الحكم على « هورآبادي» يكشف مأزق «آيات الله» في إيران
في واقعة تكشف مدى تراجع مكانة رجل الدين في ايران، حكمت محكمة ايرانية على «وحيد هورآبادي» بالسجن لمدة عام وغرامة قدرها مليوني تومان، بتهمة الاتجار بملابس رجال الدين.
التهم الموجهة لـ حجة الإسلام «آبادي» تختلف عن التهم التي توجه عادةً لرجال دين شيعة معارضين للنظام الإيراني من قبل الادعاء العام الخاص بمحكمة رجال الدين. ويبدو أن آبادي يعاني من الفقر بعد أن مُنع من مزاولة عمله، فلجأ إلى الشارع كبائع متجول لكسب قوت عيشه.
وبحسب منظمة «هرانا» الحقوقية في ايران، حكمت محكمة الاستئناف
بطرهان على هرفابادي بالسجن لمدة عام بتهمة «نشر أكاذيب بقصد تعكير الرأي العام» وبتهمة
التشهير برجال الدين لبيع الملابس باليد. تم تغريم رجال الدين مليوني تومان.
وتشمل قائمة التهم الموجهة إليه: «الدعاية ضد النظام» و«تشويش
الرأي العام» و«إهانة صادق لاريجاني الرئيس السابق للقضاء» .
وكان وحيد هورابادي قد قال سابقًا إنه طُرد من وظيفته في
جامعة طهران لدعمه الرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد، وإنه كان يعمل بائعًا
متجولًا لبعض الوقت للاحتجاج على هذه الخطوة ودعم نفسه.
يمنح القانون الايراني «رجال الدين» مكانة مميزة ويجعلهم
من الفئات العليا، كما أنه يقيّد العمل الذي يمكنهم القيام به، حيث أُنشئت المحكمة
الخاصة برجال الدين في عام 1979 بأمر من روح الله الخميني مؤسس النظام الإيراني بعد
الثورة التي أسقطت الشاه. وهي مستقلة عن باقي السلطة القضائية في إيران.
ولا يخفى أن دستور الجمهورية الإسلامية ونهجها السياسي يمنحان
رجال الدين امتيازات فريدة. فهم غير ملزمين بالخدمة العسكرية الإجبارية المفروضة في
ايران، كما أنهم معفيين، هم ومؤسساتهم من الضرائب. بالإضافة إلى ذلك يملك «آيات الله»
حقاً حصرياً في غالبية المراكز الرفيعة داخل النظام ومن بينها منصب المرشد الأعلى،
ووزير الاستخبارات، ورئيس السلطة القضائية، و«مجلس خبراء القيادة»، ونصف أعضاء «مجلس
صيانة الدستور» الذي يتمتع بنفوذ كبير.
كذلك يعتبر رجال الدين في إيران هم أصحاب القول الفصل ويشاركون
في جميع شؤون الدولة، لكن «تخبطهم في مواجهة وباء كورونا (كوفيد19) قد تضعف المكانة
السياسية التي يتمتعون بها بعد أن تعرض نفوذهم لضغوط بالفعل»، وفقاً لمحللين سياسيين.
وخلال السنوات الماضية تصاعدت رائحة فساد رجال الدين في
الشارع الايراني، حيث شنَّ الرئيس السابق أحمدي نجاد، هجومًا حادًّا على الأخوين لاريجاني
(رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام صادق لاريجاني، ورئيس البرلمان الايراني علي
لاريجاني) مُتهمًا إياهما بالفساد المالي والسياسي وكبت الحريات والاعتداء على المواطنين.
ووجّه رسالةً علنيةً
للمرشد الإيراني مطالبًا إيّاه بكفِّ أيدي الأخوة لاريجاني، عن المواطنين، وذلك من
داخل ضريح الشاه عبدالعظيم ذو المكانة الروحية العالية لدى الإيرانيين والذي دائمًا
ما يلجأُ إليه الإيرانيون للشكوي ممن ظلموهم.
كلك شهد شهر اغسطس 2019 اتهامات بالفساد المالي واستغلال
النفوذ بين عضو مجلس خبراء القيادة في إيران
وأحد أبرز علماء الدين الإيرانيين آية الله الشيخ تقى مصباح اليزدي، وصادق لاريجاني،
فضلًا عن الجهل وعدم التمكن من العلوم الفقهية.
ولا شك أنّ ما حدث
كشف عن قدرٍ كبيرٍ من الفساد المستشري في النظام الإيراني أمام الشعب وحتى بين القطاعات
المؤيّدة للنظام، فكلاهما من رجال حوزة قُم، وكلاهما شغل ولازال، أرفع المناصب في النظام
السياسي والحوزة، فكيف يمكن الوثوق بالنظام على المستوى الشعبي بعد كل هذه الفضائح
وملفات الفساد التي تمَّ الكشف عنها.
إلّا أنّ قلق رجال الدين من تراجع نفوذهم بلغ حدّ التشهير
به على الملأ. ففي عام 2016، قام «مكتب التوعية الإسلامية»، وهو منظمة دينية ضخمة تابعة
للنظام وخاضعة لإشراف خامنئي، بعقد ندوة تحت عنوان «الهيبة السياسية الاجتماعية لرجال
الدين في العقد الرابع من الجمهورية الإسلامية». وتطرق المتحدثون إلى أسباب تراجع مكانتهم
السياسية والاجتماعية، وأقرّوا بأن المشكلة وصلت إلى مرحلة حاسمة.
ويقول زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مهدي خلجي، إن
«الإخفاق الهائل لرجال الدين في مواجهة أزمة تفشي المرض سيدفع الشخصيات المؤثرة في
المجال السياسي في المستقبل أقل اهتماماً للحصول على الدعم الإيديولوجي أو السياسي
من رجال الدين في مرحلة ما بعد خامنئي».
وأضاف «خلجي» : على الرغم من توسع
الشبكة الاجتماعية لرجال الدين الإيرانيين واستعانتهم بالمزيد من الموارد الحكومية
لتوجيه التفكير العام، خسر هؤلاء سلطتهم الاجتماعية التي بلغت مستويات عليا في السابق.
إن انعدام أهميتهم في الحملات السياسية الإيرانية هو مجرد مثال واحد من أمثلة كثيرة.
فقد كان النظام يعتمد سابقاً على رجال الدين إلى حدٍّ كبير للتأثير على المواطنين وحثهم
على اتّباع توجيهاته، ولكنه أصبح اليوم يلجأ إلى نجوم السينما والشخصيات الرياضية للتحدث
إلى الشعب عن السياسة وحتى عن الأخلاق. وعلى الرغم من الثروة الطائلة لرجال الدين،
فقد رأوا دورهم في إدارة الشعائر والاحتفالات الدينية يتضاءل بشكل ملحوظ على مدى العقدين
الماضيين، بينما حلّ المدّاحون محلّهم في الكثير من هذه المهمات والفرائض».
وتابع ضمن تحليل سياسي له نشر بمعهد واشنطن لسياسة الشرق
الأدنى « من المفارقات، أن نظرية (ولاية الفقيه) قد قوّضت مفهوم (الفقه)
منذ ثورة عام 1979. فقد رأى رجال الدين الشيعة على اختلاف مستوياتهم قلّة الجدوى من
دراسة (الفقه) لكي يصبحوا (فقهاء) عندما يعاملهم المرشد الأعلى كما يُعامِل أي شخص
آخر، بإرغامهم على الإطاعة لأحكامه وحده حول جميع المسائل الدينية وغير الدينية. وبالفعل
فإن (ولاية الفقيه) تمنح المرشد الأعلى صلاحية فريدة لتخطي الشريعة الإسلامية كلما
تعارضت مع مصالح النظام. ولكن مع تراجع مكانة رجال الدين شيئاً فشيئاً، سوف يتعين على
النظام مضاعفة الجهود الحالية لاستراتيجيته، والاعتماد على التدابير الأمنية أكثر من
السلطات الروحية لضمان بقائه».