أوقفوا الدماااااااء..........اكتشفوا بن تيمية و بن عبد الوهاب
الخميس 26/نوفمبر/2015 - 08:58 م
طباعة
ترى يا إلهي من أي واد سحيق أو فج عميق بعث هؤلاء الوحوش الآدميون أشباه البشر الذي يعيثون في الأرض مفسدين ، وقد أدمنوا رائحة الدماء و الأشلاء و الجثث؟. هل لهم فهمهم الخاص لدين السلام و عقيدة خير الأنام أم هو السم الذي تنفته بعض الكتب التي رفعها البعض إلى مرتبة المراجع المقدسة و أصحابها إلى مراتب النبوة و أصبح هؤلاء المتعطشون لرائحة الدماء يلقبون بشيوخ الاسلام تارة و بحجة الاسلام تارة أخرى؟.
كيف السبيل لفهم ظاهرة الغلاة التكفيريون التي قد لا تساعد أسطر معدودات في تبيان طبيعة معتقدهم و حقيقة مذهبهم. لكن الإيمان بالمقولة المأثورة "ما لا يدرك كله، لا يترك جله" تدفعنا دفعا إلى بيان حقيقة القوم الذين تجاوزوا في بشاعة جرائمهم و شناعة فعلهم أبرع المخرجين الهوليوديين.
إن البحث بين تراب المخازن و رحلة في الشخصية الهوليودية لبعض كتب التراث الإسلامي (و حاشا ذكرها لولا أنهم حشروا مع أهل الإسلام قسرا) يجعلنا نقف عند أصل الداء و مكمن البلاء و عقيدة الجماجم و الأشلاء المعصورة و المضمورة و المطمورة في كتابات أحمد بن تيمية الحرّاني و محمد بن عبد الوهاب النجدي.
ولد ابن تيمية سنة 1263م بقرية حران من سيدة تدعى ست النعيم تصفها كتب التاريخ أنها كانت حزينة دائما و كئيبة و متألمة دائما و منطوية على نفسها دائما حيث ولد أحمد بعد زواجها الثاني. هذه الشخصية "الحزينة" انضافت عليها الطبيعة الجغرافية القاسية لمنطقة حران التي كانت عبارة على منطقة قاحلة موحشة مقفرة لا يكاد يوجد به شجر يستظل به إنسان أن واحة بها قليل ماء يروي ظمأ العابر العطشان.
و عاصر حياة ابن تيمية امتداد الدولة التتارية، وهجومها على المنطقة الإسلامية، وسقوط الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العباسية في بغداد، فكانت فتاويه رد فعل عنيف، على تصرفات التتار الهمجية.
في هذه الأجواء ولد ابن تيمية ليجد نفسه في ريعان شبابه يعاني من مشكل قصر قامته الذي شكل له عقدة إضافية ربما كانت السبب، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى، في أن يزهد في نعيم العيش إلى درجة رفضه للزواج فعاش الشيخ و مات عازبا.
هذا الإطار العام و التقديم السطحي لشخصية "شيخ الإسلام" يحيلنا إلى قراءة في تمظهرات هذه الشخصية "القلقة" على كتاباته الفقهية. فقد وردت في كتب ابن تيمية عبارة :
1- كافر , 917مرة.
2- كافر مرتد , 29 مرة .
3- حلال الدم , 19 مرة .
4- فان تاب والاٌ قتل , 97 مرة .
5- يقتل , 849 مرة .
6- يستتاب , 219 مرة .
7- يضرب عنقه , 39 مرة .
المجموع , 2169 عبارة تكفير وقتل ..
هذا الكم الهائل من عبارات التكفير و القتل و ضرب العنق التي طفحت بها كتب ابن تيمية تجعله على رأس الشيوخ المنظرين للتيارات المتطرفة التي أينما حلت حل معها الدمار و الخراب. و لكي يكون القارئ و المطالع على بينة و دراية من هذا الفكر التكفيري الدموي، لا بأس من وضعه في صورة بعض الفتاوى "الجليلة" لشيخ الإسلام الذي يعتبر هو الامام الاول لتنظيم القاعدة وتفرعاتها من الحركات الارهابية كداعش وغيرها وهو يكتسب احتراما شديدا عند "غالبية" المسلمين بدول المشرق.
يقول ابن تيمية في كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 11، صفحة 265 "أَمَّا الشَّرْعُ الْمُنَزَّلُ: فَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنْ الرَّسُولِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا الشَّرْعُ يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِينَ والآخرين اتِّبَاعُهُ وَأَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ أَكْمَلُهُمْ اتِّبَاعًا لَهُ وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ هَذَا الشَّرْعَ أَوْ طَعَنَ فِيهِ أَوْ جَوَّزَ لِأَحَدِ الْخُرُوجُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ".
و دائما في مجموع الفتاوى الجزء 3 ص 51 يقول ابن تيمية "الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَكْلُ الْخَبَائِثِ وَأَكْلُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَمَنْ أَكَلَهَا مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ"
وقال أيضا رحمه الله و غفر لنا و له:"فَإِنَّ التَّعَبُّدَ بِتَرْكِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ بِحَيْثُ يَرَى أَنَّ تَرْكَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِهِمَا مُطْلَقًا كُفْرٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ" (ج 3 ص 52). و أما المسلمون أمثالي الذين يؤخرون الصلاة لاعتبار من الاعتبار التي قد تكون مقبولة و قد تكون غير مقبولة فيفتي فيهم شيخ الإسلام بالقول "...منْ أَخَّرَهَا-الصلاة- لِصَنَاعَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ خِدْمَةِ أُسْتَاذٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَجَبَتْ عُقُوبَتُهُ، بَلْ يَجِبَ قَتْلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ". و ليحمد الله المسلمين أن الله لم يمكن لأمثال الشيخ من رقابنا و إلا فهي المجازر و بحار الدم تزين مداخل المدن و معابر القرى.
و في مسألة خلق القرآن، لم يكن الشيخ أقل صرامة أو أقل اعتدالا بل هي لغة الاستتابة و القتل. حيث يضيف في موضع آخر: "بَلْ اشْتَهَرَ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ تَكْفِيرُ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَأَنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (ج3 ص 128).
و في موضوع الارتزاق مع الغنى يطرح الشيخ رأي العلماء فيقول: "عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ. فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عَمَلَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بِغَيْرِ أَجْرٍ لَا يَجُوزُ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ" (مجموع الفتاوى ج5 ص 80).
إن الحجم الكبير لمجال البحث و ضيق مجال النشر يجعل من الصعب طرح جميع فتاوى بن تيمية في القتل و قطع العنق و بالتالي سنطرحها دونما تحليل لترك المجال أمام القارئ اللبيب المتفحص للنظر في هذا الطرح الغريب و لكي يتمكن من امتلاك آليات الضبط و الربط بين هذه الكتابات و بين ما نعيشه اليوم على أيدي تجار الدماء.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَهْلِ الصُّفَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ التَّابِعِينَ أَوْ تَابِعِي التَّابِعِينَ قَاتَلَ مَعَ الْكُفَّارِ أَوْ قَاتَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَصْحَابَهُ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ. فَهَذَا ضَالٌّ غَاوٍ؛ بَلْ كَافِرٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (ج2 ص448)
الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْجَهْرُ بِلَفْظِ النِّيَّةِ لَيْسَ مَشْرُوعًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ دِينُ اللَّهِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْرِيفُهُ الشَّرِيعَةَ وَاسْتِتَابَتُهُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ قُتِلَ (ج5 ص153)
ومن قال: إن من سلم في الرباعية من ركعتين ساهيا استوجب غضب الله وأقل ما يجب عليه أن ينزل عليه نار من السماء وتحرقه يستتاب من ذلك القول فإن تاب وإلا قتل (ج 1ص61)
يروي شيخ الإسلام على لسان «محمد بن إسحاق بن خزيمة» : من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل ثم ألقي في مزبلة، لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل الملّة، ولا أهل الذمة (درء التعارض 6/ 264)
أن التعريف بالبيت المُقَدَّس ليس مشروعًا لا واجبًا ولا مستحبًّا بإجماع المسلمين، ومن اعتقد السفر إليه للتعريف قُرْبة فهو ضالٌّ باتفاق المسلمين، بل يُستتاب فإن تاب وإلا قُتِل، إذ ليس السفر مشروعًا للتعريف إلا للتعريف بعرفات ( ابن تيمية: مسألة فى المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى (ج1 ص 61)
وَإِذا تركت الأَرْض الْمَمْلُوكَة بِلَا عشر ولاخراج كَانَ هَذَا مُخَالفا لإِجْمَاع الْمُسلمين وَمن أفتى بخلو هَذِه الأَرْض عَن الْعشْر وَالْخَرَاج يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل (مجموع فتاوى ابن تيمية)
و لم يقف ابن تيمية عند هذا الحد من عبارات الاستتابة المتبوعة قطعاً بالقتل فشرعن التمثيل بالجثث الذي نهى عنه النبي "ولو بالكلب العقور" و الصحابة الكرام في شخص سيدنا عمر الذي رأى شخصا يجر شاة بقوة قصد نحرها فقال له عمر (ض) "أ تقودها إلى الموت فقدها إليه قودا جميلا". لكن الشيخ لا يشفي غليله مثل هكذا توصيات و لو كانت من الجناب النبوي رأسا، و لم يستمد من لين الفاروق بعد شدته درسا، فقال "فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الإِيمَانِ, أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ, فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ".
من خلال استقرار هذه الفتاوى، يمكن فهم طبيعة التركيبة العقدية للتّيميين الجدد الذين يجعلون من "شيخ الإسلام" ابن تيمية المرجع الأول في التنظير الفقهي و التوجيه العقدي و المنهل الإفتائي.
غير أن منطق التكفير و القتل ب"الحاكمية و الذنب" لم يقف عند ابن تيمية بل تلقفه تلميذه النجيب محمد بن عبد الوهاب الذي قام بدمج العقيدة الدينية لابن تيمية مع المذهب السياسي لحكام الدرعِيَّة من خلال ميثاق نجد الذي وثقه الشيخ مع محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى (1745-1818).
محمد بن عبد الوهاب اعتبر ان الاسلام اختفى من الوجود بصفة نهائيا منذ 600 سنة و خلال هذه المدة انقطع الاتصال بالدين و عاشت الأمة في كفر و جاهلية أشد من جاهلية ما قبل الاسلام. فاتهم الجميع بالكفر بل و نفى صفة الايمان حتى على شيوخ الاسلام و علمائه. يقول محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية " وأنا أخبركم عن نفسي والله الذي لا إله إلا هو لقد طلبت العلم واعتقد من عرفني أن لي معرفة وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى لا إله إلا الله، ولا أعرف دين الإسلام قبل هذا الخير الذي منّ الله به. وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك، فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت أو زعم عن مشايخه أن أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى ولبس على الناس ومدح نفسه بما ليس فيه (الدرر السنية ج1 ص 111).
ومنذ قدوم محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية قادما إليها من حريملاء اعتبر أن الإسلام بعث معه من جديد و أن جميع من في الأرض كفار مشركون لا يدينون بدين الله. فعقد مع محمد بن سعود "ميثاق نجد" و الذي من خلاله تولى بن سعود القيادة السياسية و العسكرية فيما تولى بن عبد الوهاب القيادة العقدية و أعلن عن شعاره الشهير "الدم الدم و الهدم الهدم". فأعطى المصوغ الشرعي لابن سعود لإبادة القبائل المجاورة، و ما على القارئ إلا العودة لتاريخ نجد للحسين بن غنام و ابن بشر أحد أخلص تلامذته، ليطلع على حجم القتل و الجثث و الأشلاء التي ذهبت ضحية الحروب القبلية التي أعطى انطلاقتها بن عبد الوهاب منذ سنة 1745م.
وهنا لا يستغرب المرء إذا ما لاحظ أن وثيقة نواقض الاسلام العشرة لابن عبد الوهاب تلصقها داعش في سياراتها و جدران بناياتها علي سبيل الدعايا العقدية و الحشد الديني و النفير إلى دولة الخلافة التي يزعمونها.
هذه العقيدة المتطرفة عرفت مقاومة شديدة من أقرب الناس إلى محمد بن عبد الوهاب و خصوصا أخوه الشيخ سليمان الذي أنكر عليه إنكاراً شديداً، فقال لأخيه يوماً: كم أركان الإسلام يا محمد؟ فقال: خمسة فقال أنت جعلتها ستة: السادس: من لم يتبعك فليس بمسلم، هذا عندك ركن سادس للإسلام. و ألف سليمان في هذا الباب كتاب سماه "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية".
ومن أراد أن يتلمس و يلامس الأساس العقدي لجرائم القتل وحرق الجثث فما عليه إلا أن يعود إلى كتب محمد بن عبد الوهاب، حيث يقول في الرسائل الشخصية : “وهذه سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن خالف الدين ، ممن له عبادة واجتهاد ، مثل : تحريق علي رضي الله عنه من اعتقد فيه بالنار ، وأجمع الصحابة على قتلهم وتحريقهم إلا ابن عباس – رضي الله عنهما – خالفهم في التحريق ، فقال: يُقتلون بالسيف ” (الرسائل : ج1). فقد حرق في حياته (يقصد علي) أناسا كثيرين ممن غلوا فيه فما كان أغناهم عن انتهاج منهج الظلال (الدرر السنية ج1 و تاريخ نجد ص 22). و يذكر بن عبد الوهاب الحرق في "درره" 21 مرة مما يجعل فكرة الحرق تترسخ في الثوابت العقلية للتيارات المتطرفة.
وإذا كان للصورة تكبير و للوصف تعبير ، فإن وصف المعارك الكثيرة التي يتغنى بها الوهابيون، مما يضعنا أمام حقيقة الاعتقاد لدى هؤلاء الأقوام اتجاه مخالفيهم. فيصف مؤرخوهم وقعة "اليتيمة" فيزعمون أنهم المسلمون وغيرهم كفار مشركون: يقول مؤرخهم عثمان بن بشر "فكرُّوا على أهل القصيم كرة واحدة، فغابت الشمس قبل وقت غيوبها، وأظلم بحالك الغبار شمالها وجنوبها، فوطأهم المسلمون (!) وطأة شديدة، فلما سمعوا ضرب الهمام ولوا منهزمين، وعلى جباههم هاربين، وذهل الوالد منهم ولده، والمنهزم أشفق على السلامة ورمى ما بيده، واستمر الضرب في أقفيتهم بعدما كان في صدورهم، وانتقل الطعن من نحورهم إلى ظهورهم، وقتل المسلمون (يقصد الوهابيةُ) فيهم قتلاً ذريعا، وفتكوا فيهم فتكاً شنيعا، فكان الواحد من المسلمين يقتل العشرين، وأكثر من قتلهم أهل الرياض".
أما الاستتابة و القتل فهي مما تعتاد عليه العين في كتابات بن عبد الوهاب، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، يقول الشيخ،"وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال. فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه. فإن تاب وإلا قتل" .و يسرد تاريخ ابن بشر و ابن غنام عشرات العبارات من الاستتابة و القتل حتى أن آل سعود دخلوا كربلاء فاتسباحوها و قتلوا أزيد من 2 ألفي شخص في يوم واحد و رجعوا إلى الدرعية يهتفون الله أكبر. ولقد وصلت بمحمد بن عبد الوهاب الوقاحة في الفكر و الفعل و العمل حتى أخد يقيم الحدود في افتئات تام على سلطة الحاكم.
ويقول جميل صدقي الزهاوي: كان محمد بن عبدالوهاب يسمي جماعته من أهل بلده، الأنصار; وكان يسمي متابعيه من الخارج، المهاجرين; وكان يأمر من حج حجة الإسلام قبل اتّباعه أن يحج ثانياً قائلا إنّ حجتك الأُولى غير مقبولة لأنك حججتها وأنت مشرك، ويقول لمن أراد أن يدخل في دينه: اشهد على نفسك أنك كنت كافراً، واشهد على والديك أنهما ماتا كافرين، واشهد على فلان وفلان (يسمي جماعة من أكابر العلماء الماضين) أنهم كانوا كفاراً. فإن شهد بذلك قبله، وكان يصرّح بتكفير الاُمة منذ ستمائة سنة، ويكفّر كل من لا يتبعه وإن كان من أتقى المسلمين، ويسميهم مشركين، ويستحل دماءهم وأموالهم، ويثبت الإيمان لمن اتّبعه . كما أنه أحرق كثيراً من كتب الصلاة على النبي، كدلائل الخيرات وغيرها، وكذلك أحرق كثيراً من كتب الفقه والتفسير والحديث مما هو مخالف لأباطيله، و قام بتحريم الاحتفال بمولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .
من هنا كانت العقيدة الوهابية النبراس الحقيقي للتكفير و القتل و التفجير عند الحركات التكفيرية و المفرخة التي أنتجت خطابات الحاكمية و الجاهلية التي تلقفها كل من أبو الأعلى المودودي في الهند كمركز للتنظير و التوجيه، وسيد قطب الذي أـسس للمذهب الحركي للجماعات المتطرفة و الذي أعطى الشرارة الأولى للأنظمة الجهادية و العنف كأساس لتغيير نظام الحكم من خلال تنظيم 1965 الذي أطلق عليه إعلاميا و أمنيا بتنظيم سيد قطب.
ونختم هذه الإشارات المختزلة و المختصرة من بعض شذرات بن عبدالوهاب في التكفير و التي استقيناها من وثيقته المشهورة "نواقض الإسلام العشرة" و التي كما قلنا تعتبر الأساس و الفيصل الذي تعتمد عليه "داعش" في رسم الحدود العقدية بين "الإسلام" و "الكفر" و بين "دار الإسلام" و "دار الحرب". يقول الشيخ:
من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر اجماعا (المعيار الثاني في التكفير).
من لم يكفر المشركين اوشك فى كفرهم او صحح مذهبهم كفر (المعيار الثالث في التكفير).
من اعتقد ان غير هدى النبى صلى الله عليه وسلم اكمل من هديه او ان حكم غيره احسن من حكمه كالذى يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر (المعيار الرابع في التكفير).
من ابغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به لكفر (المعيار الخامس)
السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله او رضى به كفر (المعيار السابع).
من خلال ما تقدم، يتضح أن فهم المنهج التكفيري في القتل و التفجير، يجد مرتكزاته العقدية و الأيديولوجية عند "رأسي الفتنة" أحمد بن تيمية و محمد بن عبد الوهاب. و هذا التأصيل يدفعنا إلا الاعتقاد إلى أن أية مقاربة أمنية لا تواكبها مقاربة فكرية تروم بالأساس الكشف عن ملابسات و تأصيلات هذا الفكر التكفيري فإن مصيرها سيراوح لا محالة بين الارتجالية و الفشل الذريع. إنها حرب الأفكار قبل أن تكون حرب السيوف و الألغام، و هو صراع أيديولوجي قبل أن يكون صراع الرشاش و السيارات المفخخة. فالقاعدة فكرة، و التكفير و الهجرة فكرة و داعش فكرة آمن بها ملايين، و من ثم فإن التركيز على تفكيك مكونات الفكرة و قراءة شفراتها و أساس انبثاقها و معتقدها هو الكفيل بعزلها و تحييدها في أفق القضاء عليها مصداقا لقول شيخ الإسلام تقي الدين السبكي المتوفى سنة 756 ه "و من هنا أخدنا أن مداد العلماء خير من دم الشهداء".