تأسيس التيار السلفي للإصلاح السياسي.. هل ينقذ المغرب من براثن التشدد؟

الثلاثاء 10/نوفمبر/2015 - 08:53 م
طباعة تأسيس التيار السلفي
 
يصدر السلفيون المغاربة - كما هو الشأن بالنسبة لنظرائهم في مختلف أنحاء العالم - عن أيديولوجية واضحة تتلخص في عقيدة التوحيد ، والتي تضع كهدف نهائي تجريد الأشخاص والأشياء والأفكار من صفة القدسية ، وإعادة توظيف العاطفة الدينية في أشكال محددة بدقة يعتبرها السلفيون ترجمة صحيحة للتعاليم الإسلامية الأصلية .
ومع اعتزام سلفيون مغاربة افرج عنهم أخيرا بمقتضى عفو ملكي، تأسيس تنظيم جديد أطلقوا عليه اسم "التيار السلفي للإصلاح السياسي" في 11 نوفمبر 2015، وهي المبادرة الأولى من نوعها في المغرب، وتهدف إلى ضم عدد من السلفيين الذين سبق أن أدينوا في قضايا الإرهاب في تنظيم خاص بهم ، وذلك بعد ان راجعوا افكارهم واعلنوا نبذ العنف والتطرف وتكفير المجتمع.

التيار الإصلاحي:

التيار الإصلاحي:
ويطلق شيوخ السلفية، ومن ضمنهم المفرج عنهم في 6 نوفمبر 2015، جناحا دعويا لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، التي يتزعمها عبد الصمد عرشان.
يعد "التيار السلفي للإصلاح السياسي"، تجميعًا لعدد من السلفيين التائبين، حيث جرى الترويج للتيار السلفي الاصلاحي داخل السجون منذ سنوات، واستطاع استقطاب عدد كبير من المعتقلين المتشددين الذين عبروا عن رغبتهم في الالتحاق بالتيار المتشدد الجديد بمجرد الإفراج عنهم وقدر عددهم بـ 400 معتقل، بيد أن هناك من يرى ان المعتقلين المتشددين "خليط غير متجانس" من الافكار والمرجعيات، وبالتالي فان اعلانهم الالتحاق بالتيار لا يعبر سوى عن توقهم مغادرة السجون والاستفادة من العفو.
وقال عبد الكريم الشاذلي، أحد أبرز شيوخ السلفية والذي التحق بحزب عرشان، أن الإعلان عن تأسيس “التيار السلفي للإصلاح السياسي” سيكون يوم 11 نوفمبر الجاري، في مدينة فاس.
عبد الكريم الشاذلي، أوضح أن هذا التيار يعتبر جناحا دعويا لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعي، وسيعمل على المستوى السياسي والحقوقي والسياسي.
الشاذلي كشف أيضا أنه، بالتزامن مع إعلان تأسيسي التيار، سيعلن عن الاندماج في صفوف حزب النخلة.

المؤسس:

المؤسس:
والشيخ عبد الكريم الشاذلي؛ الذي اعتقل بعد تفجيرات الدار البيضاء الارهابية عام 2003 وحكم عليه بـ30 سنة سجنا نافذا ، وأُفرج عنه بعفو ملكي عام 2011 بعد أن قضى 8 سنوات في السجن.
الشاذلي الذي سيقود التيار السلفي ينتمي  الى حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية الذي تأسس عام 1997 على يد محمود عرشان ، ويدخل ضمن ما يصطلح على تسميته في المغرب بـ" الأحزاب الادارية" ، وانضم اليه بعد الافراج عنه.
ومن المقرر ان ينضم الى التيار الجديد كل من حسن الخطاب وعبد الرزاق سوماح اللذين افرج عنهما الخميس الماضي بعفو ملكي بمناسبة الذكرى الـ40 للمسيرة الخضراء.
وكان الخطاب زعيما لما عرف بخلية "انصار المهدي" التي اعتقل افرادها عام 2006، وأدين بـ30 عاما سجنا ، قضى منها 9 سنوات ، اما سوماح فهو زعيم سابق لـ "حركة المجاهدين بالمغرب" الذي جرى تفكيكها عام 2012.

جناح دعوي لحزب الحركة:

جناح دعوي لحزب الحركة:
يري مراقبون ان "التيار السلفي للإصلاح السياسي"، لن يكون مستقلا عن هذا الحزب ، حيث كشف الشاذلي انه سيمثل جناحا دعويا لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية وفي الوقت ذاته سينشط في المجال السياسي. 
اما حسن الخطاب فقال ان علاقة التيار الجديد بحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية هي علاقة شراكة فقط وأن الحزب احتضن مبادرة تأسيس هذا التيار السلفي ، بيد انه ترك الباب مواربا بشأن امكانية انضمامه وآخرين من السلفيين الى الحزب ، وقال في هذا الصدد "الانضمام وارد وغير وارد ويحتاج الى الاستشارة والاستخارة" ، وتوقع الخطاب الافراج في القريب عن عدد كبير من المعتقلين المتشددين.
وعد الخطاب العفو عنه بمثابة لبنة أولى لطي ملف السلفية الجهادية ، واعتراف من الدولة بالتيار السلفي الاصلاحي والعمل الذي يقوم به . واطلق الخطاب اواخر 2011 مبادرة من داخل السجن تحت عنوان "المناصحة والمصالحة"، تهدف إلى فتح حوار بين الدولة المغربية ومعتقلي "السلفية الجهادية" ، وناشد الخطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس التدخل لفتح باب مصالحة وطنية " لتقزيم الخلاف وتضييق الهوة بين أبناء الحركة الإسلامية والدولة"، معلنا استعداد الحركة للانخراط الكامل في الحياة السياسية .
ويرى مراقبون ان الدولة المغربية، نجحت في وقت سابق في استقطاب السلفيين إلى الحلول السياسية بدلا من المواجهة والدماء، فقد شجّعت الحكومة المغربية أحد الأحزاب السياسية (حزب الفضيلة) على استقطاب رموز السلفية الجهادية، وشرَّعت لهم أبواب وسائل الإعلام، الرسمية منها وغير الرسمية، وتمّ  استدعاءهم إلى المحاضرة والمناظرة والمُرافعة في كل القضايا التي تُطرح في الساحة، بمناسبة وبغير مناسبة، وهو أمر ذو دلالة وأبعاد كثيرة، سياسية ومذهبية، بانتظار ظهور إشارات الإرادة السياسية لإنهاء هذا الملف، لأن فيه يكمُن الحلّ وخدمة لخيار الإصلاح الذي تبنّاه المغرب في ظل الربيع العربي من الملح بالنسبة إلى حقوق الإنسان.

السلفية في المغرب:

السلفية في المغرب:
والسلفية ليست حديثة العهْد في المغرب الأقصى، إذ تبنّى رُواد محليّون مثل علال الفاسي وأبو شعيب الدكّالي والمختار السوسي (بعد رواد الإصلاح الأوائل بالمشرق من أمثال محمد عبدة وعبد الرحمن الكواكبي والأفغاني وغيرهم)، ما يمكن أن يُطلَق عليها "السلفية الإصلاحية"، التي تؤمن بالعودة للإسلام الصحيح النقي، وبأن من مستلزمات النهضة، الأخذ بعناصر القوة عند الغرب كالعِلم والتكنولوجيا.
وفي وقت لاحق، ظهرت "سلفية متشدِّدة" ترى أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وأن السلف الصالح منذ عهد الرسول إلى اليوم، قد "عالج وقرر في كل شيء، لذلك يكفي العودة إلى ما اجتهدوا فيه وما رأوه، لكي تظهر شوكة المسلمين من جديد". وهذه - حسب مصطفى المعتصم - "سلفية مرتبِطة بالماضي، بل أن بعض توجّهاتها ترى أننا نعيش في أسوأ العصور وأرذلها، وبالتالي، لا خير مرجُـوّ من الاجتهاد، خصوصا فيما يتعلق بسؤال النهضة". مع ذلك، يمكن العثور داخل هذه السلفيات، على طيْف واسع من التوجهات، منها ما هو مقرّب من السلفية الإصلاحية كتقي الدين الجيلالي، ومنهم مَن هو بعيد جدا عنها، كرموز السلفية الجهادية بالمغرب كالشيخ عمر الحدوشي وغيره.
يذكر أنه سبق لأحد الشيوخ السلفية المفرج عنهم ان التحق بحزب سياسي وهو الشيخ عبد الوهاب رفيقي الملقب "ابي حفص" والتحق بحزب النهضة والفضيلة الاسلامي، ويعتزم الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة.
ويعد الشيخ محمد الفزازي الذي كان قد حكم بالسجن 30 عاما بتهم التحريض على الارهاب رمزا للتحول الكبير الذي طرأ على مواقف السلفيين المغاربة، وزادت شهرته بعد ان ام الملك محمد السادس في صلاة الجمعة بأحد مساجد مدينة طنجة شمال البلاد قبل ازيد من عام.
وكان الفزازي قبل مراجعة افكاره ينعت الاحزاب السياسية بانها ضالة ، بيد انه عبر عن رغبته في الترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة المقرر اجراؤها عام 2016، لكنه لم يحدد الحزب الذي سيترشح باسمه او انه سيؤسس حزبا جديدا، وتردد انه قد ينظم بدوره ايضا الى حزب النهضة والفضيلة.

المشهد السلفي:

المشهد السلفي:
يرى العديد من المراقبين أن جنوح الدولة المغربية والسلفيين وخاصة المتشددين منهم الي السياسية والمهادنة وتبني خط الاصلاح، يعد انفراجة لها مدلولاته في ان الدولة المغربية تستخدم السلفيين في اضعاف نفوذ جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حركة التوحيد والاصلاح وذراعها السياسي حزب العدالة والتنمية الحاكم، على غرار ما يجري في مصر.
كما يمثل التقارب بين الدولة والسفيين في مواجهة ما يسمي المد الشيعي مع بروز جمعيات شيعية وفي مقدمتها جمعية "الخط الرسالي" والتي تعتبر وجاهة لشيعة المغرب ، رغم ما عرفته السنوات الماضية من مُراجعات فِكرية داخل التيارات ذات المرجعية الإسلامية لذلك يبقى تطويع الدولة اليمنية للتيار السلفي له فوائد سياسية وأمنية عدة إذا نجحت في ذلك.

شارك