الغاز التركي بين الوهم والحقيقة
الأحد 23/أغسطس/2020 - 12:59 م
طباعة
حسام الحداد
أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الجمعة 21 أغسطس 2020، اكتشاف أكبر حقل غاز بتاريخ البلاد في البحر الأسود، باحتياطات تقدر بـ320 مليار متر مكعب.
وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، قال "إن القيمة الاقتصادية لاحتياط الغاز المكتشف في البحر الأسود تُقدر بنحو 65 مليار دولار"، وفقا لما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية.
وأضاف: "أسعار الغاز والنفط متعلقة ببعضها في الأسواق العالمية، وبالنظر إلى أسعار الغاز خلال آخر 5 سنوات، يمكننا القول إن القيمة الاقتصادية لهذا الحجم من الغاز الطبيعي تُقدر بنحو 65 مليار دولار"، لافتا إلى أن "متوسط استهلاك الغاز الطبيعي في تركيا يتراوح بين 45 إلى 50 مليار متر مكعب سنويا، وحقل الغاز الجديد سيسد حاجة البلاد لنحو 7 إلى 8 أعوام".
وعن الموعد، قال الوزير التركي أنهم "يهدفون لنقل أول دفعة من الغاز إلى البر عام 2023".
وكانت التوقعات، بحسب التقارير الإعلامية التي نقلت عن مصادر تركية، أن الاحتياطي من الغاز في الحقل المكتشف سيبلغ 26 تريليون قدم مكعبة أو 800 مليار متر مكعب من الغاز، لكن الإعلان جاء مخيبا للآمال.
وفور إعلان أردوغان عن كميات الغاز المكتشفة في الحقل، والتي بلغت 320 مليار متر مكعب بحسب الرواية التركية، هوت الليرة التركية وتراجعت نحو 0.6 بالمئة الجمعة لتصل 7.3414 مقابل الدولار.
كما انخفض مؤشر بورصة إسطنبول 100 بنسبة 1.8٪ ، في حين تراجعت أسهم شركات الطاقة بما في ذلك شركة التكرير توبراس وأقصى للطاقة وآيغاز بشكل حاد بعد تلك الأنباء.
وحسب تقارير اخبارية تناولتها العديد من المواقع والصحف وفي مقدمتها سكاي نيوز، يشكك المراقبون بالأرقام التي أعلن عنها أردوغان خاصة وأن سفينة الحفر والتنقيب التركيّة "فاتح" تعمل منذ أواخر يوليو الماضي، في منطقة الاستكشاف "تونة 1"، التي تبعد نحو 100 ميل بحري إلى الشمال من الساحل التركي في غرب البحر الأسود.
ويؤكد الخبراء في صناعة النفط والغاز أنّه لا يمكن الوصول إلى مثل معلومات الاحتياطيات بهذه الدقّة، من حفر بئر واحدة، وخلال شهر واحد.
ويؤكد محللون أنه من غير الواضح ما إذا كان حجم الغاز الذي أعلن عنه أردوغان، إن صدق، يشير إلى إجمالي تقديرات الغاز الموجود في الحقل أم إلى الكميات التي يمكن استخراجها من الحقل.
ويقول كبير محللي النفط والغاز في بنك وود أند كومباني لموقع بلومبيرغ: "السؤال الآن هو مقدار الغاز القابل للاستخراج. هذا ليس واضحا بعد. ما يريد السوق حقا معرفته أيضا هو مقدار ما يمكنهم إنتاجه سنويا ، لكنني لا أعتقد أنهم في وضع يسمح لهم بقول ذلك حتى الآن".
صعوبات عديدة
وخلال خطابه عن "الكشف التاريخي للغاز"، أقر أردوغان بصعوبة عمليات البحث والتنقيب وتكلفتها المادية المرتفعة، مشيرا إلى أن شركات طاقة عالمية شهيرة مثل "شل" و"بي بي" قامت بعمليات بحث تراوح بين 100 و150 عملية على نفقتها الخاصة، لكنها لم تعثر على مصادر للطاقة في المنطقة برمتها.
ورغم فشل كبريات شركات الطاقة العالمية، مثل بي بي، ثالث أكبر شركة طاقة في العالم، و شركة شل، عملاق شركات البتروكيماويات العالمية، في اكتشاف أي مصادر للطاقة في البحر الأسود في أكثر من 100 عملية بحث، لكن سفينة الفاتح الوليدة تمكنت من اكتشاف الغاز في البحر الأسود في أقل من شهر.
من ناحية أخرى، يحذر مسؤولون ومحللون من أن بدء الإنتاج من أي كشف للغاز في البحر الأسود قد يستغرق ما يصل إلى عشر سنوات، وسيحتاج إلى استثمار مليارات الدولارات لتشييد بنية تحتية للإنتاج والإمدادات.
ويقول الخبير الاقتصادي جون بولوس، رئيس تحرير موقع إنيرجي ريبورترز، إذا كان هناك كشف حقيقي وجرى تطويره، فسيستغرق الأمر سنوات للوصول إلى مرحلة الإنتاج.
ووفقا للخبراء فإن تطوير كميات الغاز التي تم الترويج لها قبل إعلان أردوغان، والبالغة 800 مليار متر مكعب ستكلف نحو 20 مليار دولار إلى 30 مليار دولار.
التكلفة العالية
ولأن حقل تونة 1 المكتشف حقل بحري، فإن التكلفة ستكون عالية جدا مع الأخذ بعين الاعتبار عدد الآبار في الحقل، وتركيبة الغاز، ونسبة الشوائب فيه، والحاجة إلى بناء معامل لمعالجة الغاز من الشوائب ومد شبكات كبيرة من الأنابيب، خاصة وأن كشف الغاز في الحقل كان على عمق 2100 متر تحت الماء، مع مد الحفر 1400متر إضافية تحت قاع البحر.
كما يقلل الخبراء في الطاقة من أهمية الكشف التركي لحقل تونة 1 خاصة في ظل الطلب المنخفض على الغاز وأسعاره المنخفضة بشكل غير مسبوق.
وحتى لو صدقت رواية أردوغان، ولو جزافا، عن كشفه "التاريخي"، فلن تتمكن تركيا من تقليص فاتورة واردات الطاقة الباهظة من روسيا وإيران وقطر التي تثقل الاقتصاد التركي لعدة سنوات، وسيبقى العجز المزمن في ميزان المعاملات الجارية لتركيا لفترة طويلة، مما سيهوي بالليرة إلى مستويات قياسية متدنية مقابل الدولار ويدفع الاقتصاد التركي نحو شفير الهاوية.
كما نشرت صحيفة "زمان" التركية المعارضة تقريرا نقلت فيه عن خبراء آراء شككت في قيمة الاكتشاف الأخير في مجال الغاز الطبيعي بالبحر الأسود، الذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وذكرت الصحيفة أن خبراء في مجال الطاقة رأوا تهويلا إعلاميا حول الاكتشاف التركي الأخير للغاز بالبحر الأسود، مشيرين إلى أن تركيا "لن تستطيع التخلي تماما عن استيراد الطاقة من الخارج، حيث أنها تعتمد حاليًا على الخارج في 95 بالمئة من احتياجاتها للغاز والنفط".
ونقلت الصحيفة عن رئيس مجموعة دراسات الطاقة في غرفة مهندسي الماكينات في إسطنبول، أوغوز ترك يلماز، قوله إن "استخراج الغاز الطبيعي من الحقل الجديد المعلن اكتشافه، سيحتاج إلى ما بين 5 و10 سنوات على الأقل من أجل مد الأنابيب لنقل الغاز"، لافتا إلى أن الحقل الجديد يقع على بعد 170 كيلومترا من الشاطئ التركي.
ورأى هذا الخبير أن تركيا تحتاج إلى 34 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، موضحا أن ذلك يعني أن "الحقل الجديد يكفي احتياجات تركيا من الغاز لمدة 7-8 سنوات فقط".
وفي هذا السياق قال تُرك يلماز: "لا يمكننا استخراج الغاز مباشرة. يجب أولا بدء أعمال الحفر، في حالة التمكن من حفر بئر واحد، فإن مرحلة الإنتاج تستمر 20-30 سنة. هذا يعني أن تركيا ستنتج 16 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، أي أنه يعادل 20-25% من احتياجات تركيا السنوية من الغاز الطبيعي".
خبير آخر في مجال الطاقة يدعى، أوزجور جوربوز، نقل عن رويترز إعلانها قبل عدة أيام، أن حجم احتياطي حقل الغاز في البحر الأسود، يتجاوز 800 مليار متر مكعب، وهو حجم ضخم فعلا، لكنه لفت إلى أن "الرئيس أردوغان أعلن أن احتياطي الحقل 320 مليار متر مكعب" فقط.
وتابع الخبير رأيه المشكك في الجدوى المعلنة للاكتشاف الغازي الجديد، قائلا إنه "حسب المعلن فإن استهلاك تركيا من الغاز في عام 2017 كان 53 مليار متر مكعب، وهذا يعني أن الاحتياطي المعلن رسميا يكفي تركيا لنحو 6 سنوات فقط، بهذا الحجم لا يمكن لتركيا أن تكون دولة مصدرة للغاز بأي شكل من الأشكال".
واشار جوربوز كذلك إلى أن "الغاز المكتشف قد يكون غير مجد اقتصاديا، نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج، مقابل تراجع الأسعار عالميًا متأثرة بزيادة الإنتاج الأمريكي من الغاز".
وفي السياق ذاته، وصف محمد أويوتشو، رئيس شركة الاستشارات الاستراتيجية، إعلان الرئيس أردوغان، استخراج الغاز المكتشف في مياه البحر الأسود خلال ثلاث سنوات بأنه "غير منطقي"، مشيرا إلى أن استخراج الغاز الطبيعي من الحقل المذكور قد يستغرق 7-8 سنوات على الأقل، وأن تركيا إذا نجحت في استخراجه في عام 2023 ، كما أعلن أردوغان "سيكون رقما قياسيا عالميا".
ورأى أويوتشو في نفس الوقت، أن الحقل المكتشف الذي يحتوي على 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي "مجرد بداية خير لتركيا"، وهي كمية لن تحقق طموحاتها في التصدير للدول الأوروبية، خاصة وأن استهلاك دول الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي 350 مليار متر مكعب سنويا، بينما احتياطي الحقل المكتشف 320 مليار متر مكعب فقط، ما يعني أنه لن يكفي أوروبا إلا عاما واحدا فقط.