في ظل التصعيد.. حزب باكستاني يقترح شراكة مع الهند لمواجهة الإرهاب

الأربعاء 02/يوليو/2025 - 05:17 م
طباعة في ظل التصعيد.. حزب محمد شعت
 

رغم التصعيد المستمر في الخطاب الرسمي الباكستاني ضد الهند، والاتهامات المتكررة لها برعاية ودعم الإرهاب، خصوصًا في إقليم بلوشستان وشمال وزيرستان، برزت في الساحة السياسية الباكستانية أصوات حزبية تدعو إلى تبني نهج مغاير يقوم على الحوار والتعاون، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف. وجاءت أبرز هذه الدعوات من رئيس حزب الشعب الباكستاني، بيلاوال بوتو زرداري، الذي طرح رؤية بديلة قائمة على المصالحة الإقليمية والشراكة الأمنية مع نيودلهي، في واحدة من أكثر التصريحات الحزبية جرأةً خلال الأشهر الأخيرة.

 

في كلمته خلال ندوة عقدت مؤخرًا في العاصمة إسلام آباد تحت عنوان "باكستان: حصن ضد الإرهاب"، قال بيلاوال إن الوقت قد حان للهند وباكستان "لبناء شراكة تاريخية وعظيمة" من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف بشكل مشترك، داعيًا القيادة الهندية إلى التخلي عن موقف المواجهة والانخراط في حوار هادف من أجل السلام والاستقرار في جنوب آسيا. وأضاف: "دعونا لا نتصرف كمنافسين، بل كجيران تقع على عاتقهم مسؤولية حماية حياة أكثر من مليار إنسان في هذه المنطقة."

 

جاءت هذه التصريحات في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين توترًا متجددًا، إثر اتهامات وجهتها نيودلهي لإسلام آباد بالتورط في هجوم دموي وقع في منطقة جامو وكشمير أسفر عن مقتل 26 مدنيًا، وهو الاتهام الذي نفت الحكومة الباكستانية صحته واعتبرته محاولة لتغطية على السياسات القمعية الهندية في الإقليم المتنازع عليه. كما تصاعد التوتر بعد قرار الهند في أبريل/نيسان الماضي تعليق مشاركتها في معاهدة مياه نهر السند، وهي خطوة اعتبرتها باكستان تهديدًا صريحًا لأمنها المائي وانتهاكًا للاتفاقية الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة منذ عام 1960.

 

شراكة تاريخية

ورغم هذه المؤشرات السلبية في العلاقات الثنائية، حرص بيلاوال على الدعوة لإنهاء "تسليح المياه"، في إشارة مباشرة إلى القرار الهندي الأخير، قائلاً: "دعونا نضع حدًا لاستخدام المياه كسلاح، ونبني بدلاً من ذلك سلامًا قويًا كجبال الهيمالايا." وأردف قائلاً: "دعونا نعود إلى جذورنا المشتركة، إلى حضارة وادي السند، لا إلى الكراهية والنزاعات."

 

وفي خطوة حملت رسالة مزدوجة للداخل والخارج، سعى بيلاوال إلى تقديم باكستان كنموذج ناجح في مكافحة الإرهاب يمكن للدول الأخرى أن تستفيد منه، بما في ذلك الهند نفسها. وأوضح قائلاً: "تعالوا تدربوا معنا. تعالوا تعلموا من باكستان. لقد خضنا أوسع معركة ضد الإرهاب، جيلًا بعد جيل. قواتنا المسلحة، شرطتنا، قواتنا الخاصة… كلها تمتلك خبرات ميدانية لا مثيل لها." كما شدد على أهمية قاعدة البيانات الباكستانية الخاصة بمكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى أنها من بين الأغنى عالميًا، ويمكن أن تكون موردًا ثمينًا لأي دولة تسعى لفهم الظاهرة ومواجهتها بفعالية.

 

كما دعا بيلاوال إلى تجاوز منطق الهيمنة الهندية، قائلًا: "كل ما يتطلبه الأمر هو أن تتخلى القيادة الهندية عن هيمنتها التي تدفع جمهوريتها نحو الهاوية. اسعَ إلى السلام مع باكستان. اجلس معنا. تحدث معنا. دعونا نحل نزاع كشمير بما يتوافق مع تطلعات شعبه." وختم رؤيته بدعوة مباشرة إلى الشراكة بديلًا عن التصورات العدائية: "ليس مدُّ اليد ضعفًا، بل حكمة."

 

 

دعوات تصطدم بالواقع السياسي

 

من وجهة نظر تحليلية، لا يمكن فصل تصريحات بيلاوال عن السياق السياسي الداخلي في باكستان، خصوصًا في ظل المنافسة بين الأحزاب الرئيسية على كسب ثقة الشارع الباكستاني في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. إلا أن طبيعة الدعوة التي أطلقها رئيس حزب الشعب تحمل أبعادًا إقليمية أوسع، حيث تفتح الباب أمام إعادة النظر في أسس العلاقات بين باكستان والهند، بعيدًا عن منطق التصعيد العسكري والسياسي الذي خيّم على علاقة البلدين منذ عقود، خاصة بعد إلغاء نيودلهي الحكم الذاتي لإقليم كشمير في عام 2019.

 

لكن تظل جدوى هذه الدعوات محل تساؤل في ظل غياب أي مؤشرات فعلية على استجابة الجانب الهندي، الذي لا يزال يعتمد خطابًا متشددًا تجاه إسلام آباد، ويتهمها مرارًا بتأمين ملاذات آمنة لجماعات مسلحة تنشط على الأراضي الباكستانية. كما أن موقف المؤسسة العسكرية الباكستانية، التي تُعد اللاعب الأقوى في تقرير السياسة الخارجية والأمنية، لا يبدو مرحّبًا حتى الآن بأي انفتاح تجاه نيودلهي دون تنازلات جوهرية منها، وعلى رأسها إنهاء العمليات في كشمير والعودة إلى الالتزام باتفاقيات المياه.

 

رغم ذلك، فإن أهمية هذه الدعوات تكمن في كونها تكسر حلقة الجمود الدبلوماسي، وتعيد إدراج خيار الحوار على الطاولة، ولو على المستوى الحزبي والشعبي. كما تتيح هذه المبادرات للحكومة الباكستانية هامشًا جديدًا للمناورة أمام المجتمع الدولي، خاصة إذا قررت الاستثمار في صورتها كدولة ملتزمة بمحاربة الإرهاب وتسعى لبناء علاقات إقليمية مستقرة.

 

باختصار، لا يمكن إنكار أن تصريحات بيلاوال بوتو زرداري تعكس رؤية مغايرة تبتعد عن التقليد الصدامي في الخطاب الباكستاني تجاه الهند، لكنها في المقابل تصطدم بعقبات بنيوية تتعلق بمواقف الدولة العميقة في البلدين، وحجم انعدام الثقة المتراكم على مدى عقود. ومع ذلك، فإن إطلاق هذه الدعوة من أحد أبرز وجوه المعارضة الباكستانية يُعد خطوة رمزية مهمة قد تمهّد – ولو ببطء – لإعادة التفكير في شكل العلاقة المستقبلية بين البلدين النوويين.

 

 

 

شارك