فيديو: السلفيون وتكفير الإمام أبو حنيفة النعمان
الخميس 08/أكتوبر/2020 - 01:34 م
طباعة
حسام الحداد
انتشر مقطع فيديو لأحد علماء السلفية المتشددين "صالح العقيلي"، يكفر الإمام أبي حنيفة بل ويحكم على من لم يكفره بالكفر أو الضلال، وهذه طبيعة الدعوة السلفية وعقيدة الولاء والبراء التي يعتنقونها، ولكن ما سر هذه الخصومة التي تصل حد التكفير بين الدعوة السلفية وإمام الرأي؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه في هذا التقرير.
وضع الامام أبي حنيفة النعمان قواعد المذهب الحنفي بقوله «آخذ بكتاب الله تعالى، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله أخذت بقول الصحابة، آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب -وعدَّد رجالاً- فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا».
وتوسع الحنفية في الاستحسان فأورثوا ثروة فقهية كبيرة وقد أجاب فقهاء المذهب الحنفي بأن أبا حنيفة ما كان يرد صحاح الأحاديث ولا حسانها كما يقال بل كان يتشدد في قبول الحديث أو خبر الواحد، عذره في ذلك أنه في الكوفة وكانت مهد الفتن والتحزب السياسي وانشقاق الفرق والبعض يتساهل ويدلس في الرواية وربما افتعلها انتصاراً لأهوائه والكوفة بعيدة عن الحجاز مهبط الوحي ومركز السنة فاحتاط الإمام في قبول الحديث والعمل به احتياطاً لشرع الله.
ولتشدده في قبول الحديث أو خبر الواحد، قام أهل الرواية قديما بالهجوم عليه وتجريحه، وفي العصر الحديث حملت الدعوة السلفية والوهابية لواء تكفير الإمام، فيقول "العقيلي": "فتنة أبي حنيفة وفساده الذي تركه في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ما زال مستمراً، ونظراً لأن السلف قاطبة قد حذروا من أبي حنيفة وكفروه وهجروه، وكذلك هجروا وبدعوا كل من لم يكفره أو نقل أقواله وآراءه ، بل من ذكر اسمه فقط"
هذا الفيديو وانتشاره هو ما دفع الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر بأسيوط، إلى الرد وتفنيد تلك المزاعم، مبديا دهشته من أن يحكم أحد على إمام من أئمة المسلمين بهذا الحكم، وبان يقول بأنه أمر "مجمع عليه".
ويرد مرزوق، عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، بالاشارة إلى ترجمة الإمام أبي حنيفة رحمه الله عند العلماء، حيث قال الحافظ ابن كثير عن الإمام أبوحنيفة، واسمه النعمان بن ثابت ، بأنه فقيه العراق وأحد أئمة الإسلام والسادة الأعلام ، وأحد أركان العلماء ، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ،وهو أقدمهم وفاة لأنه أدرك عصر الصحابة ، وذكر بعضهم أنه روى عن سبعة من الصحابة فالله أعلم ، وروى كذلك عن التابعين ورووا عنه أيضًا، ونقل ابن كثير آراء العلماء في أبي حنيفة حيث قال يحيي بن معين : كان ثقة ، وكان من أهل الصدق ولم يتهم بالكذب ، وذكر أيضًا زهد أبو حنيفة في القضاء، حيث ضربه ابن هبيره على القضاء فأبى أن يكون قاضيا ، ومن دلائل فضله أن يحيي بن سعيد بختار قوله في الفتوى ،وكان يقول : لا نكذب الله ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة وقد أخذنا بأكثر أقواله .
وقال عنه عبدالله بن المبارك : لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان الثوري لكنت كسائر الناس ، وكذلك قال الشافعي : من أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة ، ومن أراد السير فهو عيال على محمد بن إسحاق ، ومن أراد الحديث فهو عيال على مالك.
ويستطرد مختار مرزوق ذكر ما ورد في فضل الإمام أبو حنيفة مما ذكره العلماء، فينقل عن ابن حجر العسقلاني عن ابن معين قوله: كان أبوحنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه ولا يحدث بما لا يحفظ ، وكذلك شهد له ابن المبارك قائلًا : أفقه الناس أبوحنيفة ما رأيت في الفقه مثله .
وأضاف مرزوق أن أخلاق ابي حنيفة ومناقبه لا تخفى على أحد، ومنها ما روي عن أبي يوسف قال : بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلا يقول لرجل : هذا أبوحنيفة لا ينام الليل، فقال أبوحنيفة : لا يتحدث عني لما لم أفعل فكان يحيي الليل، اي بعد ذلك.
دار الإفتاء: أبو حنيفة إمام زاهد ورع تقي
وعبر موقعها الرسمي، تحدثت دار الإفتاء المصرية عن فضل أبو حنيفة رحمه الله، فقيه العراق وأحد أئمة الإسلام والسادة الأعلام كما وصفته، وأشارت إلى أنه كان عالمًا زاهدًا تقيًا وكان يقضي يومه في العلم والفتوى، ثم يجيء في الليل فيخلو بربه ويقرأ القرآن في ركعة، وقد يأتي على آية فيظل يرددها حتى يطلع الفجر، ونقلت الإفتاء جنبًا من الروايات التي تذكر علاقته بربه وبالقرآن:
· قول مسعد بن كدام عنه: "دخلت المسجد، فرأيت رجلًا يصلي فاستحليت قراءته، فوقفت حتى قرأ سبعًا، فقلت: يركع، ثم بلغ الثلث، فقلت: يركع، ثم بلغ النصف، فلم يزل على حاله حتى ختم القرآن في ركعة، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة".
· قول خارجة بن مصعب: "ختم القرآن في ركعة أربعة من الأئمة: عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة رضي الله عنهم".
· قول أسد بن عمرو: "صلى أبو حنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، فكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة، وكان يُسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه، وحُفظ عليه أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة".
· قول حماد بن أبي حنيفة: لما غسَّل الحسن بن عمارة أبي، قال: "غفر الله لك! لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة، ولقد أتعبت من بعدك، وفضحت القراء".
· ما قاله القاسم بن معن: "أن أبا حنيفة قام ليلةً يردد قوله تعالى: ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ [القمر: 46]، ويبكي، ويتضرع إلى الفجر".
· ما نقله مليح عن أبي حنيفة إذ قال: حدثني أبو حنيفة رضي الله عنه قال: "ما في القرآن سورة إلا قد أوترت بها".