الأطماع التركية ووقف إطلاق النار في ليبيا
الأحد 23/أغسطس/2020 - 10:49 ص
طباعة
حسام الحداد
كثيرة هي الاتفاقيات التي تمت حول الجانبين المتصارعين في ليبيا وكان مصيرها الفشل في النهاية لأسباب عدة أولها وأهمها الأطماع التركية التي تقف حائلا أمام أي اتفاق للهدنة، ورغم الترحيب العربي والدولي الواسع بقرار وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه الجمعة 21 أغسطس 2020، السلطتان المتحاربتان في ليبيا، إلا أن كثيرا من النقاط لا تزال غامضة بشأن خلافات عدة بداية من الصراع على مدينة سرت إلى المرتزقة والميليشيات، وصولاً إلى النفط وغيره من الملفات الشائكة، فيما تطرح تساؤلات حول مدى صمود الهدنة أمام استمرار التدخل العسكري التركي بالأراضي الليبية وفي ظل تاريخ قاتم لاتفاقيات مماثلة تبددت سابقا.
وكان كل من حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج ورئيس البرلمان في الشرق الليبي عقيلة صالح، قد أعلانا أمس الجمعة في بيانين منفصلين وقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل وتنظيم انتخابات في أنحاء البلاد. وصدر البيانان المفاجئان بعد زيارات عدة قام بها مسؤولون أجانب إلى ليبيا في الأسابيع الأخيرة.
والمشهد في ليبيا معقد في ظل تداخل الأطراف الخارجية، لا سيما التدخل التركي الذي أجج فعلا الصراع بين الفرقاء الليبيين ووضع البلاد الغارقة في الفوضى منذ سنوات أمام سيناريو حرب طويلة الأمد، خاصة وأن تحركات أنقرة متناقضة مع أغلب الجهود الدولية لإرساء السلام بالأراضي الليبية.
فبعد مرور نحو عشرة أشهر على توقيع الاتفاق الأمني والعسكري بين السراج والرئيس التركي رجب أردوغان في نوفمبر الماضي، لم تتوقف عمليات نقل المقاتلين الأتراك والمرتزقة السوريين إلى ليبيا على الرغم من المناشدات الدولية لدعم التهدئة وتعهدات تركيا بذلك في مؤتمر برلين قبل أشهر.
لكن تركيا الطامحة بنفوذ أوسع في ليبيا وعينها على ثروات البلد الغني بالمحروقات، أدارت ظهرها لتعهداتها في برلين، متمسكة بدعم ميليشيات طرابلس في حربها ضد الجيش الوطني الليبي، بما يقوض جهود السلام ويغذي الفوضى في أرض تعيش وضعا معقدا مع انتشار الفصائل الجهادية المشددة وفلول تنظيم داعش الإرهابي ممن وصلوا ضمن جحافل المرتزقة الذين ترسلهم المخابرات التركية باستمرار.
وما يزيد الوضع تعقيدا فضلا عن التدخل التركي ، هو تاريخ الاتفاقيات المبرمة مرار في السنوات الماضية والتي لم تصمد بين الأطراف المتنازعة، وهو ما يرجح عدم استمرار هدنة الأمس.
تاريخ من شفل التفاوض
منذ العام 2015 إلى الآن عقد العديد من الاتفاقيات لبسط السلام في ليبيا، إلا أنها فشلت في وقف دائم لإطلاق النار، ولعل هذا ما دفع بعض المراقبين والمحللين للوضع الليبي للقول، إن جهود السلام هناك تواجه عواقب شائكة وواقعا معقدا جعل من المحاولات المضنية لإنهاء الصراع تكاد تكون شبه مستحيلة على الأقل في الوضع الراهن.
فمنذ اتفاق الصخيرات المبرم في المغرب عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، اُعلن عن مبادرات عدة لإخراج ليبيا من نفق الفوضى ووقف الاقتتال، إلا أنها بقيت في الواقع حبراً على ورق.
وبعد مفاوضات استمرت أشهراً بين ممثلين عن المجتمع المدني ونواب ليبيين في المغرب، تم اتفاق الصخيرات الذي وقع في 17 ديسمبر عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، والذي نص على تشكيل حكومة وفاق وطني مقرها طرابلس والتي قوبلت بتحفظات من قبل البرلمان المنتخب عام 2014 والمجلس انتقالي الذي انتخب في 2012، ما أعاد ليبيا إلى دائرة الفوضى والتوترات.
وفي شهر يوليو من العام 2017، تعهّد الفرقاء الليبيون خلال اجتماع في باريس، بالعمل على إخراج البلاد من الفوضى ودعوا إلى وقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات، لكن ذلك لم يطبق على الواقع.
كذلك اتفق كل من السراج وقائد الجيش خليفة حفتر وعقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري أثناء اجتماع ثان بباريس في مايو من العام 2018، على العمل سوياً من أجل تنظيم انتخابات عامة، لكن شيئا لم يحصل.
وبعد خمسة أشهر من العام نفسه وتحديدا في نوفمبر ، نّظمت إيطاليا مؤتمراً دولياً لمحاولة تحقيق تقارب جديد بين الأطراف الليبية المتصارعة، لكن ذلك فشل بسبب الخلافات المستمرة بين الليبيين والتدخلات الأجنبية، لا سيما التركية.
وبعد اشهر قليلة أعلنت منظمة الأمم المتحدة في فبراير سنة 2019، عن اتفاق جديد اُبرم في أبوظبي بين السراج وحفتر بشأن إجراء انتخابات في ليبيا، لكن من دون تحديد جدول زمني، مما أدى إلى فشل الخطة.
وفي مارس 2019 أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا مجددا، إقامة "مؤتمراً وطنياً" في منتصف أبريل في مدينة غدامس (وسط)، لوضع "خارطة طريق" لإخراج البلاد من الأزمة، لكن التطورات على الأرض جرت عكس ذلك.
جهود السلام في ليبيا تواجه عواقب شائكة وواقعا معقدا جعل من المحاولات المضنية لإنهاء الصراع هناك تكاد تكون شبه مستحيلة على الأقل في الوضع الراهن
وإذ لا يبشر تاريخ اتفاقيات السلام الفاشلة بليبيا بحلحلة الأزمة، هل سينجح اتفاق الجمعة 21 أغسطس 2020 في تحقيق آمال الليبيين في وقف الحرب في الظل التدخل العسكري التركي؟
وجاءت التدخلات التركية المستمرة والتي زادت وتيرتها مؤخرا مع استمرار وصول دفعات جديدة من المرتزقة القادمين من سوريا، بمثابة صب الزيت على نار الحرب في ليبيا، ما أجج الوضع وعقد محاولات إنهاء الأزمة.
وبلغ عدد المرتزقة السوريين الموالين لأنقرة على الأراضي الليبية حتى الآن، أكثر من 17 ألف مقاتلا بينهم ما لا يقل عن 350 طفلا، في حين بلغ عدد "الجهاديين" الذي أرسلتهم تركيا إلى ليبيا من جنسيات مختلفة، نحو 10 ألاف مقاتل، بينهم 2500 ممن يحملون الجنسية التونسية، وفق ذات المصدر.
وتأتي التعزيزات التركية لدعم حكومة الوفاق بعناصر متشددة بينها مقاتلين منتمين إلى تنظيم داعش الإرهابي، على الرغم من الإدانات الصادرة من عدة دول بشأن الانتهاكات التركية في ليبيا، وانقلاب تركيا على تعهداتها في مؤتمر برلين.
ووقعت تركيا مطلع العام الحالي اتفاقا دوليا في برلين يقضي بعدم التدخل في الشؤون الليبية، لكنها لم تلتزم بتعهداتها، مستمرة في دعمها العسكري للوفاق بما يؤجج الصراع ويحول دون التوصل لحل دائم في ليبيا.