مخالب أردوغان تتوغل للقارة الأفريقية
لم تكتف تركيا بمساعيها الخبيثة نحو منطقة الشرق الأوسط ، بل تمددت لتصل نحو القارة السمراء بهدف فرض مشروعها الإخواني في بقاع قارة أفريقيا، عبر حيل القوة الناعمة المتمثلة في مؤسسات غير حكومية ظاهرها خيري وباطنها الفساد ، فضلا عن سعيها لبناء شراكات متعددة وتحقيق أهدافها الاستراتيجية حول إيجاد موطئ قدم في هذا الجزء الاستراتيجي من القارة الإفريقية والمساهمة في إعادة هندسة المعادلة الإقليمية في الساحل والصحراء.
ويمثل الانخراط التركي في الصومال النمو الأضخم لسياسة الانفتاح
على أفريقيا الطموحة التي أطلقتها أنقرة في العام 2005 وهدفت إلى تعزيز الحضور الدبلوماسي
والتجاري التركي في أرجاء القارّة.
وشملت المبادرة افتتاح عشرات السفارات الجديدة ورحلات للخطوط
الجوية التركية ومؤتمرات قمة تركية أفريقية اعتيادية.
وتضاعَف عدد السفارات التركية في أفريقيا إلى 4 أضعاف خلال
العقدين الماضيين، ليصل إلى حوالي 43 سفارة و54 وجهة سفر الآن.
وقد افتتحت أنقرة خلال الفترة الأخيرة سفارتين جديدتين لها
في كل من توغو وغينيا الاستوائية، وذلك بهدف تعزيز العلاقات والحضور التركي في المنطقة.
وللسودان أيضا تاريخ من النفوذ العثماني وقد خضعت هذه البلاد،
حتّى أبريل 2019، لحكومة إسلامية إسمياً (وقمعية بلا شك) ذات صلات تاريخية بجماعة الإخوان
المسلمين، و كانت علاقة السودان بالولايات المتحدة متقلقلة، ممّا يجعلها تابعاً جذاباً
لأردوغان، الذي سعى إلى جعل تركيا نموذجاً للعالم المسلم وبديلاً للعالم الغربي الذي
تخلّى عن سلطته الأخلاقية.
وفيما شكل الصومال والسودان الهدفَين الأكثر طبيعية للتعاون
التركي، تعتبر أثيوبيا القوة الصاعدة في المنطقة.
ويعد تُولي أنقرة للدائرة الأفريقية في المجال الأمني أهمية كبيرة، حيث أصبحت السياسة التركية أكثر عسكرة
منذ عام 2015 بُغية توسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة والقارة، وهو ما برز في اتفاقات
التعاون الأمني التي أبرمتها أنقرة مع معظم دول المنطقة مثل موريتانيا وغامبيا وكوت
ديفوار وتشاد والسودان وغينيا ونيجيريا وبنين، وآخرها التوصل إلى اتفاق أمني مع النيجر
في يوليو 2020 بهدف إيجاد موطئ قدم علني في منطقة الساحل والصحراء.
ومن الناحية الاقتصادية أقيمت أول قمة لتركيا مع أفريقيا
عام 2008 في إسطنبول، والتي شاركت فيها 49 دولة أفريقية، وفي العام نفسه أعلن الاتحاد
الأفريقي أن تركيا شريك إستراتيجي للقارة، وفي أواخر عام 2014 عقدت القمة الاقتصادية
الثانية بين الطرفين في غينيا الاستوائية.
وتشير تقارير إعلامية
إلى سعي أنقرة إلى إنشاء قاعدة عسكرية في غرب أفريقيا، خاصة في النيجر قرب الحدود
مع ليبيا، وهو ما يمنحها موطئ قدم علني في دولة أفريقية ثالثة بعد الصومال وليبيا.
وكان البرلمان التركي قد وافق في نوفمبر 2014 على المشاركة
في عمليات حفظ السلام الدولية في كلٍّ من مالي وأفريقيا الوسطى.
كما تقوم مؤسسة
"صادات" التركية بإجراء برامج تدريبية عسكرية للعديد من القوات والجيوش الأفريقية،
وتبحث عن فُرصٍ للاستفادة من الصفقات العسكرية في القارة الأفريقية.
ومن أبرز المشروعات التي نفذتها الشركات التركية في أفريقيا،
إنشاء وإدارة مطار دولي في كل من ساحل العاج وتونس، وإنشاء مصنع للإسمنت في كل من الغابون
وساحل العاج، ومصنع للحديد في الجزائر، ومجموعة من الفنادق الكبيرة في الجزائر والغابون
ورواندا، ومجموعة من الطرق السريعة في السنغال، ومحطات توليد الطاقة في ليبيا، ومحطات
تحلية المياه في الغابون.
ويحاول النظام التركي تجنيد قبائل الطوارق في منطقة الساحل
للترويج لسياساته في الساحل وغرب وشمال أفريقيا؛ فقد زار 10 من شيوخ وقادة الطوارق
تركيا في أبريل 2020، وتسعى أنقرة إلى استمالة الطوارق واستغلالهم من أجل تعزيز سياساتها
الحالية والطموحات الشخصية للرئيس التركي، تحت غطاء مساعدة الطوارق في توسيع دائرة
الإسلام في أفريقيا.
ويعد التدخل التركي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا خطوةً على
طريق التوجهات التركية المضادة للمصالح الفرنسية والأوروبية في المنطقة.
وقد امتد الصراع
بين فرنسا وتركيا من ليبيا وشرق المتوسط إلى منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، خاصة
في ظل المساعي التركية لتحجيم النفوذ الفرنسي وتعزيز موقعها، بما يضر بالمصالح الاستراتيجية
الفرنسية في المنطقة التي تعد ساحة تقليدية للنفوذ الفرنسي.
وتسعي تركيا إلي دعم حركات الإسلام السياسي في المنطقة وفي
الشمال الأفريقي، والبحث عن حلفاء جدد بعد سقوط جماعة الإخوان في عدة دول إفريقية وخاصة
السودان، حيث إن لدى تركيا مشروعاً توسعياً تُمثِّل فيه ليبيا نقطة انطلاق نحو منطقة
الساحل والصحراء وغرب أفريقيا.
كما تسعى أنقرة إلى التعاون مع بعض قوى الإسلام السياسي في
المنطقة، بهدف تغيير موازين القوى عبر التنظيمات المتطرفة التي ترغب أنقرة في نسج خيوط
الارتباط بينها في ليبيا.
وتشير تقارير إعلامية إلى وجود اتفاق بين أنقرة وجماعة بوكو
حرام لنقل بعض عناصرها إلى الجنوب الليبي الخاضع لسيطرة الجيش الوطني الليبي.
وتهدف تركيا من التوسع في القارة السمراء إلي تقوية شوكة
التنظيمات المتطرفة والإرهابية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا على حساب الجيوش الأفريقية
في ظل استمرار الدعم العسكري واللوجستي من أنقرة والدوحة لتلك التنظيمات، وخلق بيئة
جديدة حاضنة للإرهاب، ونقل المزيد من العناصر الإرهابية إلى المنطقة بأكملها.