رجب طيب أردوغان.. المتحول
الإثنين 19/سبتمبر/2022 - 08:00 ص
طباعة
هاني دانيال
عبد الله جول
رجب طيب أردوغان الرئيس التركي الحالي، ورئيس وزراء تركيا خلال الفترة من مارس 2003 إلى أغسطس 2014،وعضو حزب العدالة والتنمية الذي يملك غالبية مقاعد البرلمان التركي، وسبق أن كان عمدة اسطنبول في الفترة من 1994 إلى 1998.
انضم أردوغان الذى ولد في 26 فبراير 1954 إلى حزب الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين أربكان في نهاية السبعينيات، ومع الانقلاب العسكري في 1980 تم إلغاء جميع الأحزاب، حتى عادت الحياة الحزبية من جديد عام 1983 وعاد نشاط أردوغان من خلال حزب الرفاه، خاصةً في محافظة إسطنبول، وفى 1994 رشح حزب الرفاه أردوغان إلى منصب عمدة إسطنبول، واستطاع أن يفوز في هذه الانتخابات خاصةً مع حصول حزب الرفاه في هذه الانتخابات على عدد كبير من المقاعد.
وفى عام 1998 اتهُم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية تسببت في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري، حتى خاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية عام 2002 وحصل على 363 نائبًا، مشكلا بذلك أغلبية ساحقة، ولم يتمكن أردوغان من ترأس حكومته بسبب تبعات سجنه وقام بتلك المهمة عبد الله جول، وفى مارس 2003 تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه.
ويرى مراقبون أن استبداد أردوغان في تزايد وخاصة في السنوات الأخيرة، بالرغم من محاولات إلهاء المواطنين بخطب وادعاءات كاذبة، والحديث عن المؤامرة، وبلغت ذروة الاتهامات في يونيه 2013 على خلفية مظاهرات جيزي بارك، وقمع الشرطة ضد المتظاهرين.
ويسعى أردوغان للتخلص من قضايا الفساد والرشوة التي طالته هو وأفراد من أسرته وبعض أعضاء الحكومة إبان فترة رئاسته للوزراء؛ كما يحاول فرض سيطرته وحكم البلاد بقبضة حديدية.
الشرطة التركية
من جانبها اعتبرت صحيفة الفاينانشيال تايمز إن السلطة التي يمارسها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انتقصت من سمعة تركيا في العالم، وأن أردوغان يحول تركيا إلى دولة استبدادية مبنية حول شخصه، مع تآكل الحرية الديمقراطية والتعددية في البلاد وتقويض الإعلام وسحق المعارضة، فضلا عن تقييد القضاء المستقل، واعتبرت انه منذ عام 2011، قام أردوغان، الذى يترأس حزب العدالة والتنمية الإسلامي، باتخاذ العديد من الإجراءات لكبح الحريات العامة حتى أصبح من الصعب إحصاؤها.
فهناك مشروع قانون سيتم تقديمه للبرلمان التركي في الأيام القليلة المقبلة، يعطى الشرطة مزيدًا من السلطات الجديدة، مما يثير قلقًا عارمًا، والقانون المقترح من شأنه أن يوسع صلاحيات الشرطة التركية، فيما يتعلق باستخدام الأسلحة النارية والسماح وتفتيش الأفراد والسيارات من دون الحصول على إذن محكمة، كما باستطاعتهم توقيف أي شخص لمدة 48 ساعة دون الحصول على إذن مسبق من المدعى العام.. وبموجب القانون يواجه المتظاهرون الذين يغطون وجوههم خلال التظاهرات العنيفة عقوبة السجن لمدة 4 أعوام.
كما يري متابعون أن استبداد أردوغان يخاطر، فوق كل شىء، بتقويض آفاق الاقتصاد التركي على المدى الطويل، كما أن أردوغان يظهر القليل من التريث وضبط النفس وهو يحول تركيا إلى دولة استبدادية مبنية حول شخصه، فعلى مدى السنوات الأخيرة، قلص أردوغان الحرية الديمقراطية والتعددية في بلده، بتقييد وسائل الإعلام وتضييق الخناق على المتظاهرين وتقويض السلطة القضائية المستقلة.
الكاتب التركي ياوز بايدار
من جانبه انتقد الكاتب التركي ياوز بايدار قمع الحريات وانتهاك الحقوق والممارسات التعسفية التي ينتهجها نظام رجب طيب أردوغان بحق كل من يتجرأ على التعبير عن رأيه وانتقاد حكومة حزب العدالة والتنمية التي ينخر فيها الفساد وعمليات الاختلاس، إلى جانب تورطه في دعم التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق وتسهيله تسلل آلاف الإرهابيين عبر الأراضي التركية إلى سورية فإن نظام أردوغان غارق في فضائح الفساد والرشاوى التي طالت كبار المسئولين في حكومته.
ولفت بايدار إلى استشراء ظاهرة الفساد وممارسات المحسوبية والاختلاس والتهرب من القانون في أروقة حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي يعتبر كل من يسائله أو ينتقده بأنهم خونة وأعداء وانقلابيون، وفي إشارة إلى الانتهاكات التي يرتكبها نظام أردوغان بحق معارضيه من خلال حملات الاعتقالات والمداهمات التي طالت المحتجين والصحفيين ووسائل الإعلام التركية أوضح بايدار أنه يوجد في نظام أردوغان حاليا بنية تسعى للقضاء على كل من ينتقدها انتقادا قانونيا وديمقراطيا عن طريق اتهامه بمحاولة الانقلاب عليها ولا تكف عن حرمان الناس من استخدام حقوق التعبير والاجتماع والتظاهر بنفس الحجة السخيفة، وتريد أن تقول بلسان حالها وأفعالها ليكن في علم الجميع أنني وصلت إلى سدة الحكم ولن أتنحى عنه بسهولة”ولاحظ متابعون أن نظام أردوغان يشن مؤخرًا حملة واسعة ضد معارضيه وداهمت الشرطة التركية وسائل الإعلام التي تنتقد سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية، واعتقلت عددًا من الصحفيين وممثلي الإعلام في تركيا، وفي هذا السياق أكد بايدار أن الإعلام الموالي لنظام أردوغان يفعل ما بوسعه دون مراعاة لأي قيمة من القيم الأخلاقية وهو يتبع كل الوسائل غير الأخلاقية بما يخدم نظام أردوغان وحكومته مبينا أن هذا النهج الخطير تحول إلى "جرثومة مدمرة" ومخيفة لدرجة انها ستجعل حزب العدالة والتنمية ينهار بعد تآكله من الداخل بسرعة.
زيارة مصر وأزمة العلمانية:
اردوغان مع الإعلامية منى الشاذلي
في نهاية 2011 زار أردوغان مصر، واستقبله عدد كبير من جماعة الاخوان المسلمين، وكان لافتاً للنظر أنهم عندما اصطفوا في مطار القاهرة لتحيته، رفعوا لافتات تدعوه إلى إقامة الخلافة الإسلامية، ولكنه تجاهل الحديث عن تلك القضية في مقابل الإشادة بالعلمانية التركية ودعوة الشعب المصري إلى إقامة جمهوريتهم الجديدة على أسس علمانية.
وفى حواره مع الإعلامية منى الشاذلي أكد أردوغان أن مصر في مرحلة التحول التي تعيشها الآن ستأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، ومصر التي تسعى إلى الديمقراطية سترى أن العلمانية هي الضمان لكل مواطن كي يعيش دينه بكل حرية، وليست دعوة إلى الإلحاد أو الابتعاد عن الدين، على مصر أن تدرك هذه الحقيقة وألا تخشى من هذه التجربة وألا تتردد، وعلى من سيعمل على اعداد الدستور أن ينتبه الى هذا الامر و أن يضمن ذلك و أن يذكر بوضوح أن الدولة هي من يضمن حرية الدين و الاعتقاد و العبادة لجميع المواطنين على اختلافها، مشيرًا إلى أنه من المهم أن يتناول المثقفون و السياسيون بالنقاش موضوع العلمانية من هذه الزاوية وأن تصبح مصر دولة علمانية تسد ما في العلمانية التركية من فجوات وهفوات، و بذلك يعيش الشعب المصري في راحة بال.
إلا انه سرعان ما هاجمه قيادات الاخوان، ورفضوا هذه الشعارات التي لا تتوافق مع المجتمع المصري، واعتبروا أن دعوته لإقامة مصر على أسس علمانية بمثابة تدخل خارجي في الشؤون المصرية، وانتقدوا ما وصفوه بـ"محاولة تركيا الهيمنة على المنطقة العربية"، وكان مشهد وداعه الذي خلا من الوجوه المتزعمة أو المنتمية إلى التيار الإسلامي، يتناقض تماماً مع مشهد الاستقبال الحار.
اردوغان ومرسي
ولكن ظلت العلاقات قوية بين جماعة الاخوان وأردوغان، وخاصة بعد وصول محمد مرسي لرئاسة الجمهورية في يونيو 2012، حتى عمل بشتى الطرق على مهاجمة مصر والجيش عقب الإطاحة بمحمد مرسي في ثورة 30 يونيه، وكان أول من يرفع إشارة "رابعة" تضامنًا مع اعتصام الإخوان المسلمين في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وما تلاها من خطابات محرضة ضد مصر والجيش في مختلف المناسبات والفعاليات التي يتواجد بها، حتى تسبب في ازمة كبيرة بين مصر وتركيا على المستوى السياسي والاقتصادى.
كما تشير كثير من التقارير إلى دعم تركيا إلى الجماعات والميليشيات الارهابية في الشرق الأوسط، وزيادة هذا الدعم بعد ثورات الربيع العربي، وانتقال المقاتلين الاجانب والانضمام إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي عبر الأراضي التركية إلى داخل سوريا والعراق، وكذلك دعم الميليشيات الارهابية في ليبيا، واستضافة قيادات جماعة الاخوان المحرضين على العنف داخل تركيا، وبث قنوات فضائية تعمل على نشر العنف والحض على الكراهية ضد الجيش والنظام المصري الحالي من داخل تركيا.
انقلاب 15 يوليو 2016
شهدت تركيا في 15 يوليو 2016 محاولة انقلاب فاشلة ضد اردوغان مما أدى إلى دخول تركيا في نفق مظلم نتيجة لسياسته الانتقامية والمتلونة.
حيث قامت مجموعة من الجيش التركي بمحاولة الانقلاب العسكري وإسقاط حكومة العدالة والتنمية، وسيطرت مؤقتا على محطة التلفزيون TRT الاولى وأعلنت تسلمها لزمام الحكم وفرض حالة الطوارئ، حتى ظهر الرئيس أردوغان عبر الهاتف ودعا الشعب للتظاهر ضد الإنقلاب، فخرج الشعب في مظاهرات حاشدة، وقاموا بالقبض على مجموعة من قادة الانقلاب وفشل الإنقلاب في أقل من ثمانية ساعات وتم القبض على المشاركين به، وأعلنت عدد من الأحزاب السياسية رفضها لللانقلاب.
واستغل اردوغان الفرصة ومنح المخابرات والشرطة سلطات واسعة للقبض على الالاف واعتقالهم بزعم وقوفهم خلف الانقلاب، ومحاكمة الكثيرين منهم، واستغلال نفوذه بشكل غير متوقع فى اتهام فتح الله جولن زعيم حركة "خدمة" بترتيب الانقلاب وملاحقته بالخارج، وعدم الاهتمام بالانتقادات الدولية بشأن انتهاك تركيا لحقوق الانسان ومعاملة المعتقلين بشكل سيء.
تعديل الدستور:
وكنتيجة لاستغلال اردوغان لمحاولة الانقلاب الفاشلة فى بسط نفوذه داخل تركيا، شرع حزب العدالة والتنمية توسيع صلاحيات الرئيس، والتحول إلى النظام الرئاسي بدلا من الجمهوري، ومن المنتظر اجراء استفتاء شعبي فى ابريل المقبل على هذه التعديلات.
خلافات مع اوروبا
فى إطار محاولة اردوغان لاستغلال التعديلات الدستورية ومحاولة تنظيم عدد من التحركات الجماهيرية فى أوروبا واستعراض عضلاته، رفضت هولندة والمانيا والسويد والنمسا تنظيم تجمعات انتخابية تركية دعاية للتعديلات الدستورية، وهو ما وسع من الفجوة بين أنقرة وأوروبا.
وزاد التوتر بين تركيا وهولندا برفض دخول وزير خارجية تركيا أراضيها، أنقرة من جانبها توعدت أمستردام بـ "عواقب وخيمة" واتخذت على الفور عدة إجراءات دبلوماسية ضد هولندا، التي منعت وزيرة تركية من دخول قنصلية بلادها.
وأثار رفض أمستردام دخول وزير الخارجية التركي غضب الرئيس التركي أردوغان، الذي وصف موقف هولندا بـ "بقايا من النازية. هؤلاء هم فاشيون"، ومضى يقول: "امنعوا وزير خارجيتنا من القدوم قدر ما تشاؤون، من الآن فصاعداً كيف ستهبط رحلاتكم في تركيا". ألمح أردوغان إلى أن تركيا سترد من خلال منع مسؤولين هولنديين من القدوم إلى أراضيها، ولكنها لن تمنع "زيارات المواطنين" الهولنديين.
من جانبه أعتبر رئيس الوزراء الهولندي مارك روته تصريح أردوغان بأنه "أسلوب غير مقبول" و"مجنون".