التحالف ضد الإرهاب.. زيارة ترامب للخليج وإعادة تشكيل الشراكة الأمنية في مواجهة التطرف
الثلاثاء 13/مايو/2025 - 01:15 ص
طباعة

في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية وتنامي أزمات المنطقة، تأتي زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر – بين 13 و16 مايو ، كخطوة استراتيجية ذات أبعاد أمنية وسياسية عميقة. وقد وصفها ترمب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض بأنها "زيارة تاريخية"، نظراً لما تحمله من رسائل واضحة تتعلق بإعادة بناء التحالفات الأميركية في الشرق الأوسط، لمواجهة التحديات الأمنية وعلى رأسها الإرهاب العابر للحدود.
توقيت بالغ الدقة
زيارة ترمب ليست مجرد تكرار لزيارته السابقة عام 2017، بل تأتي في وقت بالغ الحساسية، حيث المنطقة تغلي على وقع النزاعات المسلحة، من غزة إلى اليمن، ومن السودان إلى ليبيا، في حين تستغل التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" وامتداداتهما الإقليمية تلك الفوضى لتعيد بناء قواعدها في مناطق الصراع والفراغات الأمنية.
أهمية التوقيت تكمن أيضاً في تطورات المشهد الفلسطيني، حيث تشهد غزة عدواناً عسكرياً إسرائيلياً خلّف آلاف الضحايا، وأعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة التوترات الدولية، وسط خشية حقيقية من أن تؤدي هذه الأحداث إلى تغذية خطاب العنف، واستقطاب فئات جديدة نحو التطرف.
أجندة أمنية واستثمارية
بحسب بيانات البيت الأبيض، فإن أجندة زيارة ترمب تشمل سلسلة من الاجتماعات الثنائية مع قادة السعودية وقطر والإمارات، إضافة إلى مشاركته في منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي، ومحادثات مع رجال أعمال ومستثمرين، إلا أن ما يميز هذه الزيارة هو تركيزها غير المسبوق على الشق الأمني، في ظل تطورات عسكرية وأمنية حساسة تشهدها دول مثل اليمن ولبنان والسودان والعراق، إضافة إلى التهديد الإيراني المتواصل.
وقد أوضح المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، أن الملفات التي ستُطرح خلال اللقاءات تشمل "الأمن الإقليمي، والتعاون الدفاعي، ومواجهة الإرهاب، وحماية الممرات البحرية في البحر الأحمر، والتطورات في غزة وليبيا واليمن"، مؤكداً أن واشنطن "تسعى إلى شراكات قوية قادرة على التصدي للتطرف العابر للحدود".
مواجهة الإرهاب العابر للحدود
تشير تحليلات أمنية إلى أن المنطقة تمر بموجة جديدة من الإرهاب المعولم، تختلف عن مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، إذ باتت التنظيمات المتطرفة تعتمد على التكنولوجيا، والتمويل الإلكتروني، والدعاية عبر الإنترنت، وهو ما يفسّر تزايد الاهتمام بالملفات التكنولوجية خلال الزيارة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية، كما ظهر في اجتماع وزير الاتصالات السعودي عبد الله السواحة مع مستشار البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي ديفيد ساكس.
هذه الملفات لم تعد منفصلة عن مكافحة الإرهاب، بل صارت جزءاً من البنية الاستراتيجية لمواجهة الحروب الإلكترونية والتجنيد الإلكتروني للجماعات المتطرفة، لا سيما في المناطق التي تشهد هشاشة في البنية الحكومية مثل ليبيا والسودان.
التحالف الخليجي الأميركي وتجربة 2017
تعيد الزيارة التذكير بالتحالف الأمني والاقتصادي الذي تشكّل عام 2017، حين أطلق الرئيس ترمب، من العاصمة الرياض، مبادرة تشكيل "مركز محاربة الفكر المتطرف"، وهو ما لاقى ترحيباً خليجياً ودولياً، واعتُبر حينها خطوة غير مسبوقة نحو بناء تحالف شامل لمكافحة الإرهاب.
لكن السنوات التالية شهدت تحولات كبيرة، منها انسحاب واشنطن من بعض التزاماتها الإقليمية، وصعود التوترات الإقليمية، وتراجع فاعلية بعض التحالفات، مما يجعل زيارة ترمب الجديدة محاولة لإعادة ترميم هذا الحلف، وبثّ روح جديدة في العلاقة الاستراتيجية مع دول الخليج.
السعودية في قلب المعادلة الأمنية
تلعب المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في مواجهة الإرهاب، ليس فقط عبر جهودها الأمنية الصلبة، بل من خلال دعمها للمبادرات السياسية الهادفة إلى حل النزاعات الإقليمية التي غالباً ما تُمثّل بيئة خصبة للتطرف. وأشادت الخارجية الأميركية بالدور السعودي في استضافة مفاوضات أوكرانيا، وفي جهود تهدئة الأوضاع في السودان واليمن.
كما أشارت تصريحات المسؤولين الأميركيين إلى تقدير واشنطن لمبادرات السعودية في دعم الحلول السياسية للنزاعات، ودورها في استقرار أسواق الطاقة العالمية، وهي قضايا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمنظومة الأمن الإقليمي والدولي.
ملفات الصراع.. من غزة إلى السودان
تشير التصريحات الرسمية الأميركية إلى أن زيارة ترمب لن تغفل التطورات المتسارعة في غزة، حيث تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية، وسط تحذيرات من نشوء بيئة خصبة لتنامي الإرهاب مجدداً، خاصة في ظل انسداد أفق الحل السياسي، وتزايد الضغوط الإنسانية.
وفي السودان، تواصل ميليشيات مسلحة تقويض سلطة الدولة، بينما تحذر تقارير دولية من احتمال تحوّل مناطق النزاع هناك إلى ملاذات آمنة للجماعات المتطرفة، خصوصاً في ظل ضعف الرقابة الحدودية، وتهريب السلاح عبر الصحراء الكبرى إلى مناطق أخرى من إفريقيا والشرق الأوسط.
رسائل واضحة إلى طهران
الملف الإيراني حاضر بقوة في الأجندة الأميركية، حيث تعتبر واشنطن أن السلوك الإيراني في دعم ميليشيات مسلحة، كـ"حزب الله" في لبنان، و"الحوثيين" في اليمن، يشكل أحد أبرز مصادر عدم الاستقرار في المنطقة. وتشير المعطيات إلى أن تعزيز التعاون الدفاعي الخليجي – الأميركي سيكون أداة رئيسية لردع هذه التهديدات.
الاستثمار كأداة في مكافحة الإرهاب
لا تنفصل التنمية الاقتصادية عن الأمن، فواشنطن تسعى، عبر دعم برامج الاستثمار الضخمة في المنطقة، إلى تقويض جذور الإرهاب التي تتغذى على الفقر، والبطالة، والفراغ السياسي.
ومن هذا المنطلق، يمثل "منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي" منصة حيوية لدعم الشراكات الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة، التي تُسهم في توفير الفرص الاقتصادية المستدامة.
وقد كشفت مصادر رسمية عن توقيع عدد من الاتفاقيات الاستثمارية بين الشركات الأميركية والسعودية، تشمل قطاعات حيوية، مثل البنية التحتية والتقنيات الناشئة، في مسعى لتحويل التحديات الأمنية إلى فرص اقتصادية.
تحالف ضد التطرف
يري مراقبون بأن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الخليج تحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية، وتصبّ في صميم المعركة العالمية ضد الإرهاب، على أعتبار أن المنطقة التي تعيش على وقع أزمات متشابكة، تحتاج إلى تحالفات صلبة، واستراتيجيات ذكية، لا تقتصر على العمل الأمني التقليدي، بل تشمل التنمية، والتكنولوجيا، والسياسة.
واعتبر المراقبون أن زيارة زيارة ترمب تؤكد أن الولايات المتحدة عازمة على تجديد شراكاتها في الشرق الأوسط، وتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، لبناء جبهة موحدة قادرة على التصدي للإرهاب بأدوات متطورة تتناسب مع تهديدات القرن الحادي والعشرين.