الإرهاب التركي الداعشي واستغلال الألعاب الإلكترونية

الإثنين 28/ديسمبر/2020 - 01:23 م
طباعة الإرهاب التركي الداعشي حسام الحداد
 
تعتبر الألعاب الإلكترونية وسيطًا إعلاميًّا قويًّا تنقل من خلاله إشارات ورسائل سياسية وأخلاقية ودينية، كما أنها تحظى بتأثير مباشر وقوي على الشباب لتوفِّر ميزة التفاعلية، حيث إنها تعمل على إدماج ممارسي الألعاب في ذلك الواقع الافتراضي.
وتخلق تلك الألعاب حالة من الانغماس الجسدي والعقلي والوجداني تجعل مَن يمارسها مهيئًا لتلقِّي الرسائل التي تتضمَّنها بكل سهولة، وقد أصبحت تلك الألعاب واسعة الانتشار لسهولة توافرها عبر الوسائط الإعلامية الجديدة وانخفاض تكلفتها.
ومع التطور التقني بات بالإمكان ممارسة الألعاب الإلكترونية عبر الهواتف الجوالة، وصار لها جمهور عريض من المستخدمين المتعطشين لممارستها، حيث باتت تشكل أحد طقوس حياتهم اليومية.
البدايات:
فى نهايات التسعينيات دخلت لعبة فيديو استراتيجية تحمل اسم "ريد أليرت" موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكثر لعبة مبيعًا بعدد فاق 12 مليون نسخة، وفى عام 2000 صدر الجزء الثانى من اللعبة نفسها والتى تدور أحداثها فى أوائل السبعينيات ومحاولة الاتحاد السوفيتى السيطرة على العالم فى مقابل محاولات دول الحلفاء للتصدى له. من خلال اللعبة ترى أن التلاعب بالعقول أخطر أسلحة السوفييت فضلاً عن استغلال المدنيين وقتلهم إن تطلب الأمر.
لم يتحدث الكثيرون عن أهداف سياسية لهذه اللعبة الاستراتيجية ذات الشعبية الكبيرة بين جيل الثمانينيات والتسعينيات، ولكنها ليست اللعبة الوحيدة التى تحمل طابعًا سياسيًا فى عالم ألعاب الفيديو، ففى العقد الأول من الألفية الثالثة أصبحت الألعاب التى تحمل طابعًا سياسيًا أكثر وضوحًا وفجاجة وتستهدف برسائل مباشرة فئة الأطفال والمراهقين من خلال لعبة حماسية، وكان آخرها لعبة ثلاثية الأبعاد أطلقها حزب الله باسم "الدفاع المقدس" لمحاكاة قتال عناصره فى سوريا ضد من وصفهم بـ"التكفيريين".
اللعبة التى أطلقها حزب الله فى مارس 2018، تجسد عدة معارك شارك فيها من دمشق إلى الحدود اللبنانية السورية فى رأس بعلبك، وأعلن الحزب صراحة أن للعبة 3 أهداف أساسية للعبة أولها محاكاة المعارك وثانيها "تحفيز الروح الجهادية عند الجمهور المستهدف" وآخرها "توثيق انتصارات الحزب على العدو التكفيرى" حسب وصفه.
سبق لعبة حزب الله بسنوات لعبة أطلقها تنظيم داعش الإرهابى عام 2014 باسم "صليل الصوارم" بهدف "رفع معنويات المجاهدين وتدريب الأطفال والمراهقين على قتال قوات التحالف الغربى والإقليمى"، وأعلن التنظيم وقتها أنهم بصدد إصدار ألعاب إلكترونية أخرى للهدف نفسه.
وعلى الرغم من أن التنظيم لم يبتكر اللعبة بالكامل وإنما كانت نسخة معدلة من لعبة شهيرة اسمها Grand Theft Auto 5 إلا أنه بدأها بتحذير للولايات المتحدة الأمريكية بأنه سيضرب معاقلها ويعلن الحرب ضدها. وتتطور مراحل اللعبة من مهاجمة الجيش العراقى إلى قتال القوات الأمريكية.
الألعاب التركية وعمليات التزييف
توجد نماذج تستخدم الألعاب الإلكترونية كأداة لاستهداف النشء بروايات مضللة وتزييف الحقائق التاريخية وصناعة البطولة الوهمية، فعلى سبيل المثال برزت الألعاب الإلكترونية كإحدى أدوات القوة الناعمة التي تستخدمها تركيا لاختراق عقول الشباب في المنطقة، إذ يوجد على متجر “جوجل بلاي” نماذج عديدة من تلك الألعاب، ومنها الحروب العثمانية، والإمبراطورية العثمانية وأرطغرل غازي، وحروب الإمبراطورية العثمانية.
وتهدف تلك الألعاب إلى صناعة انطباعات إيجابية لدى ممارسيها عن تركيا عبر تزييف تاريخ العثمانيين الدموي وتصوير غزوهم واحتلالهم لأراضي الغير على أنه فتوحات، والإمبراطورية العثمانية الاستعمارية بأنها تمثل دولة الخلافة الإسلامية، ويأتي ذلك ضمن خطة ممنهجة تدعم تحقیق أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوسعية ورغبته في السيطرة على ثروات المنطقة والاستيلاء على مقدرات شعوبها.
فهذه الألعاب جزء من مخطط العثمانيين الجدد لصناعة صورة ذهنية إيجابية لدى الشباب عن الحقبة العثمانية البائدة وتمرير رسائل خبيثة تخدم مشروع أردوغان.
ثمة جانب آخر تسعى إليه تركيا من وراء الألعاب الإلكترونية وهو الترويج والدعاية إلى الأسلحة والذخائر التركية الصنع، وذلك رغم الفشل الذريع للصناعات العسكرية التركية واقتصارها على الأسلحة البسيطة التي لا تُغني عن مواصلة الاستيراد من الخارج.
ومن أمثلة ذلك لعبة “Arma 3” ضمن مجموعة ألعاب “FPS” الإلكترونية، حيث تتضمن اللعبة مجموعة من الأسلحة والآليات الحربية التركية مثل الطائرات المسيرة والمدرعة كوبرا ومروحيات أتاك ودبابة ألطاي، وفقًا لصحيفة أحوال التركية.
فلدى اختيار الراغب في ممارسة اللعبة، جنديًّا أو شرطيًّا تركيًّا، بوسعه أن يستخدم كل الأسلحة التركية المحلية الصنع، وبإمكانه أن يشارك عبر الأسلحة والذخائر بشكل افتراضي، في الهجمات التركية على شمال سوريا تحت مسميات تجسد شعارات إنسانية زائفة مثل غصن الزيتون ونبع السلام، علمًا بأن تلك العمليات العسكرية التركية تسببت بقتل المئات من المدنيين السوريين، خاصة من الأكراد، ونَجَمَ عنها احتلال مناطق واسعة في الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، فضلًا عن تهجير وطرد مئات الآلاف من سكان وأهالي تلك المناطق العربية والكردية، وإحلال إرهابيين وعائلاتهم في بيوتهم من تنظيمات داعش وجبهة النصرة وجيش الشام وفرقة السلطان مراد وغيرها من الفصائل الإرهابية.
وفي ذات الإطار، لم يقتصر اللجوء إلى استخدام الألعاب الإلكترونية على الدول، بل إن العديد من التنظيمات استعانت بها كأداة لإيصال رسائلها، ومن أبرز الأمثلة جماعة حزب الله اللبنانية التي أطلقت في مارس 2019 لعبة إلكترونية ثلاثية الأبعاد تحت مسمى “الدفاع المقدّس- حماية الوطن والمقدسات”.
وبحسب الحزب، تهدف اللعبة إلى توثيق مشاركة مقاتليه في الحرب الدائرة في سوريا ضد ما سمَّاهم بـ”التكفيريين”، وهي تجسد مجموعة من المعارك التي شارك فيها الحزب منذ عام ٢٠١٣، وتبدأ بمعركة في دمشق، وتنتهي بمعارك الحدود اللبنانية السورية في منطقة رأس بعلبك.
علمًا بأن حزب الله سبق أن أطلق لعبة إلكترونية حربية، عقب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، سعى من خلالها لتضخيم وتمجيد الدور العسكري لمقاتلي الحزب.
وسار في ذات الاتجاه، تنظيم “داعش” الإرهابي الذي وظَّف الألعاب الإلكترونية ضمن استراتيجيته الاتصالية لتجنيد الشباب، حيث أصدر لعبة تسمى “صليل الصوارم”، وفيها تمارس الشخصيات الإلكترونية الشبيهة بمقاتلي التنظيم بتفجير مركبات العسكرية، ومجموعة أخرى متخصصة في القنص، وثالثة بمهاجمة المنشآت العسكرية.
ويسعى التنظيم الإرهابي من وراء تلك اللعبة إلى التأثير في الشباب وتنمية رغبتهم في اختبار تلك المشاعر في الواقع، ما يحفزهم على الانضمام إلى التنظيم والانخراط في معارك ميدانية حقيقية.
وتأسيسًا على ما سبق.. يمكن القول إن الألعاب الإلكترونية كوسيط اتصال تعتبر سلاحًا ذا حدين، فقد يتم توظيفها بشكل إيجابي يعمل على تحقيق الاستقرار وتعزيز التماسك داخل المجتمع ونشر الوعي بخطورة الحروب والصراعات، أو يتم استغلالها سياسيًّا من قِبَل الدول والتنظيمات الإرهابية لخدمة أهدافهم، وتختلف آلية التوظيف وفقًا للهدف النهائي، ففي حالة تركيا باتت أداة أساسية في إطار حلم أردوغان بإحياء الدولة العثمانية، حيث يستخدمها في محاولة لغسيل السمعة السيئة للحقبة العثمانية، ومساعيه المتواصلة لاختراق العالم العربي، سواء فكريًّا أو عسكريًّا.
ويبقى القول بأن تلك الألعاب الإلكترونية وما تتضمَّنه من رسائل مسمومة تشكل خطرًا بالغًا بالنظر إلى اندفاع الشباب بشراهة نحو ممارسة تلك الألعاب التي أدت التطورات التقنية إلى جعلها أكثر إبهارًا وجاذبية.
البرلمان المصري:
في 15 يونيو 2019، نبه برلمانيون إلى ضرورة مواجهة استغلال التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش والإخوان وغيرها لبعض الألعاب الإلكترونية في التواصل بين الأعضاء عبر شفرات سرية، فضلا عن تجنيد الشباب عن بعد، خشية الملاحقات الأمنية.
وفي هذا السياق حذر النائب محمد عبدالله زين الدين وكيل لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب المصري، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، من استخدام التنظيمات الإرهابية كتنظيم "داعش" والإخوان عددا من الألعاب الإلكترونية التفاعلية على الإنترنت كوسيلة لتجنيد واستقطاب الشباب، والتواصل أيضا بين أعضائها. 
وأوضح زين الدين أنه تقدم إلى البرلمان ببيان عاجل يتضمن التحذير من بعض الألعاب الإلكترونية، خاصة التي تتيح لمستخدميها الاعتماد على أكثر من لاعب، حيث تلجأ إليها العناصر الإرهابية عبر استخدام شفرات سرية لإرسال التعليمات، والتواصل بين أعضائها من أجل تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية. 
وطالب النائب الحكومة بمواجهة مثل هذه الأساليب التي تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية، وإعداد برامج التوعية اللازمة من أجل تغيير ثقافة استخدام الألعاب الإلكترونية اللازمة لحماية شبابنا.
بدوره، دعا عصام القاضي، عضو لجنة الشؤون الصحية في مجلس النواب، الحكومة المصرية إلى ضرورة التدخل الفوري لمنع انتشار الألعاب الإلكترونية التي تحمل خطورة وتأثيرات سلبية على الأطفال.
وقال القاضي إن تلك الألعاب بمثابة حرب تستهدف الشباب والأطفال بشكل مباشر، قائلا إن بعض ألعاب الفيديو تحض على العنف، فضلا عن الاضطرابات العقلية والنفسية مع استمرار استخدامها لفترات طويلة.
ولفت إلى أنه في حال توفير الحكومة الآليات اللازمة لحجب مواقع الألعاب الإلكترونية الخطيرة، سيكون من الضروري إعداد مشروع قانون لحماية الأطفال والنشء يكون قابلا للتطبيق.
دار الإفتاء:
وفي 7 يونيو 2020، قالت دار الإفتاء المصرية، إن الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو للأطفال مُباحة، إذا كانت مناسبة للمرحلة العمرية لمن يلعب بها، و تساعده في تنمية الملكات أو توسعة القدرات الذهنية، أو للترويح عن النفس.
واشترطت الدار، عبر منشور على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" اليوم، ألا يكون في اللعبة قُمارٌ أو محظورٌ شرعي، مع مراعاة أن يكون ذلك بتوجيهٍ ومراقبة من ولي الأمر لأبنائه.
وكان مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، قد حذر في وقت سابق، من لعبة «بابجي pubg»، وافتى بحرمتها وما يماثلها من ألعاب الكترونية، لإزكائها الفتنة والعنف والكراهية، قبل أن يشدد على خطورة تحديثها الأخير لتضمنه مشاهد لا تستقيم مع الدين.
وتراجع صناع لعبة «بابجي pubg» عن التحديث الأخير الذي أثار استياء وغضب متابعون ومؤسسات دينية، نتيجة لوجود مشاهد يضطر فيها اللاعب إلى السجود للأصنام للحصول على مكاسب في اللعبة، ليتصدر وسم «هاشتاج» على «تويتر» يدعو إلى حذف اللعبة من الهواتف.
وأكد الفريق في بيان سابق، أنه يحترم جميع الأديان والثقافات ويبذل أقصى ما بوسعه لتوفير بيئة لعب آمنة وشاملة للجميع.
وكانت قد ثمنت دار الإفتاء المصرية عبر «فيس بوك»، تراجع الفريق، قائلة: «شكرا على الاستجابة السريعة».

شارك