تفجير المنازل سلاح الحوثيين لترهيب المعارضين في 17 محافظة
الأحد 06/يوليو/2025 - 12:27 م
طباعة

في أحدث تقاريرها الصادرة كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات عن جانب خطير من ممارسات مليشيات الحوثي بحق الممتلكات العامة والخاصة في اليمن، تحت عنوان "تفجير المنازل.. غريزة إرهابية مستمرة لدى مليشيات الحوثي"، حيث وثقت من خلال فريقها الميداني (1232) عملية تفجير طالت منازل ومرافق مدنية وتعليمية ودينية وتجارية في أنحاء متفرقة من البلاد، وذلك منذ اجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وحتى 1 مارس 2025.
هذا التقرير يعيد تسليط الضوء على نمط متصاعد من الانتهاكات التي تندرج تحت جرائم الحرب، وتشكّل اعتداءً ممنهجًا على النسيج الاجتماعي اليمني، ومؤشرًا على تصاعد الطبيعة الانتقامية للمليشيا المدعومة من إيران تجاه كل من يرفض مشروعها الطائفي والانقلابي.
وبحسب التقرير فقد تركزت عمليات التفجير على المنازل السكنية التي بلغت (987) منزلاً من أصل إجمالي (1232) منشأة مستهدفة، بما يعادل 80% من مجموع الحالات، وهو ما يكشف عن استهداف مباشر للمدنيين العُزّل ومساكنهم، كما طالت هذه الجرائم (76) مسجداً ودوراً لتحفيظ القرآن الكريم، ما يشير إلى استهداف دور العبادة ومحاولة فرض نمط عقائدي خاص على حساب التنوع الديني والمذهبي في البلاد، ولم تسلم المرافق التعليمية من تلك الأعمال الإرهابية، إذ سجل التقرير تفجير (39) مدرسة ومرفقاً تعليمياً، إلى جانب (9) مرافق صحية، و(4) معالم أثرية، و(29) مبنى حكومياً، و(18) مقراً حزبياً، فضلاً عن (63) مزرعة وبئر ماء، و(156) جسراً وطريقاً عاماً، كما شملت الانتهاكات (37) مركزاً ومحلاً تجارياً، ما يشير إلى نزعة عدائية نحو البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية.
فيما توزعت هذه الانتهاكات على نطاق جغرافي واسع شمل 17 محافظة يمنية، كان أبرزها محافظة تعز التي احتلت الصدارة بتسجيل (181) حالة تفجير، تلتها محافظة البيضاء بـ(132) حالة، ثم محافظة إب بـ(120) حالة، تليها صنعاء وأمانة العاصمة بمعدل (74) حالة، ومأرب بـ(62) حالة، والحديدة بـ(52) حالة، كما سُجّلت (37) حالة تفجير في صعدة، و(31) في حجة، و(39) في الضالع، و(23) في الجوف، في حين توزعت باقي الحالات بنسب متفاوتة على محافظات عدن، ولحج، وشبوة، وأبين، وذمار، وريمة، ورغم صعوبة الوصول إلى بعض المناطق، فقد تمكن فريق الرصد التابع للشبكة من جمع هذه البيانات وسط بيئة أمنية شديدة الخطورة، نتيجة استمرار المواجهات والنزاع المسلح، ما يجعل التقرير من أبرز الوثائق الحقوقية الميدانية المعنية بتوثيق جرائم الحرب في اليمن.
وتؤكد المعطيات التي أوردها التقرير أن عمليات التفجير لم تكن نتيجة معارك أو ملاحقات عسكرية، بل جاءت في سياق العقاب الجماعي، واستُخدمت كسلاح للترهيب وتصفية الحسابات ضد المعارضين، سواء من المدنيين أو من النخب الاجتماعية والقبلية والسياسية المناهضة للمليشيا. ويعزز هذا النمط من الانتهاكات التوصيف القانوني لهذه الأعمال باعتبارها جرائم إرهابية ترتكب خارج نطاق القانون، وخرقًا سافرًا لاتفاقيات جنيف، خاصة المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر تدمير ممتلكات الأفراد أو الجماعات دون مبرر عسكري.
ويرى المراقبون أن هذا التقرير يعيد طرح ملف الجرائم الحوثية على طاولة النقاش الدولي، ويكشف عن الفشل المستمر للمجتمع الدولي في ردع المليشيا أو تحميلها أي تبعات قانونية أو سياسية، فالكمّ الكبير من المنشآت التي جرى تفجيرها، والطبيعة الانتقائية لهذه العمليات، تضع المليشيا ضمن خانة التنظيمات الإرهابية التي لا تختلف في سلوكها عن الجماعات المتطرفة الأخرى، كما أن استهداف المساجد والمدارس والمراكز الصحية، إلى جانب المرافق الحكومية والمعالم الأثرية، يشير إلى محاولة ممنهجة لطمس هوية الدولة اليمنية، وضرب بنيتها المؤسسية، في سبيل إحلال نظام شمولي قمعي بديل.
وحذّر المراقبون من أن استمرار هذه الجرائم بلا محاسبة يُعد تواطؤاً دولياً غير مباشر، ويشكّل رسالة سلبية للضحايا وذويهم، الذين فقدوا منازلهم وأمانهم الاجتماعي دون وجود أي أفق للعدالة، كما أشاروا إلى أن استهداف البنية التعليمية والدينية ينطوي على بعد أيديولوجي خطير، يسعى إلى فرض هوية دينية وسياسية معينة، من خلال الإخضاع بالقوة والتدمير الممنهج لكل ما يتعارض مع مشروع الجماعة، ويرى البعض أن هذا السلوك الدموي والمتكرر لا يمكن فصله عن التأثير الإيراني الأيديولوجي والعسكري على قيادة المليشيا، التي تتبنى نهجاً طائفياً واضحاً ومستورداً من نموذج الحرس الثوري الإيراني في التعامل مع المجتمعات المحلية.
وفي ضوء هذه النتائج الكارثية، تطالب الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الأمم المتحدة، والمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، وكافة الهيئات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، بإدانة صريحة لهذه الجرائم، والتحرك العاجل لحماية المدنيين وممتلكاتهم، ومحاسبة المسؤولين عنها.
كما دعت إلى إدراج هذه الانتهاكات ضمن جرائم الحرب، وفتح تحقيق دولي مستقل وشامل، يفضي إلى تقديم المتورطين إلى العدالة، باعتبارهم مجرمي حرب، كما شددت الشبكة على ضرورة إنشاء صندوق تعويضات حكومي ودولي خاص بالمتضررين من تفجير المساكن، وإعادة بناء المنشآت المدمرة، بما يحقق جزءاً من العدالة الانتقالية التي يتطلع إليها ملايين اليمنيين، لقد أصبح السكوت عن هذه الجرائم أشبه بإضفاء الشرعية على إرهاب يتغذى على الصمت ويتمدّد في ظل غياب المحاسبة.