إعلان "السراج" التخلي عن منصبه يربك المخططات التركية في ليبيا
السبت 19/سبتمبر/2020 - 01:22 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
بعد أكثر من 5 سنوات من حكم فايز السراج كرئيس لحكومة الوفاق الليبية، وجد الرجل نفسه أمام إخفاقات وانتكاسات أولها فشل المسار السياسي الليبي وتحويل ليبيا إلى مستعمرة لتركيا، إذ جعلت سياسات حكومته خلال هذه الفترة من ليبيا مسرحًا للحروب وحولت طرابلس ومصراته إلى مرتعًا للميليشيات والمرتزقة وانتشار السلاح وإدارة العمليات العسكرية ضد الجيش الوطني بدعم وتوجيه تركي، خصوصًا بعد توقيعه مع الحكومة التركية في نوفمبر 2019 مذكرتي تفاهم للتعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية مع تركيا، وما نتج عن ذلك من محاولات السيطرة على إيرادات ونفقات الدولة الليبية، لاسيما عائدات النفط من خلال سيطرة حكومته على البنك المركزي الليبي، وصرف عوائد النفط في جيوب أنقرة ودفع رواتب وأجور المرتزقة الذين زجت بهم في ساحات القتال الليبية، وهو النهج الذي أدى إلى تدهور الظروف المعيشية في البلاد وانتشار الفساد مما ولد احتجاجات على أداء حكومته شهدتها طرابلس وعدد من مدن الغرب الليبي مطالبة برحيله، ليأتي السراج معلنًا عن عزمه الاستقالة وتسليم السلطة في موعد أقصاه نهاية شهر أكتوبر المقبل.
ولكن إعلان فايز السراج عزمه التخلي عن منصبه أحبط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقال أردوغان معقبًا "هذا النوع من التطورات، وسماع أخبار مثل هذه يزعجنا بالتأكيد، فكما تتذكرون تدخلنا في ليبيا لدعم حكومة السراج في طرابلس، وانقذناها من السقوط".
وبحسب تقارير صحفية جاءت كلمة أردوغان معبره عن خسارة كبيرة لم يستطع ان يسرها في نفسه فعلى مدى سنوات استثمرت تركيا بسخاء في حكومة طرابلس وأرسلت خبراء عسكريين ومعدات وطائرات مسيرة ودفعت بمرتزقة لصفوف القتال مع ميليشيات طرابلس، ونجح التدخل والدعم التركي الكبير في معادلة الكفة ولو مؤقتًا في بعض مراحل الصراع في ليبيا، لكن لم يدم الأمر طويلاً، حيث ألجمت ضغوط دولية وإقليمية عدة الجموح التركي في ليبيا، وأوقفته عند حدود لا يستطيع تجاوزها، وزادت الانشقاقات والصراعات داخل القوى والميليشيات والقيادات في الغرب الليبي من مصاعب تركيا، فلا شيء مجاني في هذه المعركة، فالدعم التركي للسراج لم يكن دون مقابل، فعن طريق حكومة طرابلس حاولت تركيا أن تجد لنفسها نصيبًا من كعكة الغاز في المتوسط بتوقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية يفتقر لأدنى معايير القانون الدولي، وعن طريقها أيضًا سعت أنقرة لفرض أجندة إقليمية مختلفة تساوم بها الاتحاد الأوروبي من جهة وتحاول تعويم مشروع تنظيم الإخوان في المنطقة بعد أن لفظته جميع دولها، وحلم آخر بالاستحواذ على موارد ليبيا الوفيرة من النفط والغاز.
ويرى المراقبون أن إعلان السراج الرجل الذي راهن عليه أردوغان لتحقيق أطماعه جاء ليوقف أو على الأقل يربك المخططات التركية الخبيثة في ليبيا، وبعد هذا التطور قد يكون على أنقرة إعادة ترتيب أوراق اللعبة بين حلفاءها في الغرب الليبي أو انتظار مسار التسوية الذي بدأته أطراف الصراع عسى ان يترك لها ولو نافذة ضيقة على المشهد الليبي.