واشنطن تلغي مكافأة سراج الدين حقاني: ما تأثير القرار على مستقبل أفغانستان؟

الثلاثاء 25/مارس/2025 - 04:35 م
طباعة واشنطن تلغي مكافأة علي رجب
 

في تطور لافت للعلاقات الأمريكية-الأفغانية، ألغت الولايات المتحدة مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار كانت مخصصة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على سراج الدين حقاني، وزير الداخلية الأفغاني الحالي وأحد قادة حركة طالبان البارزين. 

وأفادت وكالة رويترز بهذا الخبر نقلا عن متحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، في خطوة قد تشير إلى تحول في السياسة الأمريكية تجاه حكومة طالبان بعد ما يقرب من أربع سنوات من سيطرتها على أفغانستان.


تفاصيل القرار الأمريكي وردود الفعل الأولية

أعلنت واشنطن عن إلغاء المكافأة المالية التي كانت مرصودة للقبض على سراج الدين حقاني، أحد أبرز قادة "شبكة حقاني" المعروفة، والذي يشغل حاليا منصب وزير الداخلية في حكومة طالبان. 

وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية هذا القرار يوم السبت الموافق 22 مارس 2025.

ووفقا للمعلومات المتاحة، فإن الإجراء الأمريكي لم يقتصر على حقاني فقط، بل شمل أيضا إلغاء مكافآت مالية كانت مخصصة لاثنين من أقاربه، هما عبد العزيز حقاني ويحيى حقاني، حسبما نقلت قناة "أريانا نيوز" الأفغانية عن مصادر مقربة من سراج الدين حقاني.

وبالرغم من هذا القرار، لا يزال مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) يدرج المكافأة المخصصة للقبض على حقاني على موقعه الإلكتروني، حيث يذكر أن حقاني "يعتقد أنه نسق وشارك في هجمات عبر الحدود ضد الولايات المتحدة وقوات التحالف في أفغانستان". ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية حتى الآن على طلبات التعليق على هذا القرار.


من هو سراج الدين حقاني وما هي شبكة حقاني؟

سراج الدين حقاني هو أحد أبرز القادة في حركة طالبان، ويشغل حاليا منصب وزير الداخلية في الحكومة الأفغانية التي شكلتها الحركة بعد سيطرتها على البلاد. وهو أيضا قائد "شبكة حقاني"، إحدى أكبر وأقوى الفصائل المسلحة المنضوية تحت راية طالبان.

تأسست "شبكة حقاني" على يد والده جلال الدين حقاني خلال الحرب ضد القوات السوفيتية في ثمانينيات القرن الماضي. وقد لعبت هذه الشبكة دورا محوريا كجناح عسكري لحركة طالبان خلال الحرب ضد القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الفترة الممتدة من 2001 إلى 20211.

وقد صنفت الأمم المتحدة "شبكة حقاني" كمنظمة إرهابية، وأدرجت أسماء العديد من أعضائها، بمن فيهم سراج الدين حقاني، في قائمة العقوبات الأممية1. كما صنفتها الولايات المتحدة أيضا كمنظمة إرهابية، وعرضت مكافآت مالية مقابل القبض على قادتها.


تصريحات حقاني الأخيرة


في عام 2022، أجرى سراج الدين حقاني، المعروف بتكتمه الشديد، مقابلة صحفية مع شبكة CNN، وهي أول مقابلة علنية له. وخلال هذه المقابلة، أكد حقاني أن حركة طالبان لا تنظر إلى الولايات المتحدة كـ"عدو"، وأنه يسعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها ومع بقية دول العالم وفقا للأعراف والتقاليد الدبلوماسية المتعارف عليها.

كما شدد حقاني على أن أفغانستان "لن تستخدم كمصدر تهديد لأي أحد"، وأن هناك صورة سيئة "غير حقيقية" عن حركة طالبان، مؤكدا أن الحركة تريد الوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها.


عودة طالبان إلى السلطة

في أغسطس 2021، عادت حركة طالبان إلى مركز السلطة في أفغانستان من جديد، بعد انسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل من الأراضي الأفغانية، منهية بذلك فترة وجود عسكري غربي استمرت لنحو عقدين من الزمن. دخل مقاتلو الحركة العاصمة كابول، وهرب الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، معلنا انتصار طالبان وسط عمليات إجلاء محمومة للدبلوماسيين الغربيين.

وتعد هذه المرة الثانية التي تصل فيها الحركة إلى الحكم، بعد تجربة سابقة استمرت خمس سنوات في الفترة من سبتمبر 1996 وحتى سبتمبر 2001، قبل الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان إثر هجمات 11 سبتمبر.


الاعتراف الدولي والعلاقات الخارجية

رغم مرور قرابة أربع سنوات على سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، إلا أن الحكومة التي شكلتها الحركة لم تحظ باعتراف دولي واسع. وتعد الصين من أبرز الدول التي خطت خطوات إيجابية في علاقتها مع حكومة طالبان، حيث أصبحت في عام 2023 أول دولة تعين رسميا سفيرا جديدا في أفغانستان منذ سيطرة الحركة على السلطة.

وقد قدم السفير الصيني أوراق اعتماده خلال حفل أقيم بالعاصمة كابول. وذكرت وزارة الخارجية الصينية في بيان آنذاك أن "هذا هو التناوب الطبيعي لسفير الصين في كابول، ويستهدف مواصلة دفع الحوار والتعاون بين الصين وأفغانستان.. سياسة بكين تجاه كابول واضحة وثابتة".


تداعيات القرار الأمريكي وآفاق المستقبل

يمكن النظر إلى قرار إلغاء المكافأة المالية المخصصة للقبض على سراج الدين حقاني كمؤشر على احتمالية حدوث انفراج في العلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة طالبان. 

فرغم عدم وجود اعتراف رسمي أمريكي بهذه الحكومة، إلا أن هذه الخطوة قد تشير إلى تحول تدريجي في الموقف الأمريكي.

ويأتي هذا القرار بالتزامن مع تصريحات متكررة لمسؤولين في حركة طالبان، وعلى رأسهم سراج الدين حقاني نفسه، حول رغبتهم في إقامة علاقات طبيعية مع واشنطن والمجتمع الدولي، والتأكيد على أن أفغانستان لن تشكل تهديدا لأي دولة أخرى.


التحديات المستقبلية\

رغم هذا التطور الإيجابي، تظل هناك تحديات كبيرة أمام تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة طالبان، أبرزها المخاوف الدولية المستمرة بشأن قضايا حقوق الإنسان في أفغانستان، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والتعليم، فضلا عن المخاوف المتعلقة بتنامي نشاط الجماعات المتطرفة في البلاد.

ومن ناحية أخرى، لا يزال هناك تساؤل حول ما إذا كان قرار إلغاء المكافأة المالية سيتبعه خطوات أمريكية أخرى في اتجاه الانفتاح على حكومة طالبان، أو سيظل مجرد إجراء معزول لا يعبر عن تغيير جوهري في السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان.


ويمثل قرار الولايات المتحدة بإلغاء المكافأة المالية المخصصة للقبض على سراج الدين حقاني خطوة لافتة في مسار العلاقات الأمريكية-الأفغانية، بعد ما يقرب من أربع سنوات من سيطرة حركة طالبان على البلاد. ويمكن أن يكون هذا القرار بمثابة إشارة إلى مراجعة واشنطن لسياساتها تجاه حكومة لم تحظ بعد باعتراف دولي واسع.

وفي ظل المتغيرات الجيوسياسية العالمية، وتنامي نفوذ قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا في المنطقة، قد تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تموضعها في أفغانستان من خلال فتح قنوات تواصل غير مباشرة مع حكومة طالبان، تمهيدا ربما لخطوات أكثر إيجابية في المستقبل.

ويبقى السؤال المطروح: هل سيكون هذا القرار فاتحة لمرحلة جديدة من العلاقات بين واشنطن وكابول، أم أنه سيظل إجراء معزولا لا يعكس تغييرا جوهريا في الموقف الأمريكي من حكومة طالبان؟ الإجابة على هذا السؤال ستتضح مع مرور الوقت ومع المزيد من التطورات في هذا الملف الشائك.

شارك