بعد هجوم دامٍ في كشمير.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يعمّق جراح العلاقات المتوترة
الجمعة 25/أبريل/2025 - 10:17 ص
طباعة

تشهد العلاقات بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان، منعطفًا خطيرًا جديدًا، عقب هجومٍ مروّع استهدف سُيّاحًا في منطقة باهالغام الجبلية التابعة لإقليم كشمير المتنازع عليه، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من المواطنين الهنود.
الحادثة، فجرت موجة من التصريحات الغاضبة والإجراءات المتبادلة التي تنذر بمزيد من التصعيد.
من السعودية إلى كشمير.. مودي يقطع زيارته
جاء الرد الهندي الرسمي سريعًا وحادًا، إذ قرر رئيس الوزراء ناريندرا مودي اختصار زيارته إلى المملكة العربية السعودية، والتي كانت مقررة ليومين، وعاد إلى بلاده فور لقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ذلك القرار عكس حجم القلق الرسمي في نيودلهي إزاء ما جرى، وأعطى إشارات واضحة إلى أن ردًا سياسيًا وربما عسكريًا بات وشيكًا.
مجزرة باهالغام: الرعب وسط الجبال
وفقًا لروايات الشهود، اقتحم المسلحون المنطقة السياحية في باهالغام، وفتحوا النار بشكل عشوائي على الزوار الذين كانوا في عطلة وسط الطبيعة الخلابة.
ووقع الهجوم في منطقة يصعب الوصول إليها إلا سيرًا على الأقدام أو على ظهور الخيل، مما أعاق الاستجابة الأمنية السريعة.
أحد الناجين أفاد بأن المسلحين اتهموا بعض العائلات بدعم مودي قبل أن يطلقوا النار عليهم مباشرة.
صور ومقاطع فيديو انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل، تُظهر مشاهد مأساوية لجثث ممددة على الأرض، وصراخ وعويل في خلفية المنظر الدموي، مما فاقم من حالة الغضب الشعبي، لا سيما وأن الهجوم طال أبرياء في ذروة الموسم السياحي.
من هي جبهة المقاومة؟
أعلنت جبهة المقاومة الكشميرية، المعروفة أيضًا باسم جبهة المقاومة (TRF)، مسؤوليتها عن هجوم باهالغام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معربةً عن استيائها من "الغرباء" الذين استقروا في المنطقة وتسببوا في "تغيير ديموغرافي"، ولم تقدم أدلة، ولا تستطيع CNN التحقق من ادعائها بشكل مستقل.
وتُعدّ جبهة المقاومة جماعة مسلحة جديدة نسبيًا، ولا يُعرف عنها الكثير، إذ أعلنت الجماعة عن وجودها عام 2019 عبر تطبيق الرسائل المشفرة تيليغرام، بعد أن أعلنت مسؤوليتها عن هجوم بقنبلة يدوية في سريناغار، أكبر مدن جامو وكشمير، وفقًا لبحث أجرته مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF) ومقرها نيودلهي.
وصنفت الهند جبهة المقاومة الكشميرية "منظمة إرهابية" وربطتها بجماعة لشكر طيبة الإسلامية المحظورة، التي كانت وراء هجمات مومباي الدامية عام 2008، والتي تتمتع بشهرة أكبر بكثير.
وتُصنّف الجبهة الثورية الكشميرية نفسها كقوة مقاومة سياسية، نشأت في كشمير، وتخدم كشمير، ضد قوات الاحتلال غير الشرعية، دون أي شخصية أو قيادة جهادية مركزية، وفقًا لشبكة ORF.
وأصدرت شرطة كشمير، الخميس، إشعاراتٍ تُسمّي ثلاثة مشتبه بهم يُزعم تورطهم في الهجوم. اثنان منهم باكستانيان، وفقًا للإشعارات، ولم تُفصح الشرطة عن كيفية تحديد هوية الرجال.
ورغم نفي إسلام آباد القاطع لأي تورط في الهجوم، إلا أن الهند صعّدت إجراءاتها على الأرض، فأغلقت معبرًا حدوديًا رئيسيًا، وعلقت العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند للمرة الأولى منذ توقيعها في ستينات القرن الماضي، كما أمرت بطرد دبلوماسيين باكستانيين، وألغت تأشيرات دخول كانت قد منحت سابقًا.
باكستان ترد بالمثل
ردًا على هذه الإجراءات، أعلنت الحكومة الباكستانية سلسلة من التدابير المضادة، شملت تعليق التجارة، إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الهندية، وطرد دبلوماسيين هنود.
وجاء في بيان رسمي أن “أي محاولة لتحويل مسار مياه باكستان أو قطعها ستُعدّ بمثابة إعلان حرب”، في لهجة تُعيد إلى الأذهان خطابات ما قبل المواجهات المباشرة.
وزير الخارجية الباكستاني، إسحاق دار، تحدّى الهند قائلاً: “إذا كان لديكم دليل على تورطنا، فلتقدموه لنا وللعالم. نحن نرفض لعبة إلقاء اللوم المتكررة”.
مودي: سنعاقب كل من خطط وموّل ونفذ
في خطاب ناري من ولاية بيهار، استخدم رئيس الوزراء مودي اللغة الإنجليزية بدلًا من لغته الأم، في خطوة واضحة لاستهداف الجمهور الدولي برسالة قوية: من أرض بيهار، أقول للعالم أجمع، إننا سنتعقب كل إرهابي ومن دعمه وسنعاقبهم”، مضيفًا أن “الإرهاب لن ينال من وحدة الهند، ولن يُفلت من العقاب.
الخطاب، الذي نقل مباشرة عبر التلفزيون المحلي، قوبل بترحيب واسع داخليًا، لكنه أثار قلق المحللين من احتمالية اتخاذ خطوات عسكرية أكثر حدة في الأيام القادمة.
كشمير.. بؤرة الاشتعال الأبدي
النزاع حول كشمير ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى لحظة التقسيم عام 1947، حين ترك الاستعمار البريطاني خلفه إقليمًا تتنازع عليه الهند وباكستان، وشهد ثلاث حروب كبرى، وعشرات المناوشات المسلحة.
وفي عام 2019، ألغت حكومة مودي الحكم الذاتي لكشمير، وفرضت سيطرتها الكاملة، مما فجّر موجة جديدة من التوترات.
ورغم تصريحات نيودلهي بأن الأوضاع الأمنية تحسّنت، فإن الهجوم الأخير جاء ليكسر هذا الوهم – على حد تعبير بعض المحللين – ويضع تساؤلات جدية حول الاستراتيجية الأمنية المُتبعة في واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم.
تبادل إطلاق نار على خط السيطرة
عقب الهجوم، أفادت مصادر هندية بوقوع اشتباكات على "خط السيطرة"، الذي يُقسم كشمير فعليًا بين الهند وباكستان.
وبحسب المصادر، بدأت القوات الباكستانية بإطلاق نار في مناطق متفرقة، ليرد الجيش الهندي بـ"فعالية".
ورغم عدم وقوع إصابات، إلا أن استمرار هذه الاشتباكات يهدد بتفجر الوضع العسكري على نطاق أوسع.
في المقابل، أكد مسؤولون في كشمير وقوع تبادل لإطلاق النار ليلاً، مؤكدين في الوقت نفسه أن المدنيين لم يتعرضوا للأذى، والحياة استمرت بشكل طبيعي نسبيًا في المناطق القريبة من خط السيطرة.
معاهدة مياه السند
من بين أخطر الخطوات الهندية، قرارها تعليق المشاركة في معاهدة نهر السند، التي تُعد من أبرز قصص النجاح الدبلوماسي بين الدولتين، واستمرت رغم التوترات لعقود.
وعلّق الباحث فهد همايون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تافتس، قائلاً: هذه الخطوة تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن باكستان القومي، وستُنظر إليها كعمل عدائي صريح.
المعاهدة تنظم تقاسم المياه بين الجانبين، وهي حيوية لملايين السكان في شمال الهند وباكستان على حد سواء، ما يعني أن تعليقها يحمل في طيّاته آثارًا تتجاوز السياسة لتصل إلى الأمن الغذائي والاقتصادي.
قلق محلي ودولي
على الأرض، تسود حالة من القلق والاضطراب، خاصة في القطاع السياحي في كشمير، حيث أفاد أصحاب شركات سياحة بإلغاء ما يصل إلى 90% من الحجوزات.
وقال أحدهم: نعيش مأساة اقتصادية موازية للمأساة الأمنية. إذا استمر الوضع هكذا، سأغلق شركتي قريبًا.
دوليًا، تتابع العواصم الكبرى بقلق بالغ تطورات المشهد، خشية انزلاق الجارتين النوويتين إلى مواجهة عسكرية جديدة. وقال الباحث في مركز الأمن بجامعة ستانفورد، أرزان تارابور: مودي يواجه ضغوطًا داخلية للرد، لكن السؤال هو: هل سيكون ردًا محسوبًا؟ أم خطوة غير محسوبة قد تفجر صراعًا مفتوحًا؟.
في ظل غياب أي وساطة دولية فعّالة، واستمرار التصعيد اللفظي والسياسي، تبقى منطقة كشمير مرةً أخرى على حافة الانفجار، بينما تحبس المنطقة والعالم أنفاسهم في انتظار ما ستفعله نيودلهي وإسلام آباد في الساعات والأيام القادمة.
ضبط النفس
دعت الأمم المتحدة الهند وباكستان إلى ممارسة "أقصى درجات ضبط النفس" بعد يومين من تصاعد التوترات بين البلدين شملت تعليق تأشيرات وطرد دبلوماسيين وإغلاق الحدود، حيث تبادلت القوتان النوويتان إطلاق النار لفترة وجيزة في وقت مبكر صباح الجمعة.
وقال المسؤول في الشطر الباكستاني من كشمير سيد أشفق جيلاني بحسب وكالة فرانس برس الجمعة "وقع تبادل لإطلاق النار بين موقعين في وادي ليبا خلال الليل، ولم يتم استهداف السكان المدنيين والحياة مستمرّة والمدارس مفتوحة"، وأكد الجيش الهندي وقوع إطلاق النار بأسلحة صغيرة قائلا إن باكستان نفذته، وأنه "رد عليه بفعالية".