داعش والقاعدة والصراع على النفوذ
حسب نشرة "مؤشر الارهاب العالمي" التي نشرت في
نوفمبر 2020، نقل تنظيم الدولة الاسلامية "مركز ثقله" من منطقة الشرق الاوسط
إلى القارة الأفريقية وإلى جنوب القارة الاسيوية بدرجة اقل، حيث شهدت منطقة الساحل
هذا العام زيادة في اعمال القتل بنسبة 67 في المئة مقارنة بالعام الفائت.
وجاء في النشرة "إن نمو الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة
"داعش" في منطقة الساحل أدى الى تصاعد وتيرة الاعمال الإرهابية في العديد
من بلدان المنطقة" وتقع سبع دول من الدول العشر التي شهدت تصاعدا في الاعمال الارهابية
في جنوب الصحراء الكبرى وهي بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي
والنيجر والكاميرون واثيوبيا.
ولفتت النشرة الى أنه في عام 2019 شهدت دول جنوب الصحراء
الكبرى اكبر زيادة في عمليات القتل التي تنسب للجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة الاسلامية
والتي بلغ مجموعها 982 حالة قتل وهو ما يمثل 41 في المئة من اجمالي أعمال القتل.
ويؤكد منسق محاربة الارهاب في وزارة الخارجية الأمريكية السفير
ناتان سلز أن القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية نقلا مركز ثقلهما من منطقة عملهما التقليدية
في سوريا والعراق الى الجماعات المرتبطة بهما في غرب وشرق القارة الافريقية والى افغانستان.
ويرجح سلز أن تكون ساحة المعركة الاساسية القادمة ضد الجماعات
الارهابية هي القارة الأفريقية. لكن المعركة لن تكون فقط بين حكومات المنطقة من طرف
والجماعات الجهادية من طرف آخر بل سنشهد طراعا داميا بين القاعدة والدولة الاسلامية
بسبب المنافسة بينهما.
وهذه المنافسة تحتدم أكثر فأكثر حسب رأي الخبير في شؤون الجماعات
الجهادية اوليفيه جييتا من مؤسسة جلوبال سترات للمخاطر الأمنية الاستشارية، "أفريقيا
ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال السنوات العشرين المقبلة بدلا من الشرق الاوسط"
حسب رأي جييتا.
ورغم أن الجماعتين تشتركان في كراهية حكام المنطقة المدعومين
من الغرب وتتهمانهم بالكفـر، لكن هناك فروقات جوهرية في مقاربة وأفكار كلتا الجماعتين.
فتنظيم الدولة "داعش" معروف عنه أنه لا يتورع عن استخدام أشد أساليب العنف
والفظاعة في عملياته، مثل عمليات قطع الرؤوس ونشرها عبر شرئط مصورة.
ورغم انه ينجح في استقطاب المنحرفين والمجرمين إلى صفوفه
عبر هذه الاساليب لكن ذلك يثير حفيظة وكراهية الغالبية العظمى من المسلمين.
بينما القاعدة تلجأ الى أساليب أكثر براجماتية مثل كسب ولاء
ابناء المنطقة الذين لا يثقون بحكوماتهم وبقوات الأمن الحكومية، واستغلال المظالم الاقليمية
والعرقية.
ويرى السفير سلز أن منطقة غرب أفريقيا تمثل البيئة المثالية
لنشاط الجماعات الجهادية بسبب "فشل الحكومات في السيطرة على أراضيها وارتكاب القوات
الحكومية انتهاكات ضد السكان وسهولة عبور الحدود بين هذه الدول".
والجماعة الجهادية المهيمنة في المنطقة هي "جماعة نصرة
الاسلام والمسلمين" الموالية للقاعدة وهي تتنافس مع جماعة "الدولة الاسلامية
في الصحراء الكبرى" الموالية للدولة الإسلامية وقد وقعت عدة معارك بين الجماعتين
خلال العام الماضي 2020، لكنها لم تتحول الى مواجهات واسعة.
وكانت نيجيريا الدولة التي عانت اكثر من غيرها من عنف الجماعات
المتطرفة حيث تواجه القوات الحكومية مصاعب في السيطرة على المناطق الشمالية من البلاد
وهي المناطق التي تنشط فيها جماعة بوكو حرام.
وحسب "مؤشر الارهاب العالمي" فإن بوكو حرام مسؤولة
عن سقوط 37500 قتيل واكثر من 19 الف حالة قتل بسبب اعمال ارهابية منذ عام 2011 في نيجيريا
بشكل اساسي وفي الدول المجاورة.
في عام 2015 بايع فرع من بوكو حرام تنظيم الدولة "داعش"
واطلق الفرع على نفسه بعد ذلك اسم "ولاية غرب افريقيا للدولة الاسلامية"
ونجح مسلحوه في عبور الحدود والسيطرة على قاعدة لقوات متعددة الجنسيات على ضفاف بحيرة
تشاد عام 2018 ومنذ ذلك الحين تقوم الدولة الاسلامية بالدعاية لهذا الفرع بشدة.
كما لا يزال بوكو حرام يقوم بعمليات مروعة في شمالي البلاد
حيث تبنت اوائل ديسمبر 2020، عملية قتل عشرات الفلاحين في ولاية بورنو بحجة تعاونهم
مع قوات الأمن.
وتتردد القوى الغربية في تقديم الدعم العسكري والاستخباري
الواسع للقوات الحكومية النيجيرية بسبب الفساد المستشري وسجل الجيش النيجيري السيء
في مجال حقوق الانسان حسب الدبلوماسيين الغربيين.
وهذا الوضع ساعد كثيراً جماعة بوكو حرام وغيرها من الجماعات
الجهادية في كسب المزيد من المؤيدين والأنصار في شمالي البلاد.
بينما انطلقت القاعدة في شمال افريقيا من الجزائر وبالتالي
لا غرابة أن يكون الزعيم الجديد للقاعدة في "المغرب الإسلامي" جزائرياً،
حيث حل أبو عبيدة العنابي البالغ من العمر 51 عاماً وصاحب اللحية البيضاء محل الزعيم
السابق عبد المالك دوركدال الذي قتل في عملية للقوات الفرنسية في شهر يونيو 2020، في
مالي.
واظهر تعيين زعيم جديد للقاعدة في المغرب الخلاف بين القاعدة
والدولة الاسلامية، فبينما رحب بذلك انصار القاعدة اثار انصار الدولة الإسلامية الشكوك
في تاريخه الجهادي.
في المقابل يمثل الجيب الذي أقامه تنظيم الدولة الاسلامية
في مقاطعة كابو دلغادو والذي يحمل اسم " إمارة وسط افريقيا في الدولة الاسلامية"
تجسيداً فعليا لمثال التمرد الشامل على الدولة واقامة جيب منفصل عبر وسيلة الانترنت
حصراً.
ويعتقد مسؤولي مكافحة الارهاب أن المسلحين الذين ينشطون في
المنطقة الغنية بالغاز من موزمبيق قد انخرطوا في صفوف هذا التنظيم بفضل الدعاية عبر
الانترنت وبمساعدة متطرفين في تنزانيا المجاورة ودون أن توفد الدولة الاسلامية عناصر
من سوريا أو العراق للقيام بهذه المهمة.
وراجت مؤخراً تقارير متضاربة عن بعض اعمال العنف المروعة
التي وقعت في إقليم كابو دلغادو وأخرها المجزرة التي راح ضحيتها 50 قروياً جرى اعدامهم
في ملعب لكرة القدم.
ويبدو ان المسلحين الاسلاميين الموالية للدولة الاسلامية
في موزمبيق قد باتت لهم اليد العليا في مواجهة القوات الحكومية و "يتحركون بحرية
في البلاد دون أن يواجهوا مقاومة".
الفدية مقابل الرهائن
في عام 2013 وقع زعماء مجموعة السبعة في قمتهم تعهداً التزموا
بموجبه بعدم دفع الفدية للجماعات المصنفة في خانة المنظمات الإرهابية.
وبعد سبع سنوات من التوقيع على ذلك التعهد تم إطلاق سراح
الرهائن الأوروبييين المختطفين لدى الجماعات الارهابية مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة
لا أحد يعلم مقدارها بينما جرى إعدام المواطنين الأمريكيين والبريطانيين بسبب رفض الحكومتين
التفاوض مع الخاطفين.
فقد جرى مؤخراً اطلاق سراح عدد من الرهائن الفرنسيين المحتجزين
من قبل الجماعات الارهابية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى مقابل إطلاق سراح عدد كبير
من الجهاديين الخطرين الذين كانوا يقبعون في سجون مالي.
ويقدر الخبراء اجمالي المبلغ الذي تم دفعه للجهاديين خلال
السنوات الماضية مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين بنحو 120 مليون دولار.
ويستخدم المتطرفون هذه الأموال في شراء المزيد من الاسلحة
والمتفجرات والسيارات وأجهزة الرؤية الليلية واجهزة الاتصال وتجنيد المزيد من الأفراد
ورشوة المسؤولين.