مراكز بحثية ترصد احتفاء النخب السياسية لاتفاقية الامارات
الأربعاء 26/أغسطس/2020 - 10:06 ص
طباعة
روبير الفارس
اكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ال نهيان نائب القائد الاعلى للقوات المسلحه ولى عهد ابوظبى في تصريحات لمجلة المصداقية من شأن الإنجاز الدبلوماسي التاريخي بين الإمارات وإسرائيل أن يعزز من السلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة والرؤية التي تحلى بها القادة الثلاثة، وعلى شجاعة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لرسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة. وتواجه الدول الثلاث العديد من التحديات المشتركة في الوقت الراهن، وستستفيد بشكل متبادل من الإنجاز التاريخي الذي تحقق .
هذا وسوف تجتمع وفود من دولة الإمارات وإسرائيل خلال الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة وغيرها من المجالات ذات الفائدة المشتركة.
إن بدء علاقات مباشرة بين اثنين من أكبر القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط، من شأنه أن يؤدي إلى النهوض بالمنطقة من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، وتوثيق العلاقات بين الشعوب.
ونتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي وبناء على طلب الرئيس ترامب وبدعم من دولة الإمارات، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراض فلسطينية وفقا لخطة ترامب للسلام، وتركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي. وإذ تؤمن كل من الولايات المتحدة ودولة الإمارات وإسرائيل بإمكانية تحقيق إنجازات دبلوماسية إضافية مع الدول الأخرى، فإنها ستعمل معا لتحقيق هذا الهدف.
وستقوم الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل على الفور بتعزيز التعاون وتسريعه فيما يتعلق بمعالجة وتطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد. ومن خلال العمل معاً، وستساعد هذه الجهود في إنقاذ حياة الجميع بصرف النظر عن ديانتهم في جميع أنحاء المنطقة.
إن بدء العلاقات الدبلوماسية السلمية سوف يجمع بين اثنين من أقوى شركاء أميركا في المنطقة. وستنضم الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل إلى الولايات المتحدة لإطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني.
وإلى جانب الولايات المتحدة، تتشاطر الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وجهة نظر مماثلة في ما يتعلق بالتهديدات والفرص في المنطقة، فضلاً عن الالتزام المشترك بتعزيز الاستقرار من خلال المشاركة الدبلوماسية، وزيادة التكامل الاقتصادي، والتنسيق الأمني. وسوف يؤدي هذا الاتفاق إلى حياة أفضل لشعوب الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والمنطقة
وسيواصل الطرفان جهودهما في هذا الصدد للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبحسب خطة السلام، يجوز لجميع المسلمين أن يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وينبغي أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة أمام المصلين من جميع الأديان.
وفي سياق متصل رصد مركز الإمارات للسياسات في تقرير له
مواقف النخب السياسية الأمريكية من معاهدة السلام الإماراتية-الإسرائيلية وجاء في التقرير
جاء الإعلان عن معاهدة السلام التاريخية بين دولة الإمارات وإسرائيل في لحظة تواجه فيها منطقة الشرق الأوسط جملة من الأزمات والتحديات، وتصاعد أدوار قوى غير عربية تُهدِّد أمنها واستقرارها، وكذلك في وقت كانت تتراجع فيه فرص فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجري في نوفمبر المقبل، لتعدد إخفاقاته الداخلية، ومقارباته المتضاربة لأهم الأزمات الدولية، لا سيما تلك التي تشهدها المنطقة؛ لِتُحدِث الاتفاقية تحولات جذرية في حسابات الفاعلين في المنطقة، وكذلك في الداخل الأمريكي.
ولهذا، ركَّزت مواقف النخبة السياسية الأمريكية من المعاهدة بين دولة الإمارات وإسرائيل، على بحث مكاسب الأطراف الثلاثة (الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل) منها، وتداعياتها على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وعملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية التي تشهد جموداً منذ عقود، وأخيراً احتمالات أن تحذو دول عربية أخرى حذو الإمارات في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
أشادت النخبة السياسية الأمريكية على اختلاف توجهاتها الحزبية (جمهورية وديمقراطية)، وحتى تلك التي تُعارِض السياسة الخارجية للرئيس ترامب، بأهمية هذه المعاهدة لعدة اعتبارات، تتمثل فيما يأتي:
أولاً، تعد معاهدة السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل خطوةً تاريخية من شأنها تعزيز مساعي تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، حيث أكدت تعليقات النخبة الأمريكية أن الظروف التي تشهدها المنطقة راهناً من تنامي النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار بالمنطقة، سواء من خلال تدخل طهران المباشر في شؤون عديد من دولها، أو من خلال وكلائها المنتشرين في بعضها، وتنامي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وجمود عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية؛ كل هذه العوامل ساهمت في إخراج مثل هذه المعاهدة التاريخية إلى النور، والتي تأتي بعد 40 عاماً على معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في عام 1979، وأكثر من 25 عاماً على معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية في عام 1994.
ثانياً، أن سياسة إدارة الرئيس "ترامب" المختلفة داخل الشرق الأوسط بعد ثلاث سنوات من اخفاقات سياستها الخارجية في المنطقة، نجحت في التوصل إلى معاهدة سلام بين الإمارات وإسرائيل، تُمثِّل خطوة متقدمة على طريق تحقيق سلام طويل الأمد في المنطقة. وقد وُصِفَت المعاهدة بأنها "زلزال جيوسياسي" من شأنه تدعيم المعسكر الإقليمي المعتدل المؤيد للسلام وإنهاء النزاعات وعوامل عدم الاستقرار في المنطقة، في مقابل عزلة المعسكر الراديكالي الموالي لإيران والمناهض للولايات المتحدة والمؤيد لاستمرار الصراع مع إسرائيل إلى ما لا نهاية.
ثالثاً، تُحقِّق المعاهدة التوزان الإقليمي المطلوب في منطقة الشرق الأوسط، لكونها ستُمكِّن دولة الإمارات من الحصول على أسلحة أمريكية متطورة، مثل الطائرات المقاتلة من طراز "إف-35" وطائرات أمريكية متقدمة من دون طيار بعد سنوات من تقديم الطلب للحصول عليها. فقبل الاتفاقية كان ثمة تحفظات أمريكية على حصول دول عربية مثل الإمارات على أسلحة أمريكية متقدمة، بسبب التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
رابعاً، مُمارسة دولة الإمارات دبلوماسية ذكية لتهدئة احتمالات التصعيد بين إسرائيل وإيران، وهو تصعيد من شأنه زيادة عدم الاستقرار في المنطقة. ويرى بعض المراقبين الأمريكيين أن الاتفاق سيُمكِّن الجانب الإماراتي من التوسُّط بشكل أكثر فاعلية بين الإسرائيليين والإيرانيين، وقد تُسهِم تلك الوساطة الإماراتية في وقف حرب واسعة النطاق قد تُغيِّر ملامح المنطقة ودينامياتها إلى الأبد.
خامساً، مُساهَمة المعاهدة في بناء السلام بين العرب والإسرائيليين، حيث أوقفت قرار الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والذي كان من شأنه أن يقضي على أمل حل الدولتين. ناهيك عن تجنيبها الأردن الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة والتي ترتبط مع إسرائيل بمعاهدة سلام، اتخاذ ردٍّ قاسٍ في حال قيام تل أبيب بضم غور الأردن، حيث لم يستبعد بعض السياسيين الأمريكيين إمكانية إقدام العاهل الأردني، الملك عبد الله، على تعليق معاهدة السلام التي وقَّعها والده مع إسرائيل قبل 25 عاماً في حال ضم الحكومة الإسرائيلية غور الأردن، إلى جانب إمكانية تزايد الضغوط من قبل كثير من الأردنيين لإلغاء صفقة الغاز مع إسرائيل.
تعزيز المصالح الإماراتية والعربية داخل واشنطن
تُحقق الاتفاقية الإماراتية-الإسرائيلية مصالح متبادلة لطرفيها المباشرين، ولأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وكذلك للإدارة الأمريكية الحالية، ولكنها في الوقت ذاته تمنح دولة الإمارات والدول العربية فرصة لتعزيز مصالحهما داخل واشنطن، وذلك على النحو الآتي:
أولاً، تسريع عمليات حصول الإمارات على أسلحة أمريكية متقدمة. فعادة ما تتطلب عملية شراء أسلحة أمريكية ما بين ست إلى ثماني سنوات، فضلاً عن أنها تتطلب موافقة الكونجرس الأمريكي، ناهيك عن احتمالات أن تتراجع عنها الإدارة الأمريكية المقبلة في حال خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 3 نوفمبر المقبل، وعلى الرغم من التزام الولايات المتحدة بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط للحفاظ على أمنها، إلا أن هذا الالتزام يتم التراجع عنه إذا كانت الدولة التي ستحصل على أسلحة أمريكية تربطها اتفاقية سلام مع تل أبيب. وفي أعقاب توقيع مصر والأردن على معاهدات سلام مع إسرائيل، تمكنتا من الحصول على أسلحة أمريكية متقدمة، في ظل عدم مُعارضة المشرعين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بمجلسي النواب والشيوخ لصفقات التسلح الأمريكية للدولتين.
ثانياً، زيادة الدعم الحزبي لتوطيد العلاقات الأمريكية-الإماراتية. إذ ستزيد الاتفاقية الإماراتية-الإسرائيلية من قوة التحالف بين الولايات المتحدة والإمارات، مما يحدُّ من فرص إحداث تغيير فيه بتغيُّر الإدارات الأمريكية، حيث سيزداد الدعم الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لتعزيز وتوطيد العلاقات بين الحليفين، إلى جانب تمييز الإمارات عن غيرها من حلفاء واشنطن الإقليميين الذين أصبحوا هدافاً لانتقادات المشرعين الأمريكيين.
ثالثاً، لعب الإمارات والقوى العربية دوراً مؤثراً في عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية. تُمكِّن معاهدة السلام الإماراتية-الإسرائيلية الدول العربية من البناء عليها، ودعم الفلسطينيين من خلال إبراز أنها ستحذو حذو دولة الإمارات إذا قلَّصت إسرائيل نشاطها الاستيطاني، ووسَّعت الأراضي التي يمكن للفلسطينيين إقامة دولتهم عليها وممارسة السيادة فيها. فضلاً عن أن المعاهدة من خلال تعزيزها التواصل مع إسرائيل على كل الجبهات ستسمح للقوى العربية بزيادة نفوذها داخل الولايات المتحدة للمساعدة في التخفيف من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، والانخراط مباشرة في عملية السلام بدلاً من الاكتفاء بدور هامشي في عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية.
رابعاً، مراعاة المصالح واعتبارات الأمن القومي في حال نجاح المرشح الديمقراطي "جو بايدن" في الانتخابات الرئاسية القادمة، لا سيما مع توقعات بتولي مسؤولين سابقين بإدارة باراك أوباما ومن تفاوضوا مع إيران على الاتفاق النووي السابق مناصب عليا بالإدارة الأمريكية الجديدة، وتصاعد المؤشرات على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي السابق الذي تشترك إسرائيل والدول الخليجية والعربية في اعتباره ضعيفاً وغير فعَّال، حيث إن الاتفاقية الإماراتية-الإسرائيلية ستدفع الإدارة الأمريكية الجديدة إلى أن تأخذ في الاعتبار بشكل أفضل مصالح الحلفاء الأمريكيين في المنطقة ولخص تقرير مركز الإمارات للسياسات ذلك بالقول إن النخبة السياسية الأمريكية أيدت في غالبيتها الساحقة معاهدة السلام الإماراتية-الإسرائيلية، لأهميتها في إحداث تحوُّل في وجهة منطقة الشرق الأوسط، في وقت تشهد فيه أزمات عدة تهدد أمنها واستقرارها، فضلاً عن إحيائها عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية القائمة على مبدأ حل الدولتين. وقد تُمكِّن الاتفاقية الإمارات والقوى العربية من امتلاك مصادر أكبر للتأثير داخل الولايات المتحدة بما يخدم المصالح الوطنية للإمارات والبلدان العربية الأخرى، وتحقيق نوعٍ من التوازن الإقليمي يُمكِّن من الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها