انتفاضة أبناء القارة السمراء ضد التغلغل التركي في العمق الإفريقي
السبت 05/سبتمبر/2020 - 02:17 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
مع أن محاولات التمدد التركي في إفريقيا ليست بجديدة إذ تعود إلى التسعينيات القرن الماضي بيد أن ثمة دوافع متزايدة في الآونة الأخيرة, تحرك سياسات أنقرة بالقارة السمراء ترتبط في مجملها بقوس الصراع على النفوذ من "المتوسط" إلى "الأحمر".
وفي موريتانيا اصطدمت تحركات أردوغان وأطماعه في القارة السمراء مع احتشد الموريتانيين أمس الجمعة 4 أغسطس أمام السفارة التركية، وذلك اعتراضًا على التدخلات التركية الأخيرة في إفريقيا في كل من الدول التالية (ليبيا، موريتانيا، تونس، بالإضافة إلى دول أخرى).
وأيضاُ بسبب دعمها المستمر للتطرف والإرهاب بالإضافة لدعم جماعة الإخوان المسلمين والمصنفة كجماعة إرهابية.
وطالب المتظاهرون بالتوقف عن تقديم الدعم للشخصيات السياسية المتحكم بها من قبل تركيا لنهب وسلب ثروات الدول الإفريقية. والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية، وكذا التوقف عن دعم الجماعات والأحزاب والميلشيات المتطرفة في الدول الأخرى.
الحضور التركي في موريتانيا بدأ منتصف العام 2004 عندما منحت سلطات نواكشوط ترخيصا بافتتاح مدارس برج العلم التابعة لحركة الخدمة التي يتزعمها الداعية والمفكر التركي فتح الله غولن.
وظلت مدارس غولن هي الممثل الوحيد للدبلوماسية التركية في موريتانيا حتى العام 2011، تاريخ افتتاح أول سفارة تركية في نواكشوط.
وفي نهاية العام 2016 توجهت الحكومة التركية بطلب رسمي لموريتانيا بتسليم عدد من أنصار غولن لاتهامهم في المحاولة الانقلابين الفاشلة، حيث ضغطت تركيا على نواكشوط من أجل سحب التراخيص وإغلاق المدارس وتسليمها للسفارة التركية.
واستجابت موريتانيا في العام 2018 لسحب تراخيص مدارس غولن وتحويل ملكيتها إلى رجال أعمال موريتانيين، دون أن تتعرض بأذى لطواقمها الذين استفاد عدد منهم من حق اللجوء السياسي في موريتانيا.
ويرى المراقبون إن حاجة موريتانيا الماسة للمساعدات الخارجية شكلت فرصة لتركيا التي حاولت جاهدة التغلغل في البلاد، وذلك من بوابة العمل الخيري حيث حصلت على ترخيص لمدارس أطلقت عليها معارف التركية، وأقنعت عدة منظمات تابعة للإخوان بفتح فروع في موريتانيا، وحصلت 4 منها على تراخيص عمل وهذه المنظمات هي، "الخير" و"ندوة الشباب الإسلامي" و"الإصلاح" و"يدا بيد".
واشترطت على هذه المنظمات عدم التدخل في الشأن السياسي وهو ما لم يحدث، حيث أصبحت هذه المنظمات منصة لنشر الفكر الإخواني، وهو ما جعل موريتانيا تعيد حساباتها من جديد وتلوح أكثر من مرة بتوقيف نشاطاتها.
في مطلع العام 2018 شعرت الحكومة الموريتانية بخطورة التغلغل التركي مع تصنيف الرئيس السابق للبلاد محمد ولد عبدالعزيز لجماعة الإخوان كجماعة إرهابية.
ويرى المراقبون أن التدخل التركي في شؤون دول إفريقيا وزعزعة أمنها واستقرارها جاء تحت عناوين مختلفة، لكن الهدف كان واحدا، وهو استنزاف كل بلد على حدة، أو استخدامه جسر عبور للبلد المستهدف، ولا تبدو سياسة أنقرة في موريتانيا مختلفة وإن تنوعت الأدوات، حيث توغلت فيها عبر الشركات التجارية تارة، ومن خلال وقف الديّانة التركي تارة أخرى، بذريعة تقديم مساعدات، أو حفر آبار للمياه هناك، واستغلال حاجة الناس وتشكيل جماعات تدين بالمعروف والولاء لها، مع استغلال حاجة الناس للخدمات، وتهيئة البيئة المناسبة لبثّ أفكار متطرفة.
لكن الحقيقة هي أن أردوغان لا يبغي من موريتانيا سوى استنزاف ثرواتها وخاصة الذهب.
ووقعت تركيا مع موريتانيا عشرات الاتفاقيات حققت عبرها ارتفاعا في حجم المبادلات بنسبة 6 مرات خلال 10 سنوات.
وترى تركيا في موريتانيا موطئ قدم لها نحو سوق أفريقيا الضخم، لكن انفتاح نواكشوط على العالم ضيع الحلم التركي وجعله على " المشاع "، أي أنه إما أن تدخل الشركات مناقصات عامة إما أن تذهب دون امتيازات خاصة.
وبالتوازي مع ذلك، استغلت تركيا ما تواجهه موريتانيا من تحديات بيئية، وتقدمت للمساعدة على اعتبار أن لديها خبرة في هذا المجال سيتم وضعها في إطار مشروع مكافحة التصحر في موريتانيا.
ومولت أنقرة مشروعا لتأهيل نحو 5 آلاف هكتار في كل من موريتانيا والسودان وإريتريا، بغلاف مالي يصل إلى 3 ملايين دولار، في الفترة من 2018 إلى 2021، ليكون ذريعة للتواجد التركي ببلد غني بالموارد الخامة.