"مخالب الشيطان".. أذرع أردوغان تتغلغل داخل القارة السمراء خدمة لأطماعه
السبت 09/يناير/2021 - 12:49 ص
طباعة
فاطمة عبدالغني
مع أن محاولات التمدد التركي في أفريقيا ليست بجديدة إذ تعود إلى التسعينيات من القرن الماضي بيد أن ثمة دوافع متزايدة في الآونة الأخيرة، تحرك سياسات أنقرة بالقارة السمراء ترتبط في مجملها بقوس الصراع على النفوذ من "المتوسط" إلى "الأحمر"، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الأطماع السياسية والإستراتيجية لأنقرة، طويلة الأمد في المنطقة.
وعبر وكالاتها ومؤسساتها الخيرية المتنوعة تمتد أذرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعبث بأمن القارة السمراء، بهدف إعادة تشكيل مفاصلها على مقاس أجندته فيها، ويأتي في مقدمة تلك الأذرع:
وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA): تُنفِّذ أنشطتها في القارة من خلال 22 مكتب تنسيق، بحيث يتم تقديم المساعدة في مختلف المجالات إلى البلدان الأفريقية. وقد نفذت الوكالة العديد من المشروعات في دول المنطقة مثل تشاد والنيجر وغيرهما. وتُتهم الوكالة بأنها تشكل ستاراً للعمل الاستخباراتي وللتجنيد وتمويل التنظيمات الإرهابية من قبل النظام التركي.
وتمثل شركة صادات التركية: تُمثل ذراعاً مهمة للسياسة التركية في أفريقيا، باعتبارها عقلاً مدبراً وذراعاً منفذاً لأهدافها التي تنطوي على التمدد الخارجي في مناطق النزاعات في القارة. كما يتم توظيفها بأشكال متعددة، سواء فيما يتعلق ببيع الأسلحة والخدمات الأمنية والاستخباراتية، ويمكن استغلالها في بعض المسائل غير القانونية وغير المشروعة.
وبحسب تقرير سابق لموقع بوابه الحركات الإسلامية يشار إلى أن شركة "صادات" تأسست في 2012 على يد الجنرال المتقاعد عدنان تنري فردي باعتبارها الشركة الأولى والوحيدة في تركيا التي توفر الخدمات الاستشارية والتدريبات العسكرية في مجال الدفاع الدولي. وتأسست من قبل 23 ضابطًا وصف ضابط متقاعدين من مختلف وحدات القوات المسلحة التركية، وفي 28 فبراير 2018 تم منحها شهادة "الشركة الأمنية الخاصة" من قبل ولاية اسطنبول وفقا للقانون 5188 واللائحة التنفيذية.
ووفق تعريفها لنفسها تهدف "صادات" إلى "بناء تعاون دفاعي بين الدول الإسلامية من أجل مساعدة (العالم الإسلامي) على أخذ المكان الذي يستحقه بين الدول العظمى"، وتقدم "خدمات استشارية وتدريبية".
لكن الشركة لعبت أدوارا مشبوهة في سوريا، وقامت بتدريب الإرهابيين الذي يقاتلون في البلد العربي وفق "مينا واتش".
يذكر أنه بعد محاولة الانقلاب منتصف يوليو 2016 وتحديدًا في 16 أغسطس عين أردوغان تنري فردي كبير المستشارين العسكريين، وفي 13 أكتوبر 2018 عينه بهيئة السياسات الأمنية والخارجية التابعة للرئاسة التركية.
وبحسب تقارير إعلامية تركية وأمريكية، تولى تنري فردي، بتعليمات من أردوغان، تدريب عناصر الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا، وتنفيذ جميع الأعمال القذرة التي لم يكن الرئيس التركي يجرؤ على تكليف الجيش بها.
وتقول قيادات من المعارضة التركية إن تنري فردي يحظى بثقة كبيرة لدى أردوغان، ولذلك يستعين به من أجل قتال المنشقين داخليا، وتدريب جهاديين للقتال في حروبه الطائفية الخارجية.
ووفقًا لموقع "ديكان" التركي نقل عدنان فردي البعض من هؤلاء الإرهابيين الذين تم تدريبهم إلى أنقرة لتعقب المعارضين وأعداء أردوغان وتصفيتهم، كما استخدمهم لقمع الأكراد الأتراك والسوريين، واستعملهم لتهريب تكفيريين إلى أوروبا لتنفيذ عمليات إرهابية.
وقال مايكل روبن، الباحث بمعهد "أمريكان إنتربرايز"، في حديث صحفي، إن "أردوغان يدرك بشكل متزايد الخطر المتمثل في أنه لا يستطيع الاعتماد فقط على الجيش التركي لدعم نظامه".
وتابع: "هذا هو السبب وراء سعيه المستمر لإنشاء مليشيا على غرار الحرس الثوري الإيراني، من أجل توسيع مجال عمله في الداخل والخارج".
ونوه بأن أردوغان بات يعتمد أكثر وأكثر على "صادات" بدلا من الجيش التركي عندما يتعلق الأمر بمهام عسكرية حساسة في الخارج.
أما المؤرخ حميد بوزارسلان، فيؤكد في تصريحه لصحيفة أحوال تركية، إن "صادات" شركة خاصة للاستشارات العسكرية، لكنها إحدى أفرع القوات غير الرسمية التي تشمل قوات شرطية وتشكيلات شبه عسكرية تشكل جيش الدولة شبه الموازية في تركيا.
ويوافقه دانييل بايبس، المؤرخ الأمريكي ورئيس منتدى الشرق الأوسط، في أن إردوغان عزز سلطاته على المؤسسات التركية: الجيش، أجهزة المخابرات، الشرطة، القضاء، البنوك، الإعلام، مجلس الانتخابات، المساجد والنظام التعليمي. دعم شركة صادات الأمنية الخاصة، والتي يعتبرها بعض المحللين جيش "الظل" أو الجيش الخاص.
أما موقع تيروريزم أناليستز فيرى أن "صادات" تفعل ما كان يفعله النظير الإيراني منذ عقود من خلال خلق وكلائه في بلدان عدة، حيث أعلن تنري فردي في 2017 أنه يرغب في إقامة جيش إسلامي يضم جنود من كل البلدان الإسلامية "لمحاربة إسرائيل"، كما نشرت صحيفة يني شفق التركية المؤيدة لأردوغان
أما مؤسسة "المعارف" التركية: أنشأتها الحكومة التركية لإدارة المدارس الخارجية المرتبطة بحركة فتح الله غولن. وباتت هذه المؤسسة تملك 23 فرعاً في أفريقيا، وحوالي 333 مدرسة في 43 دولة، واستطاعت تأسيس مكاتب وممثليات لها في عدد من دول المنطقة، هي تشاد والغابون وغامبيا وغينيا ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال وسيراليون والسودان وتونس. وتتهم هذه المؤسسة بأنها بمثابة ذراع طويلة للنظام التركي في أفريقيا فيما يتعلق بتقديم الخدمات التعليمية كجزء من استراتيجية "تركنة" الأفارقة، خاصة أنها تهدف إلى تنشئة جيل جديد من الناشطين الإسلاميين السياسيين للتعبئة حول السياسة التركية في أفريقيا.
هذا وتعد مؤسسة وقف معارف من أحداث الآليات التى أقدم أردوغان علي أستحداثها، يرجع تأسيسها إلي عام 2016، حيث قيام حزب العدالة والتنمية بالموافقة علي قانون إنشاء مؤسسة معارف.
وسعت أنقرة إلى نشر مدارس مؤسسة معارف التركية في عدد من الدول الأفريقية بهدف التوغل والتأثير علي سياسات الدول الداخلية؛ مستغلا ما تعانيه كثير من دول القارة من انتشار الجهل والفقر والمرض، مستخدما سلاح المعونات الإنسانية والتعليمية، ومن ثم جاءت هذه المدارس لنشر فكر أردوغان للتمجيد في انجازاته ونموذجها الإسلامي الذي يرغب من خلاله في قيادة العالم الإسلامي ، كما هدفت ايضا إلي القضاء علي العلمانية التركية التي دعا اليها أتاتورك وتبنها عقب ذلك فتح الله غولن.
جاءت هذه المدارس لتحل محل مدارس فتح الله غولن واعتمدت ميزانيتها علي وزارة التعليم التركي وهي غير خاضعه للتنفيش أو المتابعة بما يضع الشكوك حول مدي إمكانيتها مساعدة ودعم الحركات السياسية المتطرفة .
وتصوغ مدراس معارف التركية مناهج تقوم في جوهره علي نشر الكراهية والعنف وفكرة الجهاد، وتخلق جيل من الأطفال تابع لأردوغان وسياسته وأيديولوجيته بما يسهم مستقبلا في زيادة عدد مؤيديه.
وتستخدم المؤسسة في عدد من الدول الأفريقية كأدوات تجسس للنظام، كما هو الحال في موريتانيا مما يفقدها صبغتها الدينية، فهي بمثابة جهاز أمنيا وليس نموذجا تعليميا.
وعلى الرغم من ذلك الانتشار إلا أن هناك عددا من الدول التي عارضت تدشين مثل تلك المدراس داخل أراضيها، ويأتي في هذا المقام تونس التي شهدت جدلاً واسعاً في نوفمبر لعام 2017 حول تأسيس إحدى المدارس التابعة لمؤسسة وقف المعارف التركية تحمل اسم “المعارف”، ففي حين وافق المدير العام للتعليم الثانوي بوزارة التربية على فتح تلك المدرسة والذي جاء طبقاً للقانون، فإن مديرة المكتبة الوطنية الحكومية- التابعة لوزارة الثقافة-، رجاء بن سلامة، انتقدت ذلك واعتبرت أن تلك المدرسة ستمثل تهديداً حقيقياً للمدرسة العمومية.
وفيما يتعلق بمؤسسة "عزيز محمود هدائي": فهي منظمة تركية غير حكومية مهّد بها نظام الرئيس رجب طيب أردوغان لغزو أفريقيا عبر بوابة "فعل الخير والأعمال الإغاثية".
وتأسست المؤسسة الخيرية المزعومة عام 1985، وتُعرف نفسها على أنها منظمة غير حكومية تسعى لـ"تقديم خدمات خيرية في مجالات التعليم والخدمات الاجتماعية والإنسانية"، ووضعت لنفسها شعاراً مسموماً وهو "محاربة الفقر والجهل".
ويتبين من الأهداف الظاهرة التي سطرتها مؤسسة "هدائي" أنها من أخطر المنظمات التركية التي تزعم فعل الخير في اختراق الدول والمجتمعات عبر مسميات واهية.
تروج المنظمة التركية إلى أن أهدافها "محاولة تخفيف المصاعب المادية والروحية للناس في جميع أنحاء العالم من خلال مشاريع مختلفة والمساهمة في الجهود المبذولة لتلبية احتياجاتهم في تركيا والعالم الإسلامي".
وتعد مؤسسة "عزيز محمود هدائي" ثاني أكبر ذارع خيري لحزب "العدالة والتنمية" الإخواني الحاكم بتركيا بعد مؤسسة "إيليم يايمه" والتي يقودها أحمد حمدي طوباش، وهو شقيق رئيس بلدية اسطنبول السابق قدير طوباش المنتمي لحزب أردوغان، وفق ما تؤكده وسائل إعلام محلية.حقيقة "اختراق مخابراتي تركي إخواني لخدمة أطماع أردوغان التوسعية".
وفي 2019 وبالتزامن مع تكالب النظام التركي على دول عربية وتصاعد نفوذه في أفريقيا، قرر أردوغان زيادة الدعم المالي لأذرعه الخيرية بإسطنبول من موازنة البلدية التي تبلغ نحو 4 مليارات دولار.
إذ منحها امتيازات كثيرة بالشكل الذي يساعدها على تنفيذ "مهام غير مشروعة"، بعد أن خصص لها مبان جديدة، وقطع أرض بقيمة 16 مليون ليرة تركية (مليونا دولار).
في يونيو2020، كشفت مؤسسة نورديك منيتور السويدية حقيقة أطماع أردوغان في أفريقيا وكيف بدأت بغطاء الأعمال الخيرية والمتاجرة بفقر الشعوب الأفريقية وعلاقاته مع بعض قادة القارة؟
ونشرت المؤسسة الفكرية التي مقرها ستوكهولم دراسة أكدت فيها أن أردوغان استخدم مؤسسة عزيز محمود هدائي لاستعادة ما يسمى بـ"قيادته الإسلامية" في أفريقيا في إشارة إلى الأوهام العثمانية، محاولا بها توسيع مخططاته القذرة منذ أن كان رئيساً للوزراء.
المؤسسة السويدية أكدت أيضاً أن أردوغان مهّد لمشروعه الإخواني في أفريقيا منذ عدة سنوات بالتركيز على "القوة البيضاء" في إشارة إلى الجمعيات الخيرية وكذلك "إقامة روابط مع الجماعات المتطرفة"، وهو ما يؤكد دعم النظام التركي للإرهاب بالقارة.
وأشارت إلى أن "اهتمام أردوغان لم يكن فقط بليبيا" حينما غذى الحرب فيها بتدخله العسكري لصالح حكومة فايز السراج غير الدستورية، بل إن أطماعه "تشمل كل القارة الأفريقية"؛ حيث تمتد حتى جيبوتي والصومال والسودان.
ونبهت إلى أن النظام التركي اختار تلك الدول الثلاث لـ"تعزيز نفوذه في أفريقيا عبر اتفاقيات اقتصادية وعسكرية بهدف تعزيز مكانتها الإقليمية في حوض المتوسط والبحر الأحمر للسيطرة على موارد المنطقة".
ومن بين الحقائق الخطرة التي توصلت إليها دراسة "نورديك منيتور"، استغلال النظام التركي الدين والفقر لتعزيز أيديولوجيته الإخوانية السياسية في أفريقيا عبر "مؤسسة هدائي" أيضاً.
وأشارت إلى دور المؤسسة الخيرية التركية التي تدعم حكومة أنقرة في بناء مدارس ومساجد بـ"خلفية إخوانية" في دول أفريقية كثيرة، بينها غانا التي شيدت بها مدرستين ومسجدا عام 2019.
ونبهت إلى أن خطة أرودغان عبر مؤسسة "هدائي" تضمن له "تحقيق أهدافه السياسية في غضون سنوات قليلة"، تم فيها الاعتماد على دليل تعليمي مسموم يروج لـ"دولة إسلامية".
دراسة المؤسسة السويدية كشفت عن هرولة أردوغان عقب الانقلاب العسكري المزعوم عام 2016 إلى "إحكام السيطرة على مدارس فتح الله غولن في أفريقيا من خلال إنشاء مؤسسة عامة جديدة"، وضعت لها علامة تجارية سمتها "مؤسسة معارف".
وفضحت "نورديك منيتور" استغلال أردوغان علاقاته مع قادة أفارقة في الضغط عليهم لتسهيل مهام مؤسسة "هدائي" لتسهيل أعمالها، وكذلك لإغلاق المؤسسات المرتبطة بفتح الله غولن، خصوصاً في نيجيريا والصومال والسنغال وتنزانيا.
ومنذ أن صعد أردوغان إلى رئاسة الحكومة التركية سنة 2005، سعى لتنفيذ مخططه لاحتلال الدول بخطوات تدريجية وتمويه خبيث، كانت فيه مؤسسة "عزيز محمود هدائي" منطلقاً لهوسه بالسيطرة واستهداف أمن واستقرار الدول.
ووصل عدد الدول الأفريقية التي اخترقتها "هدائي" إلى 16 دولة، لكن اللافت أن معظمها تنشط بها أخطر التنظيمات الإرهابية منذ أن وطأت أقدام تركيا في القارة بينها "داعش والقاعدة وبوكو حرام"، أو تعاني من حروب أهلية أو أزمات اقتصادية خانقة وفقر ومجاعة.
وهذه الدول الـ16، هي: بنين، بوركينا فاسو، الكاميرون، كوت ديفوار، إثيوبيا، غانا، مالي، النيجر، نيجيريا، أوغندا، السنغال، الصومال، السودان، تنزانيا، توجو، وزامبيا.
وبهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية، سارع الرئيس التركي عبر زيارته المشبوهة والكثيرة إلى أفريقيا لتوسيع سفاراته والتي وصلت إلى 42 سفارة مع نهاية 2019 من أصل 54 بلداً أفريقياً.
وخلصت دراسة "نورديك منيتور" إلى أن تركيز أردوغان على زيادة نفوذ مؤسسة "هدائي" الخيرية المزعومة من خلال رحلاته المكوكية المشبوهة للقارة السمراء تتمحور حول هدف واحد وهو "التأثير السياسي والاقتصادي".
ومن خلال البحث المعمق عن تفاصيل مؤسسة "هدائي" ونشاطها المشبوه، يتضح أنها من الأذرع الخيرية التركية والإخوانية التي تعتمد على "المال المشبوه" لتنفيذ عمليات تتعدى "أعمال الخير والإغاثة" على حد زعمها إلى "أجندات أقرب إلى الأعمال الاستخباراتية".
ففي 2016، ورد اسم مؤسسة "هدائي" التركية في وثائق بنما التي نشرت وثائق سرية هائلة عن قضايا فساد وتبييض الأموال في عدد من دول العالم.
وأشارت إحدى وثائق بنما المسربة إلى مؤسسة "عزيز محمود هدائي" "من الكيانات التي تحتفظ بأموالها في حسابات خارج تركيا"، وهو ما يعزز فرضية أنشطتها ودورها المشبوه في أفريقيا .
وأخيرًا تتعدد أدوات القوة الناعمة للسياسة التركية في الساحل وغرب أفريقيا، وتأتي على رأسها المساعدات الإنسانية، حيث تنخرط أنقرة بشكل كبير في مجال المساعدات وتوزيع الغذاء لشعوب المنطقة. كما توجد عدد من المؤسسات التركية التي تعمل في المنطقة مثل الهلال الأحمر التركي، ووقف الديانة التركي واتحاد الجمعيات الإنسانية التركية IDDEF التي تقوم بنشاطات إنسانية وإغاثية في العديد من دول المنطقة، إضافة إلى نشاط هيئة الإغاثة التركية تيكا والصليب الأحمر التركي في أفريقيا.