قوات الدفاع الشعبي الانقسامات العرقية الراسخة لأنها تستمد قوتها من ميليشيات الدفاع الذاتي القائمة، وتستبعد معظم المجندين من الفولاني. وتخضع هذه القوات المساعدة لقوات الأمن وتوفر معلومات استخباراتية محلية، لكن تدريبها المحدود وولائها لتراوري حوّلا قوات الدفاع الشعبي إلى مرتكب رئيسي للعنف ذي الدوافع العرقية. وتزايدت انتهاكات قوات الدفاع الشعبي ضد المدنيين منذ توسيع عملياتها الهجومية الموسعة عندما تولى تراوري السلطة في أكتوبر 2022. 
يُفاقم العنف المدعوم من الدولة ضد المدنيين المظالم العرقية التي تستغلها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لتجنيد عناصرها. كما يُغذي العنف ذو الدوافع العرقية المظالم التي تستغلها الجماعة لتجنيد وتقويض شرعية القوات الحكومية في المناطق المتضررة. تدفع مجازر الجيش المدنيين إما إلى الفرار من المنطقة إلى المدن التي تسيطر عليها الحكومة أو إلى التعاون مع المتمردين طلبًا للحماية. ويستفيد المتمردون من كلا الأمرين، لأن كلا النتيجتين تُضعفان من معلومات قوات الأمن المحلية عن المنطقة. وقد نشرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين انتهاكات قوات الأمن السابقة في دعايتها، وتعهدت بالفعل بالرد على هجمات سولينزو.

استغلال الجماعات الإرهابية
تستغل الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة، هذه الأوضاع لتعزيز نفوذها في المناطق المتضررة عن طريق:
استغلال المظالم العرقية والطائفية
تعتمد الجماعات المتطرفة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، على المظالم العرقية لتعزيز نفوذها، خاصة بين الفولاني الذين تعرضوا لمجازر وعمليات قمع مكثفة من قبل القوات الحكومية وميليشيات متطوعي الدفاع عن الوطن (VDP). تستخدم هذه الجماعات الدعاية الإعلامية لإبراز الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون، وتصوّر نفسها على أنها المدافع الوحيد عن حقوقهم. يؤدي ذلك إلى خلق حالة من السخط والعداء تجاه الدولة، مما يجعل بعض الأفراد، وخاصة الشباب الغاضبين، أكثر عرضة للانضمام إلى الجماعات المسلحة بدافع الانتقام أو لحماية مجتمعاتهم من القمع الحكومي.

توفير الحماية البديلة وإضعاف شرعية الدولة
مع استمرار العمليات العسكرية العشوائية ضد المدنيين، يجد السكان في المناطق المتضررة أنفسهم بين خيارين: إما الفرار من ديارهم إلى المدن الكبرى التي تسيطر عليها الحكومة، أو البحث عن الحماية لدى الجماعات المسلحة التي تقدم نفسها كبديل موثوق. تستغل التنظيمات الإرهابية هذا الفراغ الأمني لإنشاء شبكات نفوذ محلية، حيث توفر الأمن، والموارد، وحتى أنظمة حكم موازية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. ونتيجة لذلك، تتراجع الثقة في مؤسسات الدولة، مما يسهل تمدد نفوذ الجماعات الإرهابية وفرض سيطرتها على مزيد من الأراضي.

تجنيد الأفراد عبر المساعدات والخدمات
تدرك الجماعات المتطرفة أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي والبطالة تعد عوامل رئيسية تدفع الشباب إلى الانضمام إليها. لذلك، تستغل هذه الجماعات الوضع الإنساني المتدهور عبر تقديم المساعدات الغذائية، وتوفير مصادر دخل بديلة، أو حتى منح الحماية لمن يشعرون بالاضطهاد من قبل الدولة. في بعض المناطق، تصبح هذه الجماعات الخيار الوحيد أمام السكان للحصول على الخدمات الأساسية، مما يؤدي إلى دمجهم تدريجيًا في شبكاتها، سواء كمجندين محتملين أو داعمين غير مباشرين يوفرون لها المعلومات والمساندة اللوجستية. ومع استمرار الدولة في اتباع نهج أمني عنيف دون حلول اجتماعية وسياسية، تزداد قدرة هذه التنظيمات على استقطاب مزيد من العناصر وتوسيع رقعة سيطرتها.

التأثير الإقليمي:
لا شك أن ما يحدث من استمرار لدوامة العنف وزعزعة استقرار بوركينا فاسو له أثار اقليمية خطيرة من أهمها:
تصاعد عدم الاستقرار الإقليمي وانتشار العنف
يشكل تصاعد العنف في بوركينا فاسو تهديدًا مباشرًا لاستقرار منطقة الساحل الإفريقي، حيث تمتد تداعيات الصراع إلى الدول المجاورة مثل مالي والنيجر وساحل العاج. نظرًا لتداخل الجماعات العرقية والقبلية عبر الحدود، فإن تصاعد استهداف الفولاني في بوركينا فاسو قد يؤدي إلى موجة جديدة من النزوح، وانتشار التطرف العنيف إلى مناطق أخرى، مما يفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف سيطرة الدولة على المناطق الريفية يوفر بيئة مثالية لنشاط الجماعات المتطرفة، مما يسمح لها بتنفيذ عمليات عبر الحدود بسهولة أكبر.

تعزيز نفوذ الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا
يمنح استمرار القمع الحكومي والتوترات العرقية الجماعات الإرهابية، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وتنظيم داعش في الساحل، فرصة ذهبية لتعزيز وجودها وتوسيع رقعة سيطرتها. مع ضعف قدرة الدولة على حماية المدنيين، تلجأ هذه الجماعات إلى تقديم نفسها كبديل أمني وسياسي، مما يزيد من احتمالية تمددها إلى دول مجاورة تعاني من ظروف مشابهة. في الوقت ذاته، يمكن أن يؤدي التنافس بين الجماعات الإرهابية المختلفة على النفوذ والموارد إلى تصاعد العنف واندلاع صراعات جديدة بين الفصائل المسلحة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.

تداعيات أمنية واقتصادية على الدول المجاورة
يمثل تصاعد العنف في بوركينا فاسو تحديًا أمنيًا كبيرًا للدول المجاورة، التي تجد نفسها مضطرة لتعزيز حدودها ورفع مستوى التأهب الأمني لمواجهة خطر تسلل المسلحين. كما يؤدي النزوح الجماعي للسكان إلى زيادة الضغط على البنية التحتية والموارد في الدول المجاورة، مما قد يسبب توترات اجتماعية واقتصادية، خاصة في الدول التي تعاني بالفعل من تحديات تنموية. من ناحية أخرى، فإن تزايد الهجمات الإرهابية في المنطقة يمكن أن يؤثر على الاستثمارات الأجنبية، ويضعف التجارة الإقليمية، مما يزيد من حدة الأزمات الاقتصادية ويعيق جهود التنمية في غرب إفريقيا بشكل عام.

التأثير على تنامي التطرف 
ان ما يحدث في بوركينا فاسو له أثر بالغ على تنامي التطرف والإرهاب نلخصه في:
تعزيز السردية الجهادية وتوسيع قاعدة التجنيد
يؤدي القمع العرقي والعنف الممنهج ضد المدنيين، وخاصة الفولاني، إلى خلق بيئة خصبة لتنامي التطرف. تستغل الجماعات الإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وتنظيم داعش في الساحل هذه الانتهاكات لتعزيز دعايتها، حيث تصور نفسها على أنها المدافع عن المظلومين والمستهدفين من قبل الحكومات والميليشيات. ونتيجة لذلك، يجد العديد من الشباب الذين يشعرون بالاضطهاد أو الغضب من ممارسات الدولة أنفسهم أكثر ميلًا للانضمام إلى هذه الجماعات بحثًا عن الحماية أو الانتقام، مما يسهل عمليات التجنيد ويزيد من عدد المقاتلين.

فقدان الثقة في الدولة وتآكل شرعيتها
عندما تفشل الحكومات في حماية المدنيين، أو تصبح طرفًا في النزاع عبر عمليات القتل الانتقامي، يتراجع الإيمان بقدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار. يؤدي ذلك إلى فراغ أمني تستفيد منه الجماعات الإرهابية، التي تستغل ضعف الدولة لإحلال سلطتها محلها، سواء عبر تقديم خدمات أساسية للسكان أو فرض نموذج حكم يعتمد على الشريعة المتشددة. هذا الانهيار في شرعية الدولة يسرّع من انهيار النظام الأمني ويزيد من نفوذ الحركات المتطرفة، التي تصبح ملاذًا للعديد من الفئات المهمشة.

تصاعد العنف الانتقامي وتوسيع دائرة التطرف
كلما زاد استهداف المدنيين، كلما تعززت النزعة الانتقامية، سواء من الأفراد المتضررين أو من مجتمعات بأكملها. هذه الدائرة من العنف المتبادل تغذي التطرف، حيث تبدأ الجماعات الإرهابية بتقديم نفسها على أنها الجهة الوحيدة القادرة على حماية الفئات المستهدفة. كما أن العنف العرقي المتزايد قد يؤدي إلى ظهور جماعات متطرفة جديدة ذات طابع محلي، تركز على الانتقام بدلاً من الأيديولوجيا الجهادية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويعزز حالة الفوضى التي تسمح للتنظيمات الإرهابية بالتمدد والانتشار.

خاتمة:
في ظل التصعيد المتزايد للعنف العرقي والانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن والميليشيات في بوركينا فاسو، يتفاقم خطر تنامي التطرف في المنطقة. إن استهداف المدنيين، خاصة من جماعة الفولاني، يعزز السردية الجهادية التي تروج لها الجماعات الإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم داعش في الساحل، حيث تستغل هذه التنظيمات مشاعر الظلم والاضطهاد لاستقطاب المزيد من العناصر، مما يؤدي إلى تعزيز نفوذها وتوسيع رقعة انتشارها. ومع فقدان الثقة في الدولة وتآكل شرعيتها، يصبح المدنيون أكثر عرضة للبحث عن الحماية والعدالة من خلال الانضمام إلى هذه الجماعات، مما يخلق بيئة مواتية لاستمرار العنف والتطرف.
إن استمرار دوامة العنف والانتقام المتبادل لا يهدد استقرار بوركينا فاسو فحسب، بل يمتد تأثيره إلى الإقليم بأكمله، حيث يؤدي تصاعد الهجمات الإرهابية إلى زعزعة الأمن في دول الجوار، مثل مالي والنيجر. كما أن انعدام الاستقرار يسهل عمليات تهريب السلاح والتنقل الحر للمقاتلين عبر الحدود، ما يعقد جهود مكافحة الإرهاب ويجعل من الصعب احتواء التهديدات المتزايدة. لذا، فإن غياب الحلول السياسية الشاملة، وانعدام المحاسبة على الانتهاكات، سيؤديان إلى تفاقم الأزمة، مما يفتح الباب أمام مزيد من التمدد للجماعات المتطرفة وتعزيز حالة الفوضى الإقليمية.
للمزيد من موضوعات حسام الحداد

شارك