تصعيد عسكري أمريكي في الصومال: غارات متتالية تستهدف تنظيم داعش

الأحد 30/مارس/2025 - 07:10 م
طباعة تصعيد عسكري أمريكي علي رجب
 

شهدت الأيام الأخيرة من شهر مارس 2025 تصعيداً ملحوظاً في العمليات العسكرية الأمريكية ضد تنظيم داعش في الصومال، حيث نفذت القوات الأمريكية سلسلة من الغارات الجوية المتتالية ضد معاقل التنظيم في منطقة بونتلاند شمال شرق البلاد.

أسفرت هذه الغارات عن مقتل عدد من عناصر التنظيم دون وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وتأتي في إطار استراتيجية أمريكية أوسع لمكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي، وبالتنسيق المباشر مع الحكومة الصومالية.

ويمثل هذا التصعيد تحولاً في نهج إدارة الرئيس ترامب تجاه التهديدات الإرهابية في المنطقة، خاصة بعد تنامي نفوذ داعش في بونتلاند رغم حجمه الصغير نسبياً مقارنة بحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.

الغارة الأخيرة: تفاصيل وأهداف

نفّذ الجيش الأمريكي غارة جوية يوم السبت الموافق 29 مارس 2025 ضد أهداف متعددة لتنظيم داعش في منطقة بونتلاند بالصومال، والتي أدت إلى مقتل عدد من عناصر التنظيم. جاءت هذه الغارة بالتنسيق المباشر مع الحكومة الصومالية، وفق ما أفادت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا المعروفة باسم "أفريكوم".

حددت "أفريكوم" موقع الغارة الجوية في "جنوب شرق بوساسو، بونتلاند، شمال شرق الصومال"، وأشار التقييم الأولي للقيادة العسكرية الأمريكية إلى عدم وقوع أية إصابات في صفوف المدنيين.

وأكدت القيادة الأمريكية في بيانها أن هذه العملية استهدفت "أهدافاً متعددة لتنظيم داعش في الصومال"، مشيرة إلى أن التنظيم "أثبت إرادته وقدرته على مهاجمة القوات الأمريكية وقوات الشركاء".

تُعد هذه الغارة الأحدث في سلسلة من العمليات العسكرية التي تنفذها الولايات المتحدة ضد التنظيمات الإرهابية في الصومال، وتحديداً ضد تنظيم داعش الذي بدأ يكتسب قوة متزايدة في منطقة بونتلاند التي تتمتع بحكم ذاتي.

تسلسل الضربات العسكرية

لم تكن هذه الغارة الأولى من نوعها، بل جاءت في أعقاب عملية مماثلة نفذتها القوات الأمريكية قبل يومين من تاريخها. وصفت "أفريكوم" هذه الضربات المتتالية بأنها تكملة لـ"مبادرة أوسع لمكافحة الإرهاب" في الصومال، مما يؤشر إلى وجود استراتيجية ممنهجة للقضاء على الخلايا الإرهابية في المنطقة.

كانت الحكومة الصومالية قد أعلنت في 26 مارس 2025 عن غارات مشتركة مع الولايات المتحدة استهدفت مخابئ معروفة لإرهابيي تنظيم داعش المتمركزين في جبال  غوليس في منطقة بونتلاند.تم تنفيذ هذه الغارات ليلة 25 مارس، وأفادت التقارير الأولية حينها بمقتل العديد من مقاتلي التنظيم دون وقوع إصابات بين المدنيين.

أوضحت إدارة بونتلاند في بيانٍ لها أن الغارات استهدفت مواقع محددة كانت تشهد تجمعات لعناصر داعش في وادي ميرال بمحافظة "بري"، مؤكدة أن الضربة حققت أهدافها العسكرية.

غارات فبراير 2025: بداية مرحلة جديدة

يمكن تتبع بدايات هذا التصعيد العسكري إلى فبراير 2025، حين نُفذت ضربات جوية أمريكية قالت سلطات بونتلاند إنها أسفرت عن مقتل "شخصيات رئيسية" في تنظيم داعش. في ذلك الوقت، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه أمر بشن غارات جوية على أحد كبار مخططي الهجمات في تنظيم داعش.

وصرّح ترامب عبر منصة "تروث سوشال" قائلاً: "هؤلاء القتلة الذين وجدناهم مختبئين في الكهوف هددوا الولايات المتحدة وحلفاءنا"، وأضاف أن "الضربات أدت إلى تدمير الكهوف التي كانوا يعيشون فيها، وقتل العديد من الإرهابيين، دون أن يؤدي ذلك إلى إصابة المدنيين بأي شكل من الأشكال".

كانت تلك الغارات هي الأولى من نوعها في الصومال خلال الولاية الثانية للرئيس ترامب، وأكد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، آنذاك أن العمليات الجوية نفذتها القيادة الأمريكية في أفريقيا بتوجيه من الرئيس وبالتنسيق مع الحكومة الصومالية.

 

دوافع التصعيد الأمريكي ضد داعش

تأتي هذه الضربات المتتالية ضمن عدة دوافع استراتيجية للولايات المتحدة، يأتي في مقدمتها الحد من قدرة داعش على تهديد المواطنين الأمريكيين والمصالح الأمريكية في المنطقة.

وأوضح وزير الدفاع الأمريكي أن الهدف الرئيسي من هذه الضربات هو تقليص خطورة التنظيم، خاصةً بعد تحول داعش الصومال إلى مركز مالي مهم عبر السيطرة على مناطق نفوذ ذات ثروات حيوانية وزراعية.

كما ربطت بعض التحليلات الصحفية الأمريكية هذه الضربات بهجمات "نيو أورليانز" التي وقعت مطلع العام 2025 وأدت إلى مقتل 14 شخصاً على يد عسكري أمريكي سابق متأثر بفكر داعش.

وهو ما جعل الإدارة الأمريكية أكثر حزماً في التعامل مع التنظيم ومحاولة تقويض قدرته على تنفيذ هجمات عابرة للحدود أو التأثير على عناصر داخل الولايات المتحدة.

 

تنظيم داعش في الصومال: النشأة والتطور

يعد تنظيم داعش صغيراً نسبياً في الصومال مقارنة بحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، لكنه بدأ يكتسب قوة مؤخراً في منطقة بونتلاند. تشكلت ولاية داعش في الصومال من قبل المنشقين من حركة الشباب الإرهابية، بعد المبايعة في أكتوبر 2015، حيث أعلن القيادي عبد القادر مؤمن انشقاقه عن الحركة ومبايعة أبو بكر البغدادي، وحصل التنظيم على اعتراف من قيادة داعش المركزية كولاية رسمية عام 2018.

تنشط عمليات التنظيم بشكل رئيسي في جبال جوليس في منطقة باري في ولاية بونتلاند الصومالية.

وقد استغل التنظيم العلاقات العائلية لقائده مع سكان المنطقة للتغلغل فيها والسيطرة على موارد اقتصادية، وحاول إثبات قدرته على الحشد من خلال نشر فيديوهات عن تجنيد عناصر أجنبية في كل مرة يتلقى فيها ضربة أو غارة جوية.

الصراع بين داعش وحركة الشباب

يرتبط وجود داعش في الصومال بالصراع التنظيمي مع حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، وهو الصراع الذي يعكس الخلاف الاستراتيجي والأيديولوجي بين التنظيمين الإرهابيين على مستوى العالم. ومع ذلك، فإن حركة الشباب لا تزال أكبر وأكثر تأثيراً في الصومال، حيث تخوض منذ 15 عاماً تمرداً ضد الحكومة الفيدرالية الصومالية المدعومة من المجتمع الدولي.

رغم إخراج حركة الشباب من المدن الرئيسية في الصومال، بما في ذلك العاصمة مقديشو في عام 2011، إلا أنها ما زالت تتمركز في مناطق ريفية كبيرة وتشكل تهديداً كبيراً للسلطات.في الوقت نفسه، استغل تنظيم داعش انشغال الحكومة الصومالية بمواجهة حركة الشباب للتمدد في مناطق شمال البلاد، خصوصاً في منطقة بونتلاند.

 

التعاون الأمريكي-الصومالي في مكافحة الإرهاب

تُنفذ الغارات الأمريكية ضد داعش في إطار تعاون وثيق مع الحكومة الصومالية، وفق ما تؤكده البيانات الصادرة عن "أفريكوم" أعاد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود نشر تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أعلن فيها عن الضربات الأمريكية ضد عناصر داعش، مصحوبة ببيان صحفي يشكره على تعاونه في ملف مكافحة الإرهاب.

يأتي هذا التعاون في إطار الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين الجانبين، والتي تهدف إلى تعزيز قدرات الصومال في مواجهة التنظيمات الإرهابية.

وتمثل الضربات الجوية الأمريكية دعماً مهماً للجهود التي تبذلها الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب.

حقق الجيش الصومالي في الأشهر الماضية نجاحات كبيرة على أرض الواقع في مطاردة قوى الإرهاب واجتثاث جذوره، والقيام بعمليات عسكرية كبيرة لاستعادة الأراضي التي كانت في حوزة الإرهابيين، تمهيداً لإعادة تأهيلها ليستفيد منها الشعب الصومالي.

أدت هذه النتائج إلى زيادة التأييد العربي والتشجيع العالمي للجيش الصومالي في ظل إنجازاته الكبيرة، رغم ضعف إمكانياته العسكرية.

 ويمثل الدعم الأمريكي عبر الضربات الجوية والمساعدات الاستخباراتية عاملاً مهماً في هذه النجاحات.

 

استمرار التهديدات الإرهابية

رغم نجاح الضربات الأمريكية المتتالية في إضعاف قدرات تنظيم داعش، إلا أن التهديد الإرهابي لا يزال قائماً في الصومال. تستغل حركة الشباب الإرهابية الأزمات المتكررة في البلاد لتكثيف هجماتها ضد الحكومة الفيدرالية وقوات الأمن، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات إنسانية كبيرة.

يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة الصومالية والولايات المتحدة هو الحيلولة دون تنامي قدرات التنظيمات الإرهابية من جديد، والاستفادة من النجاحات المحققة لتعزيز الاستقرار في البلاد.

 

آفاق التعاون المستقبلي

من المرجح أن تستمر الضربات الأمريكية ضد أهداف تنظيم داعش في الصومال، في إطار الاستراتيجية الأوسع لمكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يتواصل العمل على تعزيز قدرات القوات الصومالية لتتمكن من مواجهة التهديدات الإرهابية بشكل أكثر فاعلية واستقلالية.

شارك