مآذن المساجد تتحول إلى مصادر دخل.. الحوثي يتاجر بحرمة بيوت الله

الإثنين 30/يونيو/2025 - 01:05 م
طباعة مآذن المساجد تتحول فاطمة عبدالغني
 
شرعت ميليشيا الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء خلال الأيام الماضية في خطوة أثارت استياءً واسعًا بين السكان، تمثلت في تأجير مآذن عدد من المساجد لشركات تجارية متخصصة في تقديم خدمات الإنترنت، مقابل مبالغ مالية شهرية تستخدمها الجماعة لتمويل تحركاتها العسكرية، بحسب ما أكدته مصادر مطلعة وشهادات محلية.
 وتأتي هذه الخطوة في سياق استراتيجية حوثية ممنهجة لتحويل دور العبادة إلى أدوات استثمارية تخدم أجندتها العسكرية والاقتصادية، في تجاهل صارخ لحرمة المساجد ومكانتها الدينية في الوجدان اليمني العام.
وأفاد سكان محليون في أحياء متعددة من العاصمة، بينهم مديريات التحرير وشعوب والصافية وبني الحارث، بأنهم فوجئوا مؤخرًا بتركيب أجهزة بث خاصة بشبكات الإنترنت التجارية على مآذن عدد من المساجد تحت ذريعة "تحسين الخدمة"، في حين تشير المعطيات الواقعية إلى أن الخطوة لا علاقة لها بتحسين الخدمات، وإنما تندرج ضمن مشروع استثماري تم التخطيط له من قبل ما يسمى بـ"قطاع المساجد" التابع لهيئة الأوقاف الخاضعة للجماعة الحوثية. 
ووفقًا للمصادر التي نقلت عنها تقارير صحفية، فقد تم توقيع اتفاقات وصفت بـ"المشبوهة" بين الجماعة وملاك الشبكات، تنص على تأجير المآذن بمبالغ شهرية تتراوح ما بين 100 و250 دولاراً، مع منح الأولوية في التأجير للمستثمرين الموالين للجماعة.
وقد شملت عملية التأجير حتى الآن مآذن مساجد بارزة في صنعاء، من بينها مسجد "حنظل" في مديرية التحرير، و"الجامع الكبير" في الروضة، وجامع "التوبة" بشعوب، ومسجد "الدعوة" في الصافية، وسط مخاوف من تعميم هذه التجربة على بقية المساجد الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. 
وأعرب عدد كبير من السكان عن غضبهم العارم تجاه هذه الممارسات، مؤكدين أن تحويل مآذن المساجد إلى أبراج بث تجارية يمثل إهانة فادحة لحرمة بيوت الله وتعديًا فاضحًا على الطابع الديني والمعماري لهذه المنشآت، التي لطالما كانت رمزًا للسكينة والعبادة في المجتمع اليمني.
ولم تقتصر هذه التجاوزات على تأجير المآذن فقط، بل تأتي في إطار سلسلة طويلة من الانتهاكات الحوثية الممنهجة بحق المؤسسات الدينية في صنعاء ومناطق أخرى، فقد سبق للجماعة أن استولت على أرضية مسجد "أبو بكر الصديق" في الحي السياسي وحولتها إلى مشروع تجاري خاص بها، كما أقامت محلات تجارية في باحة مسجد "الفردوس"، وأقدمت على هدم مسجد "النهرين" الأثري في صنعاء القديمة المدرج ضمن قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو، بغرض بناء مشروع استثماري مكانه. 
هذا إلى جانب فرضها خطباء موالين يحملون خطابًا طائفيًا، وإغلاق عدد من المساجد أو تحويلها إلى أماكن لتنظيم فعاليات دعائية، أو حتى مجالس لتعاطي القات في بعض الحالات، وهو ما ينسف الغاية الحقيقية من إقامة المساجد.
وفي السياق ذاته، تواصل الجماعة نهجها في استغلال الأصول العامة في العاصمة، إذ لجأت إلى تأجير أسطح المدارس والمقرات الحكومية والحدائق العامة وشوارع رئيسية في صنعاء لمستثمرين محسوبين عليها، بهدف تحويلها إلى مصادر دخل تستخدمها الجماعة لتمويل أنشطتها العسكرية والأمنية، وهو ما يُعد امتدادًا واضحًا لممارساتها الرامية إلى خصخصة مقدرات الدولة لحساب المشروع الحوثي الخاص، دون أي اعتبار للمصلحة العامة أو القيم المجتمعية.
ويؤكد مراقبون أن هذه الانتهاكات تكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية والقانونية التي تعيشها الجماعة الحوثية، إذ لم تكتفِ بالاستيلاء على مؤسسات الدولة ومصادرة الحريات العامة، بل تجاوزت ذلك إلى العبث بأقدس المؤسسات الدينية، وتحويلها إلى أدوات ربحية في ظل ظروف اقتصادية متدهورة يعيشها المواطن اليمني.
 ويرى المراقبون أن تأجير مآذن المساجد يمثل شكلاً فجًا من المتاجرة بالمقدسات، وانعكاسًا لحالة الانفصام بين الشعارات الدينية التي ترفعها الجماعة، وممارساتها الواقعية التي تنتهك أبسط القيم الدينية والأخلاقية.
كما يشدد هؤلاء المراقبون على أن استمرار هذه السياسات قد يفضي إلى انهيار المنظومة القيمية والدينية في المجتمع اليمني، ما لم يتم التحرك العاجل من قبل الجهات الدينية المستقلة والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، لوقف هذه الانتهاكات وتوثيقها، ومساءلة المسؤولين عنها أمام هيئات العدالة المحلية والدولية، فالصمت حيال هذا النوع من الجرائم يُعد مشاركة ضمنية في انتهاك قدسية دور العبادة وتحويلها إلى أدوات لتمويل الحرب وتأجيج النزاعات.

شارك