توسع عمليات داعش في نيجيريا ودلالاتها

الثلاثاء 19/يناير/2021 - 09:09 ص
طباعة توسع عمليات داعش حسام الحداد
 
قالت الشرطة النيجيرية صباح اليوم الثلاثاء 19 يناير 2021، ان أربعة ضباط شرطة قُتلوا وفُقد آخر عندما هاجم مسلحون قافلتهم في شمال غرب نيجيريا.
وذكر متحدث باسم الشرطة الاتحادية في بيان أن نحو 100 مسلح هاجموا 16 من ضباط الشرطة على طريق سريع أثناء عودتهم إلى مقرهم بولاية كانو، مبيناً أن الجماعات المسلحة تجوب في منطقة شمال غرب نيجيريا وترتكب جرائم مثل السطو المسلح والخطف والقتل.
وأفادت وكالة "فرانس برس" السبت 16 يناير 2021، بأن مسلحين مرتبطين بتنظيم "داعش" استولوا على قاعدة عسكرية في ولاية بورنو جنوب شرق نيجيريا.
ونقلت الوكالة عن مصدرين تأكيدهما أن عناصر تنظيم "ولاية غرب إفريقيا للدولة الإسلامية" شنوا الليلة الماضية هجوما على القاعدة الواقعة في مدينة مارتي، عند الساحل الغربي لبحيرة تشاد، وأحكموا سيطرتهم عليها بعد اشتباكات عنيفة.
وأكد أحد المصدرين أن أولوية الجيش النيجيري تكمن الآن في استعادة القاعدة وعملية عسكرية قد انطلقت لتحقيق هذا الهدف.
وأشارت الوكالة إلى أن القاعدة المذكورة قد تعرضت لهجوم على أيدي المتشددين الأسبوع الماضي.
وقد أعلن الجيش النيجيري الاثنين 18 يناير 2021، استعادة السيطرة على قاعدة (مارته) العسكرية الواقعة شمال شرق البلاد بعد "معارك طاحنة" خاضها ضد مقاتلي "ولاية غرب أفريقيا" التابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
وأوضح الجيش النيجيري -في بيان نقله راديو (أفريقيا 1) أن عسكريين بالتنسيق مع القوات الجوية، دمرت 7 شاحنات عسكرية تابعة للتنظيم وجماعة بوكوحرام، وتم تصفية العديد من مسلحي المجموعة".
وأعلن الجيش النيجيري أن 64 مسلحًا من جماعة «بوكو حرام» قتلوا خلال عمليات عسكرية متعددة في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد.
وقال المتحدث باسم الجيش النيجيري جون إينينتشي، في مؤتمر صحفي، إن العمليات شملت غارات جوية استهدفت أوكار المسلحين في منطقة «جوجبا» الحكومية المحلية، ومنطقة «بوني يادي» وقرية «كافا» بمحافظة يوبي.
وأوضح أن الهدف من هذه العمليات العسكرية هو طرد مقاتلي جماعة «بوكو حرام» من معاقلهم في المنطقة المضكربة منذ عدة سنوات.
وتنشط «بوكو حرام» في شمال شرقي نيجيريا، منذ أكثر من عشر سنوات، ما أجبر مئات آلاف الأشخاص على مغادرة منازلهم، مثلما قتل نحو 36 ألف شخص، وأصبح أكثر من سبعة ملايين شخص في حاجة لمساعدات إنسانية.
وظهرت جامعة «بوكو حرام» في شمال شرق نيجيريا عام 2009، وانتشرت شيئا فشيئا لتتسع دائرة عملياتها نحو الكاميرون والنيجر وتشاد، خصوصا في منطقة حوض بحيرة تشاد.
وحسب دراسة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث متقدمة، يمكن القول إن التنظيم يسعى من خلال تلك العمليات إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- تغيير تكتيكي: ركز "داعش" على تدعيم ولاية غرب أفريقيا باعتبارها الولاية الثالثة من حيث الأهمية بعد ولايتى العراق وسوريا. وبعبارة أخرى، يعتبر فرع التنظيم في غرب أفريقيا الولاية الأولى خارج النطاق المركزي للتنظيم، حيث يسعى الأخير من خلال تصعيد عملياته الإرهابية في دول غرب أفريقيا إلى استهداف قوات الجيش والشرطة التي تتعاون مع القوات الفرنسية في المنطقة، والتي توعد التنظيم باستهدافها عبر عدد من رسائله الإعلامية، بالتوازي مع التهديد بمهاجمة فرنسا نفسها كرد فعل على نشاط قواتها في المنطقة.
وفي هذا السياق، يمكن طرح دلالتين لتغيير تكتيك التنظيم: تتمثل الأولى في تركيز "داعش" على دول غرب أفريقيا عبر الربط بين تلك الدول وقوات التحالف الدولي لمحاربة التنظيم سواء في سوريا والعراق أو النشاط العسكري الفرنسي لمكافحة التنظيم في منطقة الساحل والصحراء.
وتنصرف الثانية إلى إعادة النظر في تكتيكات التنظيم القتالية خاصة فيما يتعلق بتحديد مفهوم العدو، حيث كان التنظيم في المرحلة السابقة يركز على ما يسمى بـ"العدو القريب"  مع قليل من التركيز على "العدو البعيد"، ولكن من الملاحظ خلال الفترة الجارية عبر فرع التنظيم في غرب أفريقيا التركيز على "العدو البعيد"، بما يعني حدوث تحول فكري وتكتيكي في بنية التنظيم والاقتراب من المفهوم الذي تبناه تنظيم "القاعدة" في عمليات الاستهداف وطبيعة المستهدف. 
2- التمسك بالاستراتيجية الجديدة: يحاول التنظيم عبر العمليات الإرهابية الأخيرة في غرب أفريقيا تعزيز الاستراتيجية الجديدة التي جاءت تحت عنوان "إسقاط المدن مؤقتاً كأسلوب عمل للمجاهدين"، حيث تضمن محتوى الصور التي بثها التنظيم للعمليات الإرهابية في دول غرب أفريقيا التركيز على ثلاثة آليات في استراتيجيته الجديدة وهى: "الاستفزاز" و"تثبيت العدو" و"كبت المنافقين ونصرة المؤمنين".
ويتم تنفيذ الآلية الأولى عبر اقتحام قرية أو بلدة ما ومهاجمة قوات الأمن بها بهدف استفزاز السلطات ودفعها إلى إرسال قوات أخرى من المناطق المجاورة لإنقاذ الجنود الذين يطلبون النجدة، حيث يكون في انتظار الإمدادات كمائن العناصر الإرهابية التابعة للتنظيم وعبواتهم على الطرقات، وبالتالي تصبح قوات الأمن في حيرة بين الاندفاع لإنقاذ القوات التي تتعرض للهجوم، وبين تأمين القوات الأخرى المرسلة للإنقاذ والتي قد تقع في كمائن قاتلة، لدرجة تصل معها إلى مرحلة الامتناع عن إرسال أية قوات لتقديم الدعم والإسناد. 
ويتم تفعيل الآلية الثانية من خلال مهاجمة قرية أو بلدة، وإجبار قوات الأمن على تثبيت قوات كبيرة فيها، للدفاع عنها وحماية مصالحها وطرق إمدادها، بما يؤدي إلى استنزاف قسم من قدرات هذه القوات في حماية أهداف قد تكون قليلة الأهمية، وخاصة عندما يكرر العناصر الإرهابية اقتحام قرى أو بلدات في مناطق متباعدة، بشكل يمكن أن يجبر قوات الأمن على توزيع قواتها على مناطق واسعة، لتخوفها من حدوث اختراق في أى مكان.
ويتم تطبيق الآلية الثالثة عن طريق قتل المتعاونين مع قوات الأمن، وهو ما ظهر بشكل واضح خلال العمليات الإرهابية الأخيرة للتنظيم في غرب أفريقيا.
3- إثبات الوجود: يحاول "داعش" عبر تلك العمليات تقليص نشاط تنظيم "القاعدة" عبر إعلان سيطرة التنظيم على مجمل النشاط الإرهابي في المنطقة، كنوع من استعراض القوة واثبات الوجود والنفوذ. وهنا، فإنه يمنح أهمية خاصة لتلك المنطقة، التي تعتبر نقطة ارتكاز قوية بجانب أن البيئة المحلية لدولها تعتبر جاذبة للعناصر الإرهابية، نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تشهدها.
في المجمل، يكثف تنظيم "داعش" عبر فرعه في غرب أفريقيا هجماته الإرهابية ضد قوات الأمن والمدنيين، بالتوازي مع محاولاته استهداف القوات الفرنسية المتمركزة بدول الساحل والصحراء، على نحو أدى إلى تصاعد دور هذا الفرع الذي وصل إلى المرتبة الأولى بين مجمل أفرع التنظيم الخارجية المختلفة خلال الفترة الحالية، على نحو يفرض تهديدات جدية لأمن ومصالح دول تلك المنطقة والقوى الإقليمية والدولية المعنية بها.

شارك