اليمين المتطرف وخطره على النمسا
الأربعاء 30/ديسمبر/2020 - 02:25 م
طباعة
حسام الحداد
أعرب وزير الداخلية النمساوي كارل نيهمر، عن قلقه بشأن تصاعد حدة التطرف اليميني في النمسا حيث تم ضبط أسلحة ألية وقنابل يدوية بحوزة جماعات اليمين مؤخرا.. معتبرا أن ذلك ينذر بتزايد مخاطر الهجمات الإرهابية.
وقال نيهمر - في تصريح له الثلاثاء 29 ديسمبر 2020- إنه تلقى معلومات من السلطات الأمنية في ألمانيا تفيد بأن المشهد اليميني المتطرف قد بدأ في هيكلة وتسليح نفسه.. لافتا إلى أن هذا التطور يؤخذ حاليا على محمل الجد خاصة مع تنامي نشاط هذه الجماعات في النمسا أيضا.
وأضاف نيهمر أن الحكومة تركز حاليًا بشكل أكبر على ملاحقة جماعة "الهوية" النازية وقد تم حظر رموزها بالفعل تمهيدا لحظر كافة أنشطتها.
وأشار الوزير إلى أن الحكومة تدرس مقترح الحبس الاحتياطي لكل عناصر الإرهاب.. موضحا أنه يجب التعامل مع هذه القضية "كأولوية" لزيادة الضغوط على أولئك الأشخاص الذين يمثلون خطرا كبيرا بسبب تاريخهم الإرهابي السابق.
وكانت الشرطة النمساوية قد وجهت ضربة لشبكة يمينية متطرفة في 12 ديسمبر 2020، بضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة التي كان الغرض من اقتنائها "تشكيل ميليشيا يمينة متطرفة في ألمانيا". وفي إطار العملية تم ألقاء القبض على عدة أشخاص في النمسا وألمانيا.
وجرى القبض على خمسة أشخاص مشتبه فيهم في النمسا بينهم رجل كان معروفا بالفعل للسلطات بسبب أنشطته اليمينية المتطرفة. وقال نيهامر في مؤتمر صحفي في فيينا إن أحد المشتبه فيهم كشف للمحققين عن الغرض من هذه الأسلحة.
ووجدت الشرطة أيضا 76 سلاحا آليا وشبه آلي و14 مسدسا وأكثر من مئة ألف خرطوشة لأعيرة مختلفة وكذلك ست قنابل يدوية وأنواع مختلفة من المتفجرات.
وجرى القبض على شخصين في ولاية بافاريا بجنوب ألمانيا، بحسب المحقق الرئيسيي في هيئة مكافحة الجريمة في ألمانيا(LKA) ميشائيل ميمرا. والتحقيقات أيضا جارية في ولاية شمال الراين ويستفاليا. وجرى الكشف عن الأسلحة في إطار عملية ضد تهريب المخدرات من ألمانيا إلى النمسا المجاورة، والتي تم بثمنها تمويل شراء تلك الأسلحة والذخيرة، بحسب ميمرا.
وقد ازدادت نسب العنصرية بشكل ملموس في النمسا، منذ تولي حكومة اليمين المتطرف مقاليد الحكم قبل أكثر من عام، واتباعها سياسات معادية للمسلمين واللاجئين.وتتبع الحكومة النمساوية إجراءات من شأنها هز أسس العيش المشترك في البلاد، من خلال اتهامها المسلمين والمهاجرين بالوقوف وراء كافة المشاكل التي تعانيها، وإصدارها قرارات من شأنها إقصائهم وتهميشهم.ويروج الاتجاه اليميني المتطرف لإدعاءات عدة حول المسلمين واللاجئين، مفادها بأنهم مجموعات تتمتع بـ “الميل لارتكاب الجرائم بشكل كبير”، و”استغلال النظام الاجتماعي للبلاد بشكل سيئ”، وقال الرئيس النمساوى هاينز فيشر، فى تصريح لمراسل “وكالة أنباء الشرق الأوسط “فى النمسا، أن ظاهرة الإسلام فوبيا ستضعف بمرور الوقت، وأن هناك تعاونا مستمرا بين الهيئة الإسلامية فى النمسا وسكرتير الدولة لشئون الاندماج سباستيان كورتس، لمواجهة هذه الظاهرة بهدف القضاء عليها.
نقلت وكالة الأنباء النمساوية الرسمية “إيه بي إيه”، عن مركز التوثيق والمشورة لجرائم الإسلاموفوبيا “غير حكومي” فى 3 ابريل 2019 أن أغلب الحوادث العنصرية حدثت على شبكة الإنترنت، منوها بأن معظم الحالات المسجلة في العام الماضي تتعلق بخطاب الكراهية أو الإهانات اللفظية، بنسبة (46%). “هذه الاعتداءات تراوحت بين الإساءة اللفظية إلى الاعتداء البدني وجرائم التمييز ضد المسلمين في أماكن العمل”. وأضاف المركز أن “معدل الجرائم العنصرية ضد المسلمين بشكل كبير في 2018، حيث سجلت البلاد (540) جريمة فيه مقارنة بـ(309) جرائم في 2017”. ووفق البيان نفسه، فإن “معظم الجرائم المسجلة العام 2018 (46%) منها تمثلت في استخدام خطاب كراهية بحق المسلمين، ثم الإهانات اللفظية بنسبة (14%)، وجرائم التمييز في أماكن العمل( 6%)، واعتداءات بدنية وغيرها (17%). وأضاف البيان أن “أكثر من نصف هذه الجرائم (53 %)، وقع عبر الإنترنت و(31%) في أماكن عامة”. وتابع البيان أن “الغالبية العظمى من هذه الجرائم وقعت في فيينا، و(4) من كل (5) حالات كانت الضحايا نساء”.
أثار مقطع فيديو عنصري استهدف من خلاله حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، المسلمين بالبلاد، استياء ناشطين، وصحفيين، ومنظمات مجتمع مدني، وفي مقدمتهم الجالية المسلمة النمساوية.ونشر الحزب مقطع فيديو على حسابه الرسمي بموقع “فيسبوك” بخصوص بطاقات التأمين الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في 2019. مشيرًا أن هذا لن يسمح بحدوث أي تلاعب غير قانوني بالبطاقات الجديدة، لكن الحزب تعمد في الفيديو أن يستخدم اسمي علي ومصطفى، في إشارة إلى أن المسلمين هم من يقومون بالأمور غير القانونية
تظاهر نتيجة لهذه العنصرية أكثر من 10 آلاف شخص، في العاصمة النمساوية فيينا، فى 16 نوفمبر 2018 ، احتجاجا على فيلم الدعائي و سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة، العنصرية والمثيرة للتفرقة في المجتمع ومواقفها من اللاجئين وبرنامجها الاجتماعي ، وفق ما نقلت وكالة أنباء “الأناضول” التركية. كما اعتبروا أن الحكومة تسعى للتغطية على المشاكل الحقيقية للبلاد، عبر خلق أجندة مصطنعة تطال المسلمين والمهاجرين .
وفي بيان صادر عنه، أعرب زعيم المعارضة النمساوية، الحزب الديمقراطي الاجتماعي، عن رفضه لما قام به حزب “الحرية”، مؤكدًا أن “هذا التصرف دليل واضح على عدم مسؤولية شريك الائتلاف الحكومي، ورئيس الوزراء سباستيان كورز يرى ذلك ويسمح به”.ولفت الحزب في بيانه إلى أن نشر هذا الفيديو يتزامن مع اليوم الذي نظمت فيه الحكومة ندوة تحت عنوان “خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي”، موضحًا أن “هذا التزامن أمر مثير”.
أشاد مرصد الإسلاموفوبيا، التابع لدار الإفتاء فى 8 يناير 2018، بتدخل الرئيس النمساوي، لوقف حملة عنصرية ضد مولودة مسلمة، حيث وجه الرئيس “فان دير بيلين” تهانيه للمولودة “أسيل”، التي جاءت للحياة في الساعات الأولى من العام الجديد في فيينا.وكانت الرضيعة قد تعرضت لحملة كراهية على مواقع التواصل الاجتماعي في النمسا، بعد أن ظهرت والدتها المحجبة وهي تحملها في صورة نشرتها بعض وسائل الإعلام في النمسا باعتبارها أول مولودة في البلاد خلال العام الماضى وذلك فى 6 يناير 2018 نقلا عن ” دويتشه فيلا “.
تعزيز العلاقات باليمين الأوروبى
أعلن المستشار النمساوي السابق “سباستيان كورتس” فى 15 يونيو 2018 إغلاق المساجد السبعة وطرد عشرات الأئمة مع أسرهم، بعد استياء أثاره تمثيل أطفال يرتدون زيا عسكريا لمعركة رمزية في التاريخ العثماني داخل أهم مساجد فيينا التي تحصل على تمويل تركي، وقال بالخصوص “لا مكان للمجتمعات الموازية والإسلام السياسي والتطرف في بلادنا”واعتبرت أنقرة أن هذه الحملة «عنصرية وتمييزية».. نقلا عن ” الجزيرة نت ” .ونشرت صحيفة “فالتر” النمسوية صوراً يظهر فيها فتيان في زي عسكري، يؤدون التحية العسكرية وهم يقفون في طابور ويلوّحون بأعلام تركية أمام أطفال. وفي صورة ثانية، يتمدّد أطفال أرضاً، ممثلين دور ضحايا المعركة، وقد لفوا أجسامهم بعلم تركي. نقلا عن صحيفة” الحياة ” فى 9 يونيه 2018 .
استندت الحكومة النمساوية في قرارها إلى قانون أُقرّ عام 2015 بإشراف المستشار “سيباستيان كورتز”، عندما كان وزيراً للخارجية، وهو يحظر التمويل الخارجي للجماعات الدينية ويلزم الجمعيات الإسلامية بأن تكون لديها “رؤية إيجابية جوهرية تجاه دولة (النمسا) ومجتمعها” نقلا عن موقع ” سكاى نيوز ” فى 8 يونيه 2018. لقي قرار كورتس تأييدا سياسيا وإعلاميا داخل بلاده ومن تيارات اليمين المتطرف الأوروبية، بينما هاجمته تركيا بشدة، وهددت الهيئة الدينية الممثلة لمسلمي النمسا أمام سلطات الدولة بالاستئناف ضده أمام القضاء.
ملف الهجرة واللاجئين
خلفت أزمة اللاجئين بشكل عام حالة من القلق الرهيب لدى الطبقة العاملة والمتوسطة في أوروبا على مستقبل دولة الرفاه وفرص التوظيف والرعاية الصحية. وأستغل اليمين المتطرف حالة القلق المتنامية تلك في الترويج لخطابه المعادي للأجانب عبر ورفع شعار (المواطن أولاً)، وإلقاء اللوم على النخب الحاكمة والاتحاد الأوروبي بالتسبب في تردى الأوضاع الاقتصادية للأوروبيين جراء تلك الأزمة. ولقى هذا الخطاب استحسان وتعاطف كبير وانعكس على ارتفاع أسهم اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية .قالت الحكومة النمساوية اليمينية فى 31 أكتوبر 2018 إنها ستحذو حذو الولايات المتحدة والمجر بالخروج من اتفاق الأمم المتحدة بشأن المهاجرين وسط مخاوف من أنه قد يطمس الخط الفاصل بين الهجرة الشرعية والهجرة غير الشرعية. وذلك نقلا عن ” رويترز “.
تواصل الحكومة النمساوية إجراءات من شأنها تشديد سياستها المتعلقة باللجوء، وتشمل مصادرة أموال اللاجئين للإنفاق على الخدمات، التي يحصلون عليها وكذلك هواتفهم المحمولة لمعرفة البلاد التي قدموا منها.وجاءت هذه الإجراءات ضمن مشروع قانون أقره مجلس الوزراء النمساوي فى 18 أبريل 2018 نقلا عن ” دويتشه فيله ” .
وقال المستشار النمساوي السابق ” سيباستيان كورتس” خلال مؤتمر صحفي في ختام اجتماع أسبوعي للحكومة “مصممون على تكريس جهودنا لتحقيق هدف مكافحة الهجرة غير الشرعية وإساءة استغلال اللجوء”.وتعتبر حركة الهوية اليمينية المتطرفة، بالنمسا من الحركات معروفة بعدائها للاجئين والمهاجرين والمسلمين، وتدعو لـ”تطهير أوروبا” من المهاجرين والمسلمين، كما هاجمت العديد من الهيئات التابعة للمسلمين في النمسا عبر وضع لافتات عنصرية. تظاهر أكثر من عشرين ألف شخص على الأقل في فيينا فى 14 يناير 2018 وفقا لما ذكره موقع ” فرنس 24 ” .
تعد النمسا الدولة الوحيدة في أوروبا الغربية التي تسيرها حكومة يمينية متطرفة منذ فوز كورتس في الانتخابات الوطنية النمساوية فى 2017، وفى ظل هذه الحكومة زادت حدة الإسلاموفوبيا في النمسا ، بل واتجهت الى إظهار الأجانب واللاجئين وكأنهم “فزاعة ” بل يحملونهم مسؤولية كافة الظواهر السلبية التي تشهدها البلاد خاصة فى ظل الأزمات الإقتصادية وتزايد اعداد المهاجرين مع اندلاع حرب سوريا والعراق .
ورفعت أحزاب اليمين واليمين المتطرف في شكل مشترك شعارات وتتبنى مفاهيم مثل خطر الإسلام المتزايد، وحماية الحدود الوطنية وتأمينها لصد المهاجرين والحفاظ على الهوية النمساوية، وهي قيم حزب الحرية النازي وحزب الشعب اليميني. ويضغط قادة حزب الحرية النمساوي الذي كان شعاره في السباق الانتخابي الماضي “الأسلمة يجب أن تتوقف”، من أجل تبني السلطة إجراءات عنصرية تستهدف المسلمين والجالية العربية والمهاجرين، من خلال إجراءات حماية حدود النمسا، ومحاربة الإسلام السياسي والحد من الهجرة.