بين الإرهاب والتمويل: أزمة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال
الإثنين 31/مارس/2025 - 09:55 م
طباعة

حذرت دراسة نشرها معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) في 27 مارس 2025 من تصاعد خطورة حركة الشباب الإرهابية في الصومال، مؤكدة أن قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM) قد تواجه تحديات مالية جسيمة في إطار دعم الحكومة الفيدرالية الصومالية. وتستمر الصومال في مواجهة تحديات تتعلق بالإرهاب، الأزمات الإنسانية، والصراعات الداخلية، رغم التقدم المحرز في العقدين الماضيين.
الواقع الأمني والتحديات المالية
انطلقت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM) في يناير 2025 بموجب تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكان يُنظر إليها باعتبارها اختبارًا لعمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي. ومع ذلك، ظهرت مشاكل تمويلية تعوق نجاح المهمة، حيث تعثرت مناقشات مجلس الأمن بسبب اعتراضات الولايات المتحدة، التي أيدت آلية تمويل انتقالية بدلاً من التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2719.
وفي الوقت ذاته، أظهر الاتحاد الأوروبي، الذي يعد داعمًا رئيسيًا للاتحاد الأفريقي، علامات إرهاق نتيجة التمويل المستمر، ما يزيد من حالة عدم اليقين حول مستقبل البعثة.
أيضا لم يكن التمويل التحدي الوحيد الذي واجهته بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، فقد أدت الخلافات بين الدول المساهمة بقوات إلى تأخير تشكيل القوات حتى فبراير 2025.
وفي البداية، رفضت الصومال القوات الإثيوبية عقب مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال في يناير 2024، بينما تعهدت مصر بتقديم قواتها للبعثة. ومع ذلك، خفف اتفاق بوساطة تركية في ديسمبر 2024 من حدة التوتر بين إثيوبيا والصومال، مما سهّل مساهمة إثيوبيا في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
أما بوروندي، وهي دولة مساهمة منذ فترة طويلة في بعثات الاتحاد الأفريقي في الصومال، فقد اختلفت مع الحكومة الصومالية بشأن أعداد القوات، وسحبت تعهدها بنهاية عام 2024.
بحلول مايو 2025، يجب على الصومال وشركائها الدوليين التركيز على المهمة الأساسية تجنب الفراغ الأمني في البلاد وهو ما يعزز من فرص عودة حركة الشباب وتشكيلها خطرا على مستقبل الصومال.
مهمة الاتحاد الأفريقي الجديدة ومشاكلها
منذ عام 2007، شهدت الصومال نشر ثلاث بعثات للاتحاد الأفريقي، كانت تهدف في البداية إلى حفظ السلام في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة، ثم تطورت لتشمل مهام مكافحة حركة الشباب الإرهابية. في عام 2022، أُعيد تسمية بعثة الاتحاد الأفريقي إلى بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS)، التي ركزت على تسليم المهام الأمنية تدريجيًا للقوات الصومالية. أما في 2025، فقد ظهرت قوة الاتحاد الأفريقي (AUSSOM)، التي ورثت مشاكل التمويل التي عانى منها سابقتها.
بعثة AUSSOM تواجه تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالتمويل، حيث أن آخر بعثة، ATMIS، أنهت عملياتها بعجز مالي بلغ نحو 96 مليون يورو. بالإضافة إلى ذلك، تعثرت تشكيلاتها بسبب الخلافات بين الدول المساهمة في القوات، وهو ما أخر عملية الانتشار.
التحديات الجيوسياسية والتمويل
في ظل المشهد الدولي المتغير، أصبحت دول مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وإثيوبيا تتجه بشكل متزايد نحو الاتفاقيات الثنائية لدعم الحكومة الصومالية وتعزيز مصالحها الاقتصادية والأمنية. لكن رغم الفوائد الاستراتيجية للاتفاقيات الثنائية، فإنها لا تستطيع أن تحل محل إطار العمل متعدد الأطراف، الذي يعد أمرًا ضروريًا لضمان التنسيق الفعّال بين القوات وتجنب أي تداخل أو منافسة بين القوى الدولية.
من جهة أخرى، تواصل بعض الدول مثل الاتحاد الأوروبي استثمار مليارات اليوروهات في دعم الأمن في الصومال. فقد دعم الاتحاد الأوروبي بعثات الاتحاد الأفريقي في الصومال بما يقارب 4.3 مليار يورو منذ عام 2007، إضافة إلى دعم الأنشطة المتعلقة بمكافحة القرصنة وبناء قدرات قوات الأمن الصومالية.
التحديات الداخلية في الصومال
رغم التقدم الكبير في الصومال، مثل إطلاق الدستور المؤقت في 2012، وإصلاحات قطاع الأمن، وإجراء التعداد السكاني في 2023، لا يزال الصومال يعاني من صراعات داخلية. تواصل الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، خاصة حول مسألة الفيدرالية وتقاسم السلطة، مما يعرقل جهود تحقيق الاستقرار السياسي.
وقد تفاقمت هذه التوترات مؤخرًا بسبب الخلافات حول جدوى إجراء انتخابات " صوت واحد لشخص واحد " لعام 2026. تواجه الحكومة الفيدرالية تحديات مستمرة، لا سيما من بونتلاند وجوبالاند، بينما تواصل أرض الصومال تأكيد استقلاليتها والسعي للحصول على اعتراف دولي.
وفي مارس 2023، رفضت بونتلاند سلطة الحكومة الفيدرالية بشأن الإصلاح الدستوري الذي من شأنه أن يمنح رئيس الولاية الفيدرالية المزيد من الصلاحيات.
وطعنت جوبالاند في جدوى الانتخابات المباشرة بسبب المخاوف الأمنية ورفضت سلطة الولاية الفيدرالية. في نوفمبر 2024، أصدرت المحاكم الفيدرالية والإقليمية أوامر اعتقال متبادلة بحق حسن شيخ محمود، رئيس الصومال، وأحمد محمد إسلام مادوبي، رئيس ولاية جوبالاند. ومع ذلك، وصلت التوترات إلى مستويات جديدة مع وقوع اشتباكات مباشرة بين القوات الفيدرالية وقوات جوبالاند في ديسمبر 2024 .
هذا التوتر تفاقم مؤخرًا بسبب الخلافات حول إجراء الانتخابات المباشرة في 2026، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والسياسي.
الحلول الممكنة والتوصيات
لضمان استقرار الصومال، يجب على الشركاء الدوليين التركيز على تقديم الدعم متعدد الأطراف وتجنب تعميق الانقسامات الداخلية من خلال دعم فصائل معينة. التعاون بين الاتحاد الأفريقي والصومال والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يعد الأساس الذي يجب البناء عليه، حيث لا يمكن للاتفاقيات الثنائية أن تحل محل التنسيق متعدد الأطراف.
من المهم أن يعمل الاتحاد الأوروبي على إقناع المزيد من الدول بالمساهمة في تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM) من خلال آليات مالية متعددة، مثل الصناديق الاستئمانية. يجب أن يكون التركيز على ضمان تمويل مستدام والالتزام بسياسات التنسيق الدولي لضمان نجاح المهمة وتجنب الفوضى الأمنية.
يظل استقرار الصومال هدفًا رئيسيًا للمجتمع الدولي، لكنه لن يتحقق إلا من خلال استراتيجية منسقة ودعماً دولياً قوياً. فبينما يمكن للثنائية أن تقدم حلولًا سريعة لمشاكل آنية، فإن النجاح الطويل الأمد يستدعي حلاً شاملاً يعزز التنسيق بين جميع الفاعلين الدوليين ويضمن احترام مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك الشعب الصومالي.