باريس تُغازل الشرع.. عودة سوريا المشروطة إلى الخارطة الدولية
الخميس 08/مايو/2025 - 02:40 ص
طباعة

في تحول لافت على الساحة الدولية، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره السوري أحمد الشرع في قصر الإليزيه، في أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى أوروبا منذ الإطاحة ببشار الأسد نهاية العام الماضي.
اللقاء، الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، حمل في طياته رسائل سياسية واقتصادية ودبلوماسية تؤشر على مرحلة جديدة في العلاقة بين الغرب ودمشق، ولكن بشروط واضحة ومحددة.
وعود أوروبية مشروطة ومطالب بإنهاء العقوبات
خلال مؤتمر صحفي مشترك في باريس، أعلن ماكرون أنه سيدفع باتجاه مراجعة شاملة للعقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا منذ سنوات الحرب، مؤكداً أنه سيحثّ قادة الاتحاد الأوروبي على عدم تجديد العقوبات عند موعد تقييمها في يونيو المقبل.
وقال الرئيس الفرنسي: "أبلغت الرئيس الشرع أننا مستعدون لرفع العقوبات تدريجياً إذا استمرت حكومته على النهج الإصلاحي والتوافقي الذي بدأته."
وأضاف ماكرون أنه سيبذل جهوداً دبلوماسية لإقناع الولايات المتحدة باتباع المسار ذاته، معتبراً أن العقوبات الحالية أصبحت عبئاً على الشعب السوري، وليس فقط على الكيانات السياسية التي فُرضت عليها في العهد السابق.
أمل اقتصادي مقابل التزامات سياسية
زيارة الشرع، التي تمّت بعد حصوله على استثناء خاص من الأمم المتحدة رغم بقائه على قوائم العقوبات بسبب ارتباطه السابق بـ"هيئة تحرير الشام"، شكّلت اختراقاً دبلوماسياً مهماً لحكومته الانتقالية.
وتأتي في وقت تتكثف فيه الجهود الدولية لإعادة بناء سوريا، حيث قدّر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار بأكثر من 250 مليار دولار، في ظل اقتصاد منهك بعد 14 عاماً من الحرب.
وقال الشرع خلال اللقاء: "العقوبات فُرضت على نظام انتهى وسقط، واليوم لم تعد هناك ذريعة لبقائها. استمرارها يعني معاقبة الشعب السوري لا غير".
وأكد أن حكومته على استعداد للتعاون الكامل مع المجتمع الدولي لتثبيت الاستقرار وضمان وحدة الأراضي السورية.
دور فرنسي متصاعد ومحادثات حول الانسحاب الأمريكي
تأتي هذه المبادرة الفرنسية في وقت تشهد فيه السياسة الغربية تجاه سوريا إعادة تموضع واضحة. فبعد أن كانت باريس من أبرز داعمي المعارضة ضد نظام الأسد، ها هي اليوم تتصدر جهود إعادة التواصل مع السلطات الجديدة بقيادة الشرع.
وقد عينت فرنسا بالفعل قائماً بالأعمال في دمشق، في خطوة رمزية نحو إعادة فتح سفارتها المغلقة منذ أكثر من عقد.
وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن فرنسا تحاول أيضاً لعب دور الوسيط بين الحكومة السورية الجديدة والقوى الكردية في الشمال الشرقي، وسط توقعات بانسحاب جزئي للقوات الأمريكية من البلاد خلال الأشهر المقبلة.
وفي هذا السياق، قال ماكرون إنه يعمل مع واشنطن على وضع خطة متدرجة للانسحاب لا تؤثر سلباً على استقرار البلاد، محذراً من أن "انسحاباً مفاجئاً قد يُغرق سوريا في فوضى جديدة".
خلفية التغيير ومآلات المرحلة الانتقالية
الزيارة تأتي بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر، في أعقاب تحالف معارضات داخلية وخارجية مدعومة بضغوط اقتصادية وأمنية متصاعدة.
وتسعى الحكومة السورية الجديدة إلى كسب الاعتراف الدولي، وفتح مسارات الدعم السياسي والاقتصادي، خصوصاً في ظل العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا منذ سنوات.
وكانت واشنطن قد منحت في يناير إعفاءً جزئياً من بعض العقوبات لمدة ستة أشهر لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، فيما كشفت "رويترز" لاحقاً عن مفاوضات غير معلنة بين الإدارة الأمريكية والسلطات السورية الجديدة، تقضي برفع تدريجي للعقوبات مقابل تنفيذ سلسلة من الإصلاحات السياسية والأمنية.
الآفاق المستقبلية والرهانات الدولية
بحسب ما أكدته مصادر فرنسية مطلعة، فإن باريس تراهن على دور قيادي في إعادة رسم مستقبل سوريا، عبر دعم حكومة شرعية جديدة تتبنى مشروع دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتضمن تمثيل جميع مكونات الشعب السوري، بمن فيهم الأقليات الدينية والعرقية التي تعرضت لانتهاكات واسعة خلال السنوات الماضية.
كما شدد ماكرون على أهمية محاربة بقايا تنظيم "داعش"، وتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، في إشارة إلى رغبة بلاده في أن تكون شريكاً فاعلاً في إعادة الإعمار والاستقرار الإقليمي.