من القذافي وحتى حكومة «عبد الحميد دبيبة».. خفايا الدور القطري في ليبيا
خلال السنوات العشر الماضية، اتضح بقوة حجم العلاقات بين قطر وتنظيم الإخوان في المنطقة، وحاولت الدوحة وأبناء حسن البنا- مؤسس الاخوان- اللعب واستغلال غضب الشارع العربي بعد احتجاجات 2011، بالإمساك في السلطة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بالاضافة الى البحرين والأردن والصومال، المخطط القطري الاخواني والمدعوم من تركيا وإيران، استخدم ادوات عديدة من أجل الامساك بمصير الدول، عبر دعم الاخوان سياسيا واعلاميا وماديا، ولكن الأخطر كان عبر دعم الإخوان بالسلاح والمقاتلين، واستخدام الجماعات والمتشدد والارهابية، في تثبيت الاخوان بهذه الدول، وتشكل ليبيا نموذج الذي استخدمت فيه كل الأدوات القطرية التركية الإخوانية في امساك الجماعة والدوحة وأنقرة بخيوط السلطة في الدول العربية الكبيرة بشمال أفريقيا.
الدور القطري منذ احتجاجات 17 فبراير 2011، وحتى الأن مستمر بوتيرة قوية، في
دعم الاخوان، وبقائهم في السلطة رغم انقلاب الاخوان على الديمقراطية التي يشدقون
بها في اخر انتخابات تشريعية جرعت في ليبيا، وايضا دعم المستمر بالسلاح والمال
وابقاء الصراع مشتعلا في الميدان الليبي، والابقاء على ذلك لكن شكلت خط سرت الجفرة
الاحمر الذي رسم الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد انسحاب الجيش الوطني الليبي من
طرابس، السد المنيع أمام المخططات القطرية التركية في ليبيا، مما اجبر ادوات
الدوحة وانقرة على اتفاق جديد برعاية الامم المتحدة افضى الى اختيار عبد الحميد دبيبة
رئيسا للحكومة الانتقالية و محمد المنفي رئيسا
لمجلس الرئاسي، واسقاط ابرز حلفاء قطر وتركيا خالد المشيري وفايز السراج.
وقد لعبت قطر دوراً
حيوياً في الأشهر الأولى الصاخبة من الربيع العربي. إذ هي بلورت، عبر شبكة الجزيرة
الفضائية، سرديات الاحتجاج البازغة، كما أنها عبأت الدعم العربي، بداية لصالح التدخّل
الدولي في ليبيا في مارس 2011، ودعم أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس
الوزراء السابق حمد بن جاسم آل ثاني- وحفّزهم على دعم قوى الإسلام السياسي الصاعدة
في الدول التي تمرّ في مراحل انتقالية، فتولّى حمد بن جاسم حشد الدعم للقرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة، والقاضي بالسماح بإنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا. وأوضح رئيس
الوزراء أن «قطر ستساهم في العمل العسكري إيماناً منها بضرورة أن تكون هناك دول عربية
تقوم بهذا العمل لأن الوضع [في ليبيا] لايحتمل».
كما شاركت مقاتلات
ميراج القطرية في الغارات الجوية التي شنّها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأعطت قناة
ليبيا تي في (مقرّها في قطر) الفرصة للمتمرّدين كي يجعلوا قضيتهم مسموعة حول العالم.
كان هدف إنشاء القناة مواجهة الآلة الدعائية لنظام القذافي، وهو أظهر أن الدوحة تدرك
بعمق قدرة وسائل الإعلام على التأثير على السرديات والتصورات والأحداث، إضافةً إلى
ذلك، مكّنت النخبة القليلة من كبار صانعي القرار في الدوحة الدولة من تجميع مختلف عناصر
قوّتها للدّفع نحو تدخّل متعدّد الأوجه في ليبيا.
قطر استدعت ايضا
قادة الارهاب في الدوحة، فقد أنشأت قطر روابط وثيقة مع قادة اثنين من الجماعات
الارهابية الرئيسة هم القيادي بالجماعة الليبية المقاتلة (ارهابية) عبد الحكيم بلحاج
من كتيبة طرابلس مرهوبة الجانب، والأخوان علي الصلّابي. كان بلحاج قائد الجماعة الإسلامية
الليبية المقاتلة، وقد أعادته وكالة الاسخبارات المركزية الأميركية إلى ليبيا في العام
2004 ثم أعاد النظام تأهيله في العام 2007. عاش علي الصلابي في المنفى في قطر قبل ثورة
العام 2011، ويُزعم أنه أصبح الشيخ الأكثر تأثيراً في ليبيا، بينما أصبح أخوه إسماعيل
الصلاتي معروفاً بأنه قائد ميليشيا المتمرّدين الأفضل تجهيزاً، كتيبة راف الله السحاتي.
كان يُشتبه على نطاق واسع بأن قطر تسلّح المجموعة وتموّلها، وقد أكسبتها وفرة مواردها
اسم «كتيبة 17 فبراير».
ومؤخرا كشف الخبير
البريطانى فى شئون الشرق الأوسط، «كريستيان كوتس أورليخسن»، فى كتابه الصادر عن دار النشر التابعة لجامعة «أوكسفورد»،
بعنوان «قطر والربيع العربى»، تحليله لانهيار الدور القطرى فى ليبيا ودعم الجماعات
الارهابية، اةضح الخبير ان: «تدخل قطر العسكرى فى ليبيا شمل أيضاً تقديم الدعم والتدريب
لقوات المشاة، وتوفير أدوات ومعدات الاتصالات المتطورة للمقاتلين الليبيين، واعترافاً
بفضل قطر، سارع المجلس الوطنى الانتقالى الليبى الذى تولى الحكم بعد سقوط القذافى،
بتغيير اسم ميدان الجزائر فى ليبيا إلى «ميدان قطر». وفيما بعد، قدر المسئولون الليبيون
حجم الدعم العسكرى الذى قدمته قطر لإسقاط القذافى بـ20 ألف طن من الأسلحة، موزعة على
18 شحنة تسليح على الأقل، إضافة إلى ملايين الدولارات فى صورة مساعدات مباشرة، إلا
أن خُمس هذه المساعدات فقط هى التى وجدت طريقها إلى ليبيا من خلال القنوات الرسمية
التى أعلن عنها المجلس الوطنى، بينما تم توصيل الباقى إلى قطر من خلال الشبكات الإسلامية
التابعة لعلى الصلابى، وفى أكتوبر 2011، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريراً
أكثر سواداً يظهر مدى التورط العسكرى القطرى فى ليبيا، كان التقرير يتناول اجتماعاً
لقيادات الكتائب الليبية فى طرابلس فى 11 سبتمبر من العام نفسه، بعد 3 أسابيع من سقوط
المدينة فى أيدى الثوار المعارضين لنظام القذافى، اجتمع قادة الميليشيات الليبية المتفرقة
بهدف التوصل لاجتماع لتشكيل جبهة موحدة تقضى على تمزق وتشتت قوتهم فى مرحلة ما بعد
القذافى، وبمجرد اقترابهم من الاتفاق على صيغة للوحدة، دخل رجلان، أحدهما هو رجل قطر
فى ليبيا عبدالحكيم بلحاج، واتهم قيادات الميليشيات الليبية بمحاولة استبعاده، ومن
خلفه وقف رئيس الأركان القطرى حمد بن على العطية، الأمر الذى كان مفاجأة للجميع».
وفي يوليو من العام
2019، كُشفت وثيقة مسربة تحمل تاريخ 29 سبتمبر 2013، صادرة من مكتب مساعد وزير الخارجية
القطري موجهة إلى رئيسه خالد العطية وزير الخارجية آنذاك، وتفيد بإتمام تحويل مبالغ
مالية لأعضاء الجماعة الإرهابية في ليبيا بالصك رقم (9250444) ، إلى قيادات حزب العدالة
والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية في ليبيا، وتم سحب الصك من قبل محمد
صوان رئيس حزب العدالة والبناء الغطاء السياسي للجماعة الإرهابية.
الدعم القطري المشبوه
تم توزيعه على 19 من أعضاء الجماعة الإرهابية (الذين كانوا يشغلون مناصب مهمة في المؤتمر
الوطني العام وقتها، وما زالوا يشغلون مناصب هامة الآن في حكومة الوفاق) على رأسهم
خالد المشري، الذي يترأس مجلس الدولة الحالي في ليبيا، ونائبه منصور الحصادي، والقيادي
الإخواني نزار كعوان وعبدالرحمن الديباني. وجاءت الوثيقة المذكورة (المسربة) ردا على
خطاب سري وعاجل من العطية موجه لمساعده الهاجري، ويحمل رقم 21245 بسرعة تخصيص وإرسال
مبلغ 250 ألف دولار لصالح قيادات الجماعة الإرهابية.
وتصاعد الدعم
القطري للجماعات الارهابية والمتشددة في طرابلس، بعد تقدم الجيش الوطني الليبي
بقيادة المشير خليفة حفتر إلى العاصمة ومحاصرتها لأشهر عدة، فكان التنسيق القطري
التركي لانقاذ اخر ادواتهم في طرابلس من السقوط ومن ثم انتهاء الدور القطري التركي
الاخواني في ليبيا وشمال افريقيا.
ودعمت قطر ومولت
عمليات وتحركات تركيا في ليبيا ، وكذلك نقل مرتزقة سوريين من الجماعات الارهابية
والمتشددة الىى العاصمة طرابلس وهو ما يعد انتهاكا لقرارات الأمم المتحدة مجلس
الامن، ويوضح بقوة مدى الدعم القطري للجماعات الارهابية في ليبيا والمنطقة.
كذلك أثار ظهور قائد
القوات القطرية الخاصة حمد بن عبدالله بن فطيس المري ، خلال اغسطس 2020، في ليبيا بعد
اختفائه خلال السنوات الأخيرة عن الأنظار، جدلا واسعا بين الليبيين الذي عرفوه من خلال
مشاركته في القتال إلى جانب الميليشيات ومسلحي جماعة الإخوان بعد الإطاحة بنظام الرئيس
الليبي الراحل معمر القذافي، وعمل المري مع بالحاج لتأسيس ما يعرف بـ
«كتيبة ثوار ليبيا» التي أثارت الرعب بعنفها وبطشها في ليبيا.
ما تقوم به قطر رصدته
المؤسسات الدولية، والأجهزة الاستخبارية العالمية، فقد أشار تقرير صادر مؤخرا عن «"وكالة
الأمم المتحدة للاجئين» إلى أن قطر ومنذ سقوط القذافي تركز على دعم جماعات الإسلام
السياسي في طرابلس، ما يعزز من حالة الإرهاب الدولي العابر للدول، وربما القارات.
ناهيك عن ذلك فقد
حصلت الاستخبارات الليبية مؤخرا على تسجيلات لمراسل قناة «الجزيرة»"، يقوم خلالها
بتنسيق الرحلات الجوية السرية التي تقوم بها الطائرات القطرية إلى ليبيا لدعم الجماعات
الإرهابية هناك.
الدور القطري المخرب
في ليبيا لا يتوقف عند الإمدادات اللوجستية بالأسلحة والذخائر فقط، بل يمتد كذلك الى
نشر قوات قطرية على الأراضي الليبية، والسعي إلى بسط نفوذ جماعات ميليشياوية معروفة
بعينها في عدة مناطق أبرزها معتيقة ومصراتة، لتكون نقاط مواجهة ومجابهة حال تحركت قوات
الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر.
الدوحة وبحسب بيانات
الجيش الليبي عقدت صفقات لدعم الإرهابيين في الغرب الليبي من خلال « سالم علي الجربوعي»،
العميد بالاستخبارات القطرية والذي عمل لسنوات في منصب المحق العسكري لقطر في دول شمال
غربي إفريقيا، وعلى يديه تم تحول زهاء ثمانية مليارات دولار من البنك القطري التونسي،
إلى بنك الإسكان بمحافظة تطاوين جنوب تونس، ومن هناك يبدأ سر الإثم في توزيعها على
الداخل الليبي، كل بحسب ما تيسر له، ليعمق الفتنة بين صفوف الليبيين، وليعيث في الأرض
الليبية إرهابا غير مسبوق.
وحول الدور القطري
في تأجيج الصراع في ليبيا، فأكد رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان عبدالمنعم الحر، أن أن الدور المشبوه الذي
تمارسه الدوحة مناهض لقيام الدولة الوطنية في ليبيا ويدعم حركات الإسلام السياسي وعلى
رأسها تنظيم الإخوان، لافتاً إلى أن تلك الحركات ترى في المؤسسات الوطنية بما فيها
الجيش عبئا على منظومته الدولية.
وأكد أن قطر خالفت
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 الصادر عام 2001، الذي يدعو الدول الأعضاء بالأمم
المتحدة إلى تقوية كفاءتها القانونية والمؤسسية للتعامل مع الأنشطة الإرهابية، واتخاذ
خطوات لتجريم تمويل الإرهاب.