تقرير دولي يناقش: جهود فرنسا للقضاء على الإرهاب في دول الساحل الإفريقي
وفق تقرير صدر مؤخرا لـ"مجموعة الأزمات الدولية" (ICG)، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من بروكسل مقرا لها، فإن النهج العسكري الفرنسي في منطقة الساحل لم يستأصل الأزمة الأمنية فهي تتوسع إلى مناطق جديدة ما أدى إلى تنامي السخط الشعبي وهو ما اتضح في انقلاب مالي على باريس وشركائها
ومنذ
أمس الاثنين 15 فبراير 2021، تستضيف تشاد قمة للمجموعة يحضرها رؤساء دول الساحل الإفريقي
ويشارك فيها ماكرون عبر تقنية الفيديو لبحث القضايا الأمنية الإقليمية.
وقبل
قرابة 7 أعوام، انطلقت حملة عسكرية بقيادة فرنسا، بهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية
في دول الساحل الإفريقي وفرض الأمن في المنطقة الواقعة في غربي القارة السمراء.
والآن،
يجد كثيرون بينهم داعمون دوليون للحملة ومسؤولون فرنسيون، أن تلك الحملة عمقت الأزمة
وأتت بنتائج عكسية، وباتوا يبحثون عن بدائل لتصحيح مسار استراتيجية جلب الاستقرار للمنطقة،
وفق تقرير لـ"مجموعة الأزمات الدولية" (ICG)، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من بروكسل مقرا
لها.
وسلط
التقرير، الصادر في وقت سابق هذا الشهر، الضوء على الضغوط والتحديات التي واجهت الحملة
العسكرية في الساحل، وأحدثها جائحة كورونا، التي قال التقرير إنها "عرقلت الجهود
الدولية لتسريع وتوسيع عمليات تحقيق الاستقرار في الساحل (بوركينا فاسو وتشاد ومالي
وموريتانيا والنيجر)".
وتحت
عنوان "مسار تصحيح استراتيجية تحقيق الاستقرار في الساحل"، قالت المجموعة
في تقريرها إن فرنسا أرسلت عام 2013 قوات إلى مالي، "للقضاء على التنظيمات الإسلامية
المتطرفة في منطقة الساحل"، لكن جهودها أتت بنتائج عكسية و"زاد التطرف"
بدلا عن القضاء عليه.
ولم
يؤد النهج الفرنسي الحالي إلى استئصال الأزمة الأمنية في الساحل، بل إنها تستمر في
التوسع لتشمل مناطق جديدة، ما أدى إلى تنامي السخط الشعبي من حكومات المنطقة، وبدا
ذلك جليا في اضطرابات قادت إلى انقلاب أغسطس/ آب الماضي في مالي، وفق التقرير.
ورأى
أنه يجب على فرنسا وحلفائها إعطاء الأولوية لمعالجة أزمة الحكم في المنطقة، عبر تشجيع
دول الساحل على الانخراط في حوار ليس فقط مع سكان الريف، بل أيضا مع المسلحين، إضافة
إلى تقديم الخدمات الاجتماعية، واعتماد إصلاحات مالية.
ووفق
التقرير، فإن استراتيجية تحقيق الاستقرار في الساحل، بقيادة فرنسا، تعثرت وسط تصاعد
أعمال القتل الطائفي وأنشطة المتشددين، فضلا عن تآكل ثقة الشعوب في حكومات المنطقة.
الهدف
من تلك الاستراتيجية بالأساس، بحسب التقرير، "هو تهدئة المنطقة من خلال استثمارات
واسعة النطاق في مجالات الأمن والتنمية والحوكمة، لكنها في الغالب لم تفِ بمثل هذه
الوعود، وبدلا عن ذلك فإنها تركز بشكل متزايد على العمليات الفرنسية التي تهدف إلى
هزيمة الجهاديين عسكريا".
وفاقمت
كورونا هذا الوضع، حيث قال التقرير إن الجائحة عرقلت عمليات قوات حفظ السلام التابعة
للأمم المتحدة في مالي، وتدريب الاتحاد الأوروبي لقوات الأمن في الساحل، وأنشطة التنمية.
ومن
بين البدائل للاستراتيجية الراهنة الفاشلة في تحقيق الاستقرار بالساحل، يؤكد التقرير
على ضرورة أن تعيد باريس وشركاؤها توجيه نهجهم نحو إعطاء الأولوية للحكم، خاصة عبر
تهدئة التوترات بين المجتمعات مع بعضها وبين المجتمعات والدولة في المناطق الريفية
التي تستغلها الجماعات المتطرفة.
وكذلك
من خلال تحسين أداء الحكومات في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وعلى الجهات الخارجية
خلق حوافز لحكومات الساحل للإصلاح، لا سيما عن طريق تشديد المالية العامة.
ووفق
التقرير فإن شركاء فرنسا، بما في ذلك دول الساحل الإفريقي والحكومات الأوروبية والولايات
المتحدة، يدعمون رسميا استراتيجيتها لتحقيق الاستقرار في الساحل.
إلا
أن بعض المسؤولين الغربيين أعربوا عن قلقهم إزاء ما نتج عن تلك الاستراتيجية، مشددين
على ضرورة تعديلها، رغم تقديمهم بدائل محدودة لها، وفقا للتقرير.
وأكد
على ضرورة أن يتبني الاتحاد سياسات متوافقة مع واقع اليوم، مثل التخفيف من حدة النزاعات
المحلية، ودعم الإصلاحات الداخلية.
أما
بالنسبة لواشنطن، أشار التقرير إلى تضاؤل اهتمامها بدعم عمليات السلام والأمن في منطقة
الساحل بشكل كبير خلال إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب (2017 - 2021).
وتابع
أنه بعد 2017، عندما قتل مقاتلو تنظيم "داعش" أربعة جنود أمريكيين في النيجر،
بدأ المسؤولون الأمريكيون يفقدون الثقة في النهج الذي تقوده فرنسا، بحجة أنه فشل في
عكس اتجاه التمرد على الأرض.
ورأى
التقرير أن "الأهمية التي يوليها فريق الرئيس الأمريكي جو بايدن، للعلاقات عبر
الأطلسي مع فرنسا، تجعل سحب القوات أو خفض الانفاق أمرا مستبعدا إلى حد ما".
وفيما
يخطط الاتحاد الإفريقي لإرسال قوات إلى منطقة الساحل، اعتبر التقرير أنه في حال تم
ذلك فمن غير المرجح أن تكون تلك القوات قادرة على تغيير مجرى التيار في المنطقة.
وبحسب
التقرير، فإن بعض الساسة الغربيين يدعمون إعطاء المزيد من المسؤولية الأمنية للأفارقة،
رغم غياب الإجابات الواضحة بشأن الدول التي سترسل تلك القوات ومصادر تمويلها.
وفق
"مجموعة الأزمات الدولية"، فإن "تفشي جائحة كورونا والانقلاب في مالي،
في أغسطس الماضي، كان بمثابة ضربات للجهود الدولية المذهلة بالفعل لتحقيق الاستقرار
في منطقة الساحل".
وأوضح
أن هذا النهج الجديد سيعيد ترتيب الأولويات بالتركيز على الحوار السياسي أولا كوسيلة
لبدء عودة الدولة إلى المناطق الريفية، وثانيا الإصلاح الإداري على نطاق أوسع، وخاصة
التعليم والرعاية الصحية.
ذهب
التقرير إلى أن "استراتيجية تحقيق الاستقرار، التي تقودها فرنسا في الساحل الإفريقي،
تمر حاليا بمنعطف حرج".
وأرجع
التقرير ذلك إلى أن جائحة كورونا عرقلت تلك الاستراتيجية؛ وعملية
"برخان" أطلقتها فرنسا في مالي، منذ 2014، للقضاء على الجماعات المسلحة بمنطقة
الساحل الإفريقي والحد من نفوذها.
كما
أرسلت الأمم المتحدة 15 ألف جندي لتحقيق الاستقرار في مالي، لكن لم يتم القضاء على
التهديد الأمني فيها.
ورأى
التقرير أن "مشاكل دول الساحل، التي تنامت فقط لتغير طبيعة الصراع واتساع نطاقه
الجغرافي، تتطلب نهجا أكثر دقة".
وتابع
أن حلفاء فرنسا وبعض المسؤولين الفرنسيين يدركون ضرورة تحديث استراتيجيتها العسكرية.
وقال
إن "الحفاظ على جهود تحقيق الاستقرار أو زيادة الموارد المالية أو العسكرية لن
يعالج التدهور الأمني، الذي ما زال مستمرا بعد قرابة عقد من الجهود ذات النوايا الحسنة
التي كلفت مليارات الدولارات".
وأكد
على أهمية أن "تتركز جهود تحقيق الاستقرار حول تحسين الإدارة والمشاركة السياسية
على مستوى القاعدة الشعبية، حيث تشتعل الصراعات".
واختتم
التقرير بأنه "في حال تحقيق ذلك فقط، فإن عمليات نشر القوات ومشاريع التنمية يمكنهما
المساعدة في بناء روابط بين الدول وسكانها الريفيين".
والإثنين،
بدأت في نجامينا عاصمة تشاد، قمة رؤساء مجموعة دول الساحل وفرنسا، لبحث القضايا الأمنية
الإقليمية، حيث تريد باريس من حلفائها تولي الشق السياسي فضلا عن العسكري لخفض انخراطها
المتواصل منذ سنوات، بحسب تقارير إعلامية فرنسية.
وبينما
أعلن رؤساء مجموعة دول الساحل الخمس حضورهم إلى نجامينا، يشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماركون، عبر تقنية الفيديو.
وتستمر
القمة يومين، وتجمع أولا مجموعة الخمس وفرنسا، على أن ينضم إليها لاحقا شركاء دوليون.
وتأتي
القمة بعد سنة على قمة في فرنسا أفضت، بسبب التهديدات المتزايدة للمتطرفين، إلى تعزيزات
عسكرية في منطقة "الحدود الثلاث" (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) وإرسال
600 جندي فرنسي إضافي، ليرتفع عددهم إلى 5100.