عملية بانو.. حلقة جديدة في تصاعد الإرهاب وإرهاق الأمن الباكستاني

الجمعة 25/أبريل/2025 - 10:54 م
طباعة عملية بانو.. حلقة محمد شعت
 
في تطور جديد ضمن سلسلة المواجهات المتكررة بين قوات الأمن الباكستانية والعناصر الإرهابية، أعلنت إدارة العلاقات العامة للجيش الباكستاني مقتل ستة إرهابيين على الأقل وإصابة أربعة آخرين خلال عملية استخباراتية نُفذت ليل 23 و24 أبريل 2025 في منطقة بانو بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي البلاد. العملية، التي استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة عن وجود عناصر من "الخوارج" في المنطقة، شهدت اشتباكًا مسلحًا عنيفًا بين الطرفين، انتهى بسيطرة قوات الأمن على الموقع وبدء عمليات تطهير واسعة.

وأكد البيان العسكري أن قوات الأمن "عازمة على اجتثاث خطر الإرهاب من جذوره"، مشيرًا إلى استمرار عمليات التفتيش والتمشيط في المنطقة تحسبًا لأي تواجد إضافي للعناصر المسلحة. هذه العملية، رغم نجاحها، تندرج ضمن مشهد أمني مضطرب تشهده باكستان منذ عدة أعوام، بلغ ذروته بعد عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان عام 2021.

تصاعد لافت للهجمات الإرهابية في باكستان

تشير البيانات الصادرة عن "معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن" (PICSS) إلى أن البلاد شهدت خلال شهر يناير 2025 وحده ارتفاعًا بنسبة 42% في معدل الهجمات الإرهابية مقارنة بالشهر السابق، في دلالة واضحة على التحديات الأمنية المتفاقمة. ووفقًا لهذه البيانات، تم تسجيل 74 هجومًا مسلحًا أسفر عن مقتل 91 شخصًا، من بينهم 35 من أفراد الأمن، و20 مدنيًا، و36 مسلحًا، إضافة إلى إصابة 117 آخرين.

وتظل مقاطعة خيبر بختونخوا – التي تضم مناطق جبلية وحدودية وعشائرية معقدة – هي الأكثر تضررًا من هذه الهجمات، تليها مقاطعة بلوشستان. ففي خيبر بختونخوا وحدها، نفذ المسلحون 27 هجومًا في المناطق السكنية، فيما شهدت المناطق القبلية التابعة للإقليم 19 هجومًا، مما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص، بينهم عدد كبير من أفراد قوات الأمن.

وبينما تُحمّل إسلام آباد مسؤولية تصاعد العنف لوجود ملاذات آمنة للمسلحين على الأراضي الأفغانية، فإن الواقع الأمني يكشف عن تعقيدات داخلية لا تقل أهمية، لعل أبرزها الثغرات الاستخباراتية، وطبيعة الجغرافيا التي تسهّل تحركات الجماعات المسلحة، إلى جانب الوضع السياسي الهش الذي يقلل من قدرة مؤسسات الدولة على فرض السيطرة الكاملة على المناطق المتوترة.

الأزمة مع الهند وتراجع تركيز الدولة على ملف الإرهاب

في خضم هذه التحديات، لا يمكن تجاهل تأثير التوتر المتصاعد مع الهند، خاصة بعد الهجوم الأخير في كشمير، والذي أدى إلى تجدد الاتهامات المتبادلة بين الجانبين، واستدعاء باكستان لسفيرها في نيودلهي للتشاور. هذه الأزمة السياسية – وإن بدت في ظاهرها منفصلة عن الملف الأمني الداخلي – تستهلك قدرًا كبيرًا من تركيز الحكومة والجيش الباكستاني، وتُشتّت الجهود المفترضة في مكافحة الإرهاب داخليًا.

التوترات على الحدود الشرقية مع الهند تدفع السلطات الباكستانية إلى تعزيز الانتشار العسكري هناك، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تقليص الموارد المخصصة لمراقبة الحدود الغربية مع أفغانستان، والتي تعد نقطة التسلل الرئيسية للجماعات المسلحة، وعلى رأسها حركة طالبان باكستان وتنظيم داعش خراسان.

ويخشى مراقبون من أن استمرار الأزمة مع الهند قد يسهم في تقليص التنسيق الأمني الداخلي، وزيادة الاعتماد على ردود الأفعال العسكرية بدلًا من وضع استراتيجيات أمنية شاملة، خاصة في ظل غياب توافق سياسي داخلي وتحديات اقتصادية خانقة تزيد من هشاشة الوضع الأمني.

تشابه مع عمليات سابقة واستمرارية التهديد

عملية بانو تذكّر بعمليات مشابهة نفذتها قوات الأمن الباكستانية خلال العام الماضي في مناطق القبائل والمناطق الحدودية، حيث غالبًا ما يتم القضاء على عدد من المسلحين في اشتباكات محدودة النطاق، دون أن يُحدث ذلك تراجعًا ملموسًا في وتيرة الهجمات. فعلى سبيل المثال، شهدت منطقة شمال وزيرستان في أغسطس 2024 عملية مشابهة أسفرت عن مقتل 12 مسلحًا، أعقبها بأيام هجوم انتحاري أودى بحياة ضابطين في الاستخبارات العسكرية.

هذا التكرار للعمليات العسكرية دون نجاح كامل في وقف تصاعد العنف يطرح تساؤلات حول نجاعة الحل الأمني وحده، ويؤكد الحاجة إلى تبنّي مقاربة شاملة تتضمن التنمية الاقتصادية، وإشراك المجتمعات المحلية، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، فضلًا عن تعزيز التعاون الإقليمي، خصوصًا مع أفغانستان، لضمان ضبط الحدود وقطع خطوط الإمداد والتمويل للجماعات الإرهابية.

في المحصلة، تبدو باكستان عالقة بين نارين: التحديات الأمنية الداخلية المتفاقمة، والنزاع السياسي المفتوح مع الجار الهندي، في وقت تمسّ فيه الحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية لتفادي الانزلاق نحو موجة أكثر دموية من الإرهاب المنظم.

شارك